ارشيف من : 2005-2008
البرنامج النووي السلمي الإيراني:انتصار جديد وارتباك أميركي

الانتقاد/إقليميات ـ العدد 1122 ـ 12آب/أغسطس 2005
انتهت المهلة التي حددها الرئيس بوش للمفاوضين الأوروبيين بإقناع إيران بالعدول عن مواصلة العمل في برنامجها النووي السلمي. ولم تفلح التهديدات التي أرفقها الأوروبيون بمقترحاتهم لتسوية المشكلة عن طريق استعاضة إيران عن تطوير إمكاناتها الذاتية في هذا المجال بطرح استدراج للعروض في السوق الدولية للحصول على التقنيات والمواد الضرورية مقابل إغراءات تجارية وتسهيلات لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وكذا الأمر بالنسبة لتهديدات بوش بفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وبطرح مسألة ملفها النووي السلمي أمام مجلس الأمن، وبالنسبة أيضاً للجهود الإسرائيلية التي بذلت من أجل حث الأميركيين والأوروبيين معاً على عدم إبداء الضعف أمام الموقف الإيراني. ومع الرفض الإيراني للمقترحات الأوروبية والبدء بأعمال التحويل والتخصيب "الحساسة" والمشروعة في مجمع أصفهان، بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكدت إيران عزمها على المضي قدماً في تأكيد حقها المشروع بامتلاك القدرة النووية السلمية، كما أكدت حقها في الدفاع عن نفسها إزاء ما تتعرض له من تهديدات، ولوحت بالتراجع عن التزاماتها السابقة في حال تعرض منشآتها النووية لعدوان عسكري في إشارة فهم منها أن المقصود قد يكون متعلقاً بالموقف من معاهدة منع الانتشار النووي الموقعة من قبل إيران.
هذا الموقف الإيراني الحاسم الذي سجل تقدماً لا رجوع عنه اقترن، في ظل الارتباك الغربي الناشئ عن فشل التهويلات في ثني إيران عن موقفها، بإفساح المجال للعودة إلى تغليب لغة التعقل ومواصلة المفاوضات، الأمر الذي اعتبره المراقبون بمثابة تصرف ذكي ومسؤول، أفسح المجال أمام الأميركيين والأوروبيين لابتلاع فشلهم، والمحافظة على ماء وجههم، في وقت لا يبدو أن بمقدورهم تفعيل تهديداتهم في ظل ما تشهده الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة من تراجعات وإخفاقات على مستوى مشاريع الغزو والهيمنة، وخصوصاً في ظل الطابع الفضائحي الذي يحكم السياسات النووية الغربية تجاه بلدان كالهند و"إسرائيل" اللتين تمتنعان عن توقيع معاهدة حظر الانتشار وتحصلان، مع ذلك، على مساعدات أميركية وغير أميركية في المجال النووي العسكري تحديداً، إضافة إلى امتلاك كل منهما لترسانة ضخمة من الرؤوس النووية. وإذا كانت بعض الإشارات قد صدرت عن الغربيين باتجاه تليين المواقف والعودة إلى المفاوضات، فإن شبح التصعيد يبدو أكثر ميلاً إلى الانحسار في وقت تمكنت فيه إيران من تسجيل هدف في منتهى الأهمية حيث طرحت نفسها بقوة متزايدة كمرجعية رائدة على مستوى العالم الثالث والعالم في مجال المزاوجة بين إرادة الدفاع عن الحق والتمسك حتى اللحظة الأخيرة بالسبل السلمية الإنسانية والمسؤولة، في مقابل لغة التعسف والبطش المعتمدة في التعامل مع العالم من قبل دوائر الاستكبار والهيمنة. موقف جدير بأن يسجل في وقت يعيش فيه العالم أجواء الذكرى الحزينة لـ"المأثرة" التي سجلها الأميركيون قبل ستين عاماً باستخدام السلاح النووي في حربهم مع اليابان التي كانت في تلك اللحظة تبدي استعدادها للاستسلام بلا شروط.
ع.ح