ارشيف من : 2005-2008
قمة مجموعة الـ77 في الدوحة: نحو موقع أكثر تقدماً للعالم الثالث في المعترك الدولي

العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005
بعد قمتها الأولى التي انعقدت عام 2000، في العاصمة الكوبية هافانا، عقدت مجموعة بلدان الجنوب والصين، المسماة بمجموعة الـ 77 + الصين، قمتها الثانية في العاصمة القطرية الدوحة يومي الخامس عشر والسادس عشر من حزيران/ يونيو الجاري، وذلك بحضور ممثلين عن 132 بلداً، بينهم ملوك ورؤساء ورؤساء حكومات ووزراء من آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية والكاريبي، إضافة إلى ممثلين عن 20 منظمة إقليمية ودولية، وكل من رئيس الوزراء البريطاني، طوني بلير، ممثلاً لمجموعة البلدان الصناعية الثمانية، ورئيس وزراء لوكسمبورغ، جان كلود كينكر، ممثلاً للاتحاد الأوروبي، في حين لم تكن قد تأكدت مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي آنان. وكان وزراء خارجية بلدان المجموعة التي أنشئت عام 1964 قد التقوا في الدوحة، يومي الإثنين والثلاثاء، في الثالث عشر والرابع عشر من حزيران/ يونيو الجاري للتداول في "إعلان الدوحة السياسي" و"خطة عمل الدوحة" ولإعداد البيان الختامي الذي تم توقيعه من قبل رؤساء الدول مع اختتام أعمال القمة. وقد ناقش الإعلان قضايا سياسية اشتملت على تطورات الأوضاع في العراق وفلسطين والصومال، إضافة إلى قضايا تخص بعض بلدان المجموعة، وقضايا أكثر عمومية تركزت على العلاقات الدولية وفي مقدمتها إصلاح منظمة الأمم المتحدة باتجاه تعزيز دورها المركزي وجعلها أكثر ديموقراطية وشفافية وناجعية لضمان عملها بوصفها إطاراً دولياً لحماية البلدان الصغيرة والضعيفة. وفي هذا الإطار أكد البيان الختامي على رفض التفرد والتلاعب بالقانون الدولي، وكذلك على رفض التهديد واستخدام القوة والضغوط والعقوبات الأحادية لأغراض سياسية. كما أكد البيان على ضرورة مكافحة الإرهاب ولكن بعد التوصل إلى تعريف مقبول لهذه الظاهرة. والواضح، برغم تأكيد البيان على التفاهم والتعاون بين الجنوب والشمال بدلاً من المواجهة والمجابهة، أنه عكس، باعتدال ولكن دون تنازلات مبدئية، تطلعات بلدان الجنوب التي تشكل ثلثي الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة نحو عالم تعددي في إطار الشرعية الدولية، وهو الأمر الذي لا يخلو من الجرأة في الظروف الحالية المتميزة بمحاولات الولايات المتحدة وحلفائها لفرض الوصاية على العالم مع عدم التورع عن استخدام القوة العسكرية في هذا السبيل. والواضح أيضاً، أن هذه الجرأة من قبل منظمة دولية تسير معظم حكومات البلدان المشاركة فيها في ركاب السياسات الأميركية، هي مؤشر ذو دلالة أكيدة على ارتباك هذه السياسات ودخولها في نفق العد التراجعي بفعل عجزها عن تحقيق أهدافها في القضايا الساخنة المتمثلة بملفات العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان، إضافة إلى الملفين النوويين الإيراني والكوري الشمالي. كما يبدو أن الانتكاسة التي أدخلت مشروع الاتحاد الأوروبي في مرحلة من الضباب المفتوح على تضعضع التماسك الأوروبي والأطلسي يضع بلدان مجموعة الـ 7، الممثلة لأكثر من أربعة مليارات إنسان من سكان العالم الثالث، في حالة من التحسس الإيجابي لمسؤولياتها التاريخية ولقدرتها على مواجهة هذه المسؤوليات، في وقت تتعدد فيه المبادرات التي تندرج، كما في القمة العربية ـ الأميركية اللاتينية، في إطار ما يمكن اعتباره انبثاقاً لوعي جديد على طريق مواجهة المشروع الإمبراطوري الأميركي وغيره من المشاريع الإمبريالية، بطرق أكثر ناجعية من تلك التي استخدمت، خلال العقود الماضية، من قبل مجموعة عدم الانحياز وحركات التحرر الوطني، في ظل التراجعات التي تميزت بها تلك الحقبة التي سجلت نهاية نظام القطبية الثنائية وأعطت الانطباع، موقتاً، بأن العالم قد دخل العصر الأميركي بشكل لا رجعة فيه.
وإذا كان من الطبيعي للشق الاقتصادي في بيان الدوحة أن يأتي مشبعاً بالمفاهيم السائدة عالمياً حول مسائل التنمية ومكافحة الفقر واستدراج الاستثمارات وتعزيز دور القطاع الخاص، فإن التركيز على أهمية تطوير العلاقات التجارية بين بلدان المجموعة، ثم على العمل من أجل علاقات أكثر عدلاً بينها وبين بلدان الشمال، يعكس، برغم التفاوت الكبير بين حجم التبادلات بين هذه البلدان لمصلحة التبادلات مع الشمال، وعياً غير مسبوق، على المستويات الرسمية، بالإجحاف الذي يطبع العلاقات بين عالم غني يزداد غنى وعالم فقير يزداد فقراً في ظل تحكم الرأسمالية المتوحشة والليبرالية الجديدة بمقدرات البشرية. ويأتي مجرد الحديث خلال القمة عن "سلبيات العولمة" بمثابة مؤشر ذي مغزى عن تنامي الإحساس في العالم الثالث باستحالة المضي قدماً في ظل المفاهيم التي تحكم العلاقات القائمة بين الشمال والجنوب في وقت بات فيه من الواضح أن إيجابيات العولمة قد اقتصرت على بلدان الشمال وحدها. وليس أدل على ذلك من ارتفاع أصوات العديد من المندوبين، ومنهم وزير الخارجية القطري، بإدانة تلكؤ بلدان الشمال في الوفاء بالتزاماتها تجاه البلدان النامية، ومطالبتها بالعمل من أجل تحقيق أهداف الألفية التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2000.
ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى بروز توجهات نقدية تمثلت في إدراك القمة، برغم المكتسبات المتحققة على مستوى توسع النظام التجاري التفاضلي بين بلدان الجنوب، للتقصير في تحقيق التكامل الاقتصادي بين هذه البلدان، وفي دفع عمليات التنمية فيها. كما لوحظ عدم اكتفاء القمة بالتطلع نحو حلول خارجية المنشأ لمصلحة حلول داخلية كان أبرزها طرح مشروع إنشاء مصرف الجنوب بهدف إسناد عمليات التنمية، وإن لم يحظ هذا المشروع باهتمام كاف من قبل جهات قادرة على التمويل كالسعودية والكويت والإمارات التي تعتبر المستفيد الأول من القيمة الإعلامية والاستثمارية لانعقاد القمة في منطقة الخليج وفي الدوحة تحديداً. ولا يخفى أن ذلك يحمل بحد ذاته دلالات لا بد لبلدان العالم الثالث من تحسسها على طريق تحديد الخيارات والمواقف اللازمة للنهوض.
عقيل الشيخ حسين