ارشيف من : 2005-2008

لعبة النفاق الاستكباري بين أخلاق الشركات والشطب الوهمي للمديونيات

لعبة النفاق الاستكباري بين أخلاق الشركات والشطب الوهمي للمديونيات

العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005‏

بالتزامن مع قمة الدوحة، وربما أيضاً لاستباق هواجسها المعلنة بمواقف يحاول الغرب من خلالها استدراك سياساته المجحفة بحق العالم الثالث، وتلبس موقف الحدب والعطف على قضاياه، وفي وقت يتصاعد فيه نفوذ الشركات الكبرى في العالم، بالتوازي مع مسؤوليتها المباشرة عن إعاقة التنمية واتساع الفوارق بين عالمي الأغنياء والفقراء، شهدت كل من باريس ولندن حدثين تركزت عليهما أضواء الإعلام. ففي باريس، رعى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بالمشاركة مع طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، وكوفي آنان، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، لقاءً في إطار ما يسمى بـ"العقد العالمي"، وهو عبارة عن وثيقة أطلقها آنان عام 2000، ووقعتها حتى الآن أكثر من 1000 شركة عالمية، وتقضي بالاحترام الطوعي وغير الخاضع للرقابة، من قبل الشركات الموقعة لعدد من الالتزامات الأخلاقية المستوحاة من إعلان حقوق الإنسان ومبادئ منظمة العمل الدولية ومقررات قمة "ريو" حول مشكلات البيئة، من قبيل مكافحة الفساد والعمل الإجباري وعمالة الأطفال وحماية البيئة.‏

وقد عقد اللقاء بحضور ممثلين عن 140 شركة عالمية وتركز على ضرورة العمل من أجل تحقيق أهداف الألفية على محوري التنمية ومكافحة الفقر في البلدان النامية. ولكن سمو الأهداف التي تواتر الحديث عنها في اللقاء لم يحل دون تركيز المراقبين على المشاركة الكلامية فيه من قبل شركات مشهود لها في العديد من المخالفات، خصوصاً في مجالات تلويث البيئة وأعمال السخرة.‏

أما في لندن، فقد اجتمع وزراء مالية مجموعة البلدان الصناعية، في إطار التحضير لقمة غلينإيغز، وقرروا شطب 40 مليار دولار من مديونيات 18 بلداً هي الأكثر فقراً في العالم، مع الإشارة الى إمكانية شطب 11 ملياراً من مديونيات 9 بلدان أخرى خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً، بالإضافة إلى 4 مليارات من مديونيات 11 بلداً... في حال استيفاء البلدان المذكورة للمعايير الضرورية، وهي معايير تتعلق بإصلاحات هيكلية وإملاءات سياسية متفق عليها. أما الديون المشطوبة والمرشحة للشطب فهي ستة مليارات دولار لصندوق النقد الدولي و44 مليار دولار للبنك الدولي وخمسة مليارات دولار لبنك التنمية الإفريقية. وقد قوبلت العملية بالابتهاج من قبل مسؤولي البلدان المستفيدة حيث تفاءل بعضهم بما ستفضي إليه من انفراج بفعل توجيه أموال الديون المشطوبة نحو تمويل التعليم والصحة والبنى التحتية والقطاعات الاجتماعية، علماً بأن أضعاف هذه الأموال كان قد تم اقتراضها لتمويل القطاعات عينها، والتي لم تعرف غير التراجع المستمر لأسباب التلاعب بالتوظيف والفساد والاختلاس التي استفادت منها بنسب تصل إلى 70 في المئة من أصل المبالغ، بيروقراطيات البلدان المانحة والممنوحة على السواء.‏

أما مسؤولو البلدان المانحة، ومنهم وزيرا المال البريطاني غوردون براون، والأميركي جون سنو، فقد وصفا العملية بأنها لحظة تاريخية وأكبر خطوة سبق اتخاذها في مجال المديونية العالمية والتنمية ومكافحة الفقر. لكنهم تخوفوا، ومعهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك، من المفاعيل السلبية لهذه الخطوة على قدرة البنكين الدوليين على مواصلة تقديم القروض الإنمائية، الأمر الذي ترافق، رأفة بهاتين المؤسستين الماليتين اللتين ربحتا، خلال ثلاثة عقود، آلاف المليارات من الفوائد عن ديون لا تتجاوز عشرات المليارات، مع العودة إلى الحديث مجدداً عن ضرورة اللجوء إلى إصدار سندات قروض مضمونة من الدول، أو إلى بيع قسم من الاحتياط الذهبي لصندوق النقد، وإلى مبادرة شيراك الخاصة بفرض ضريبة على تذاكر السفر الجوي. أما المنظمات غير الحكومية فقد أشادت بالخطوة مع الإشارة إلى عدم فائدتها بالنسبة لمئات الملايين من سكان البلدان ذات المديونيات الضخمة، والذين يدفعون سنوياً، على شكل خدمات للقروض، أضعاف أضعاف الديون المشطوبة.‏

ع.ح‏

2006-10-28