ارشيف من : 2005-2008

الانتخابات الرئاسية الإيرانية:تغيير يعكس التوقعات

الانتخابات الرئاسية الإيرانية:تغيير يعكس التوقعات

الانتقاد/العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005‏‏

فاجأت الرياح الإيرانية جميع السفن الغربية ـ وبالأخص الأميركية ـ حيث جرت هذه بعكس ما تشتهيه تلك، وقامت على دفعتين بتحطيم شبه كلي للأشرعة الأميركية برغم تسخير كل وسائل القوة المتوافرة، من سياسية وإعلامية وبترولية في سبيل إبقائها مشرعة تنفث سمومها على جميع دول المنطقة من دون رادع أو حسيب. وجاءت الضربة الأولى حين خالف الشعب الإيراني كل توقعات الغرب وتوجيهات الرئيس الأميركي جورج بوش الذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في طهران، فجاءت نسبة المشاركة أفصح جواب ورد على التدخلات الأميركية السافرة في شؤون الجمهورية الإسلامية، حيث فاقت ثلاثة وستين في المئة. أما الضربة الثانية فجاءت مزدوجة، حيث لم تقل نسبة المشاركة بالتصويت في الدورة الثانية عن سابقتها، وأفضت إلى انتخاب الدكتور محمود أحمدي نجاد رئيس بلدية طهران رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، مفاجئاً جميع الأوساط الغربية والإعلامية من دون استثناء.‏

وإذا كان الوصول المفاجئ لهذا الرجل المعروف بتواضعه وقربه من الناس إلى درجة لا يمكن تمييزه حين يكون بينهم، إلى رأس السلطة في إيران ينمّ عن أن الغرب ـ تحديداً الولايات المتحدة الأميركية ـ جاهل تماما بآراء وتطلعات الشعب الإيراني، فإنه يشير إلى التعجرف في السياسة الأميركية المتبعة في التعامل مع دول المنطقة، التي لا تعطي أصلاً أي أهمية لآراء شعوبها والمبنية على أوهام أفلام هوليود بأن شعوب العالم مأخوذة بـ"القيم" الأميركية إلى حد البَلَه والقبول بكل ما يصدر عن هذه "الحضارة".‏

ويتمثل الجهل المطبق بماهية وتركيبة النظام في الجمهورية الإسلامية بشدة الهجمة الشرسة التي انطلقت من واشنطن وعبرت المحيطات والبحار ومرت بكيان العدو، وبهول التحليلات المرعبة من استلام الدكتور نجاد مقاليد الحكم وتوقعات اتجاهات سياساته، مع العلم أنهم لم يخرجوا بعد من صدمة فشل توقعاتهم السابقة، فجرى البناء على هذه التحليلات والمواقف المسبقة للقول إن إيران قادمة على مستقبل قاتم سيدخل المنطقة في المجهول، لدرجة وصلت إلى حد صدور مواقف عربية تحذر من هذا التغيير. لكن الدكتور نجاد خالف مرة أخرى التوقعات، وأعلن مواقف تشير في أغلبيتها الى أنه لن يجري أي تغيير يذكر في السياسة الخارجية الإيرانية أو حتى في الملف النووي. بل ذهب أبعد من ذلك عندما أعلن بكل وضوح عزمه على المضي قدماً بالسياسة التي كان يتبعها الرئيس السيد محمد خاتمي، والتي تخدم مصالح الدولة. مؤكداً سعي بلاده لتعزيز علاقاتها الدولية على أساس من الشفافية والوضوح والسلام والعدالة.. ومشيراً إلى أن هذه العلاقة لن تقتصر على الجانب السياسي، بل ستتعداه إلى الجوانب الاقتصادية والثقافية. وشدد على أن أي دولة لا تبحث عن العداء مع إيران ستحظى بأهمية في "علاقاتنا الخارجية"، معطياً أهمية بارزة للعلاقات مع الدول العربية المجاورة بالقول: إن خطوات أكبر ستحدث في العلاقات مع الدول الإسلامية والإقليمية.‏

نجاد الذي لم يفته التذكير بعدم وجود حاجة ماسّة لفتح علاقات مع الأميركيين، كان واضحاً أكثر بخصوص الملف النووي، واصفاً حق الجمهورية الإسلامية بامتلاك التكنولوجية النووية بأنه حق طبيعي ونهائي لإيران وشعبها، وبالتالي فالحكومة لا يمكنها أن تتخلى عن هذا الحق، لأنه بات ضرورة للتقدم. ودعا الأوروبيين إلى الالتزام بتعهداتهم التي قطعوها لطهران.‏

لا يختلف اثنان على أن المشروع الأميركي للمنطقة يواجه صعوبات جمّة من العراق إلى فلسطين ولبنان وسوريا، وقد جاءت الانتخابات الإيرانية لتشكل ضربة قاسية لهذا المشروع، ولتثبت مرة جديدة أن مصالح الشعوب في هذه المنطقة لا يمكن أن تلتقي بأي شكل من الأشكال مع المصالح الأميركية، ولتفضح زيف الادعاءات الأميركية بأنها تدعم وتناضل من أجل أن تقول هذه الشعوب كلمتها بكل حرية! فمن شارك وصوّت وانتخب في إيران هم من كل أطياف الشعب وتوجهاته السياسية.. وإنه لمن نافل الحديث القول بأن ما ميز الانتخابات هو تصويت من يطلق عليهم الغرب "الإصلاحيين" إلى جانب نجاد بشكل لافت، وهو ما يشير إلى الإحباط الأميركي الذي كانت آماله تسير بعكس اتجاه الشعب الإيراني أو أغلبيته على الأقل.‏

لقد كانت هذه الانتخابات درساً على أكثر من صعيد للأميركيين ولكل المصطادين في الماء العكر، ودرساً يُحتذى لبقية شعوب المنطقة والعالم، فإيران بحسب تحليلات إسرائيلية، صنعت مفاجأة، تحديداً في الوقت الذي كان يفترض أن تقوم بتحقيق التوقعات منها. والمفاجأة حصلت في ظل حصار أميركي مطبق مرفق بتهديدات شن حرب عليها من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل". فإيران ليست دولة مجنونة، بل هي دولة تسير وفق إرادة شعبها الذي أثبت قدرته على ممارسة حقه بالديمقراطية، ديمقراطية تقول كلمتها في صناديق الاقتراع، وتفرض تغييراً يفاجئ كل التوقعات.‏

محمد يونس‏

2006-10-28