ارشيف من : 2005-2008
أمراض الفقراء: سوق مزدهرة لشركات الأدوية والأغذية

الانتقاد/العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005
مطلوب 5.1 مليار دولار سنوياً للعمل على إنقاذ ستة ملايين طفل يموتون كل عام قبل بلوغ سن الخامسة في 42 بلداً من البلدان الأشد فقراً في العالم، بأمراض يمكن علاجها بسهولة كالإسهال وسوء التغذية والملاريا، أو بأمراض أشد استعصاءً كالإيدز وغيره.. ذلك ما طلعت به دراسة أجريت مؤخراً من قبل مجموعة من الباحثين العاملين في منظمة الصحة العالمية، مع التنويه بأن المبلغ المطلوب يظل قليلاً قياساً إلى ما يتراوح بين 10 و 12 مليون دولار تُصرف سنوياً في علاج المصابين بمرض الإيدز. والمبلغ مطلوب بالطبع من "الدول المانحة" التي لن تعدم وسيلة للتجاوب باسم الوفاء للاعتبارات الانسانية والأخلاقية والخيرية التي غالباً ما تستخدم وسائل ناجعة للتغطية على طبيعة المعاملة القاتلة والـ"إبادية" التي تنتهجها البلدان الغنية تجاه البلدان التي تُدفع بطرائق مبرمجة لأغراض سياسية من النوع الإمبريالي، إلى مهاوي الفقر والمرض.
ولكنْ للمسألة وجوه أخرى غير النفاق الهادف إلى إشاعة الانطباع عند الفقراء بأن الدول الغنية تساعدهم وتحدب عليهم، وإن كان التصاعد المريع في أرقام الفقر والمرض يسير جنباً إلى جنب مع تصاعد أرقام المساعدات. ذلك الوجه يتمثل في قدرة شركات الأدوية والأعتدة الطبية وشركات المواد الغذائية على استخدام نفوذها في "إبداع" طرائق لفتح أسواق جديدة على حساب دافعي الضرائب في البلدان الغنية. فمبلغ الـ(5.1) مليار دولار سيصرف على ما تقوله دراسة الباحثين المذكورين في شراء الأدوية والأغذية وخدمات النقل والتوزيع. وهذا يعطي فكرة عن المستفيدين الحقيقيين من أمراض الفقراء التي تسهم سنوياً ـ إلى آجال غير محددة ـ في تعويم صناديق الشركات. ومما يلقي ضوءاً ذا دلالة على الطبيعة الإعلانية والدعائية الربحية لمثل هذه الدراسات، إضافة إلى الدلالة الرمزية لرقم ستة ملايين طفل دون عمر الخامسة، أن الظاهرة التي تتسبب في موتهم تتسبب أيضاً في موت غيرهم ممن ينتمون إلى الفئات العمرية الأخرى، وهم بلا شك أكثر عدداً من هؤلاء الأطفال، ويتألمون من الجوع والمرض والمذلة مثلما يتألم أطفال ما دون الخامسة من العمر. والحقيقة أن الـ(5.1) مليار دولار يمكنها إذا صُرفت بطرائق رشيدة تطال أساس المشكلة، أن تفتح الطريق نحو قطع دابر المشكلة. إلا أن ذلك يشكل موضوعاً آخر يخرج عن نطاق اختصاص شركات الأدوية والأغذية. وبالمناسبة، وللدلالة على أهمية الاستثمار في رعاية و"تنمية" سوق الأمراض، ترافق الإعلان عن الدراسة المذكورة مع الإعلان عن احتدام الخلاف بين الحكومة البرازيلية وإحدى شركات الأدوية الأميركية، بعد رفض هذه الأخيرة تخفيض سعر أحد أدويتها الخاصة بمعالجة الإيدز، ما دفع الحكومة البرازيلية إلى توجيه إنذار للشركة بكسر احتكارها لرخصة الدواء المذكور.
ع.ح.