ارشيف من : 2005-2008
بين التضامن البناء والفوضى البناءة

العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005
شعار "التضامن البناء" الذي جمع رؤساء ترويكا أوروبية يبدو أنها قيد التشكل من كل من ألمانيا وفرنسا وروسيا، يثير الإحساس، بغض النظر عن كونه كذلك أم لا، لأنه لم يعتمد لاعتبارات شكلية أو خطابية، بل خصوصاً في مقابل شعار "الفوضى البناءة" الذي أعلن الأميركيون عن اعتماده لخدمة استراتيجيتهم الامبراطورية. فقد ظهر الشعار في اللقاء الذي عقده الرؤساء شيراك وشرودر وبوتين ـ وكل منهم له حسابات عالقة مع واشنطن ـ في كالينينغراد، الجيب الروسي الفاصل بين بولندا وليتوانيا، البلدين المدللين أميركياً في قلب أوروبا "الجديدة". وكالينينغراد بالذات هي الاسم الجديد لكونيغسبورغ، عاصمة بروسيا الشرقية، التي اجتمع الرؤساء الثلاثة فيها على هامش الاحتفالات بذكرى تأسيسها قبل 750 عاماً، كخطوة أولى على طريق تأسيس الإمبراطورية الجرمانية المقدسة وسليلتها ألمانيا الطامحة بعد هزيمتيها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، اللتين لعب فيهما الأميركيون دوراً أساسياً، إلى احتلال مقعد دائم في مجلس الأمن بدعم روسي وفرنسي تأكد في اللقاء الثلاثي.
كل ذلك قد يعني أن كونيغسبورغ التي حوّلها السوفيات إلى كالينينغراد المحررة من النازية، قابلة لأن تتحول أيضاً بفعل الوشائج العاطفية بينها وبين كل من الروس والألمان، إلى رمز لتعميق الحلف الألماني ـ الروسي مع فرنسا، والذي ولد في سان بطرسبورغ في نيسان 2003، على خلفية رفض البلدان الثلاثة للحرب على العراق. وقد جاء اجتماع الثلاثة ذا دلالة واضحة على الإحساس بالقلق والحاجة للتضامن، عشية انعقاد قمة الثمانية المرشحة للتصدع لأسباب في مقدمتها التعنت الأميركي إزاء كيوتو والمساعدات الحكومية للمزارعين، وربما أيضاً غداة بروز عناصر التفكك في الجسم الأوروبي الكبير. ولعل أهم ما يدل على أن "التضامن البناء" يأتي رداً على "الفوضى البناءة" وموقفاً من أميركا بالدرجة الأولى، في وقت بدأت فيه علائم هزيمة التحالف تلوح في الأفق العراقي والشرق أوسطي، هو اهتمام الثلاثة بالتركيز، بين المشاكل التي تهز عالم اليوم، على حق إيران في استكمال برنامجها النووي المدني. اهتمام لا يشبهه غير اهتمام شيراك بتأكيد العلاقة الاستراتيجية مع موسكو، في وقت لا تخفي فيه واشنطن نيتها في تفكيك القارّة الروسية.
ع.ح