ارشيف من : 2005-2008
رياح "كيوتو" تعصف بقمة الدول الصناعية الثماني في غلينيغز

العدد 1117 ـ 8 تموز/يوليو 2005
بين السادس والثامن من تموز/ يوليو الجاري وفي أجواء اليوم العالمي لمكافحة الفقر، تنعقد في غلينيغز في اسكتلندا، قمة الدول الصناعية الثماني برئاسة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي في الفترة بين تموز/ يوليو وكانون الأول/ ديسمبر القادم، إضافة إلى كونه المتبني الرئيسي منذ بداية ولايته الثالثة قبل شهرين لقضية التنمية في البلدان الفقيرة، وهي القضية التي تحتل الدرجة الثانية من اهتمامات القمة بعد ملف بروتوكولات "كيوتو" المتعلقة بالتغيرات المناخية. ويأمل المشاركون ـ وفي طليعتهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك، أن تتوصل القمة بعد توافر ما يكفي من المعطيات العلمية الدالة على تفاقم الـ"كارثة البيئية"، إلى اتفاق حول هذا الموضوع، وهو الأمر الذي يبدو مستبعداً بل مستحيلاً في ظل الرفض الأميركي الجازم لتوقيع البروتوكولات، الذي جدده الرئيس بوش لحظة وصوله إلى لندن، وأعاد تجديده بعد ساعات في مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة البريطانية "آي تي في".
والمعروف أن بروتوكولات "كيوتو" التي بدأت المصادقة عليها في العام 1997، تنص على التزام دولي بخفض انبعاث الغازات المسببة لظاهرة ما يعرف بالانحباس الحراري بنسبة 5.2 في المئة قبل العام 2012، بالقياس على ما كان عليه منسوب الانبعاث عام 1990. ويفترض بهذا الخفض الذي يظل بعيداً جداً ـ برغم ما يثار حوله من ضجيج ويعقد عليه من آمال ـ عن التخفيف من حجم المشكلة، يفترض به أن يتم من خلال خفض استهلاك المواد المنتجة للطاقة، وفي طليعتها النفط المستخدم على نطاق واسع في الصناعة ووسائل النقل والتدفئة وما إلى ذلك.
وقد أصبحت البروتوكولات ملزمة على المستوى الدولي في شباط/ فبراير الماضي، بعد توافر العدد المطلوب من الموقعين، مع انضمام روسيا إليها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.. وبرغم تفرد الولايات المتحدة في رفض توقيعها لأنها تؤدي على ما أكده بوش، إلى رفع أسعار الطاقة وإلى حرمان خمسة ملايين أميركي من وظائفهم، وإلحاق الضرر بالتالي بالاقتصاد الأميركي وبطريقة حياة الأميركيين. ومن هنا لا يتردد المراقبون في الحديث صراحة عن الأنانية الأميركية في رفض تعديل الأنشطة الصناعية والإقبال على الاستهلاك الكثيف، مع ما يستتبعه ذلك من أخطار بيئية تهدد مصير البشرية بشكل مباشر. وقد بدا من النقاشات التي جرت في أجواء التحضير للقمة، أن التوتر سيكون شديداً بين الرئيسين بوش وشيراك تحديداً، حيث أبدى الأول في مقابلة مع "الصنداي تايمز"، استعداده لتوقيع قرار حول التغيرات المناخية، ولكن مع تأكيد أن بلاده لن تصادق على اتفاقيات "كيوتو" ولا على أي اتفاقيات مشابهة تتضمن التزامات بخفض انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري.. في حين أكد الثاني أن فرنسا لن توافق على البيان الختامي الذي ستصدره القمة إذا لم يتضمن بالاسم تأكيداً للالتزام باتفاقيات "كيوتو".
ويشكل الإصرار الفرنسي على هذه النقطة هجوماً استباقياً على طروحات بوش القائلة بضرورة المحافظة على استمرار النمو الاقتصادي مع الاكتفاء بتحسين وسائل مراقبة انبعاث الغازات. والواضح أن العبارة الأخيرة تشف عن استمرارية المسعى الأميركي الذي طالما جهد في التشكيك في وجود مشكلة مناخية وفي مسؤولية انبعاث الغازات عن هذه المشكلة، من دون أن يتردد حتى في تزوير المعطيات العلمية حول الموضوع. وفي الوقت الذي يؤكد فيه مشروع البيان الختامي لقمة غلينيغز "مسؤولية الإنسان" عن ظاهرة الانحباس، ويذكر كلمة "كيوتو" مرتين، قفز الرئيس بوش عن المشكلة برمّتها، معلناً أنه سيدعو القمة إلى تجاوز "كيوتو" والاستغناء عن النفط والفحم واستبدالهما بتقنيات جديدة ومبتكرة تجعل الهواء "أكثر نقاءً"، وتخلص الدول الصناعية من التبعية للبلدان النفطية! وسواء حملنا كلام بوش هذا على محمل الجد أو على محمل الاستهزاء بالأسرة الدولية المؤيدة للبروتوكولات، فإن المخرج الذي توصل إليه الرئيس الأميركي هو من نوع المخارج السفسطائية التي لا وظيفة لها في الإطار المنظور غير إبقاء الأمور على حالها، ما دامت التقنيات الجديدة لا تزال في طي الخيال، وما دام توافرها ـ اذا توافرت ـ من الناحية الإجرائية لا يعني قدرتها على إبعاد النفط، لأن إبعاده سيعني انهيار النمط الحضاري السائد برمّته.. ناهيكم عن أن الحل المبتكر والمتمثل بتقنية أميركية لـ"حبس غازات الانحباس"، ثمنها عشرون مليار دولار، سيأتي ـ اذا أتى ـ بعد أن يكون النفط الذي تتربع على قمته سلطة الرئيس بوش بالذات، قد أكمل مهمته في تمكين النار من ابتلاع ما تبقى من الماء والتراب، إضافة إلى الهواء.
وإذا كان الرئيس بوش قد خيب آمال الرئيس شيراك وغيره بالوصول إلى اتفاق حول مسألة "كيوتو"، واضعاً الولايات المتحدة للمرّة الألف في موقف التعنت والمعاندة تجاه الإرادة الدولية، فإنه لم يتردد حتى في الإساءة إلى حليفه الأساسي طوني بلير، عندما أكد رداً على سؤال حول ما إذا كان ينوي تقديم الدعم لمشاريع بلير مقابل موقفه من الحرب على العراق، أنه غير مستعد للمقايضة معه في هذا المجال.. ذلك يعني أن بوش لن يكون على عادة الرؤساء الأميركيين، مستعداً للإسهام في إيجاد حل مبتكر لمشكلة الفقر في العالم.. كما لن يكون مستعداً لتليين الموقف الذي يشترك فيه مع الاتحاد الأوروبي في "تنمية" فقر العالم الثالث من خلال المساعدات الحكومية التي تقدم للمزارعين الأميركيين والأوروبيين بهدف إغراق الأسواق وتدمير الزراعة في البلدان الفقيرة. وإضافة إلى الاستياء الذي أحدثه الرئيس بوش في صفوف حلفائه وشركائه، فقد تفرد أيضاً بالقسط الأكبر من استياء الحركات المناهضة للعولمة التي حشدت إلى ادنبورغ ما لا يقل عن مئتي ألف متظاهر طوّقوا مقر اجتماع القمة وهددوا بتعطيل اجتماعاتها في ظل مطالبتهم بشطب المديونيات وتقديم المزيد من المساعدات للبلدان الفقيرة.
عقيل الشيخ حسين