ارشيف من : 2005-2008

انتخابات الرئاسة الإيرانية: مفاجأة وقلق وجهل إسرائيلي

انتخابات الرئاسة الإيرانية: مفاجأة وقلق وجهل إسرائيلي

الانتقاد/ العدد 1116 ـ 1ـ تموز/يوليو 2005‏

فرضت انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونسبة التصويت واتجاهات الشرائح المختلفة فيها، فرضت نفسها على مجمل التصريحات والتعليقات في الكيان الإسرائيلي.. وقد برز في ردود الفعل تعبيرات على شاكلة: "المفاجأة"، "القلق"، "الاخفاق الاستخباري الإسرائيلي والاميركي"، و"هلع ورعب سقطا على العالم"، إضافة إلى مواصلة ترديد لازمة "سعي إيران للحصول على أسلحة دمار شامل، والخطر الذي تشكله على العالم"..‏

ومن الطبيعي، إسرائيليا، ان تكون لانتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية موقع خاص ومتقدم في اهتمام ومتابعة الإسرائيليين على مختلف مستوياتهم، السياسية والعسكرية والمراكز المختلفة ذات الاهتمام البحثي بكل ما يتصل بإيران ومآلات الواقع السياسي العسكري والاجتماعي فيها، إذ لموقف إيران وحجم وحدود قوتها والامكانيات التي تتوافر لديها، إضافة إلى التحصين والالتفاف الشعبي، تداعيات خاصة على الوضع الإسرائيلي، وما يتصل به على مختلف جوانبه، باعتبار ان إيران تشكل، وبحسب التوصيف الإسرائيلي، "الخطر الاستراتيجي المركزي على دولة إسرائيل"، وبالتالي يتوجب على إسرائيل متابعة كل ما يجري فيها، وبالاخص ان الإسرائيليين يرون في هوية الرئيس الجديد ملامح للوجهة التي ستتخذها إيران من مختلف الملفات ذات الصلة.‏

وعلى الرغم من صحة ما ذهب إليه مساعدو رئيس وزراء العدو أريئيل شارون الذين اعربوا عن رأيه بصورة غير مباشرة (كما نشر الاعلام الإسرائيلي)، إذ اعتبر مصدر مقرب في مكتبه أن "الانتخابات في إيران لا تغيّر أصلاً أي شيء يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، باعتبار أنه كان ليستمر حتى وإن جرى انتخاب رئيس آخر". الا ان المفاجأة كانت كبيرة جدا بالنسبة لسائر المعلقين والمختصين في الكيان الإسرائيلي، حيث ربط البعض ما بين الاخفاق الإسرائيلي بتوقع نتائج الانتخابات وميل الشارع "الشبابي" في إيران، وبين الاخفاق في استكشاف وتوقع مسار المشروع النووي الإيراني، فيكتب المعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت اليكس فيشمان، موجها كلامه إلى الاستخبارات الإسرائيلية بأن "المفاجأة تعني وتدل بشكل سيئ على أننا لسنا مطلعين كفاية حول ما يحدث بالفعل في إيران، فمن فوّت معرفة التغيرات التي حدثت في المجتمع الإيراني من الممكن انه فوت أيضا امورا مصيرية أخرى، فأين وصل الإيرانيون في موضوع السلاح النووي، وهل هم في طريق التفافي باتجاهه، ان هذا الطريق غير معروف من قبل إسرائيل أو الغرب"..‏

تسافي برئيل، المعلق السياسي في صحيفة هآرتس، كتب يبحث عن "الأسباب التي تدفع بإسرائيل إلى قراءة وفهم إيران بشكل خاطئ"، إذ يرى "ان التصور الخاطئ يكمن في تقسيم إيران إلى قطبين متناقضين: الإصلاحيين والمحافظين.. علما انه يصعب التمييز بين التيارين".. ويسأل كيف "ان مئات آلاف من الطلاب الذين يشكلون البنية الشعبية للإصلاحيين، اقترعوا لمصلحة احمدي نجاد وليس لمصلحة مرشحهم الطبيعي مصطفى معين"، لكنه يجد اجابة عما يسميه "بحالة الارباك" لدى إسرائيل في ان "الجمهور الإيراني يضع امام عينيه السياسة الداخلية لحكومته، وضعه الاقتصادي وكبرياءه القومي"، في اشارة إلى تصريحات الإدارة الأميركية المتكررة والمستفزة للشارع الإيراني.‏

بعض الخبراء الإسرائيليين في الشأن الإيراني، توقعوا بالفعل ان تؤدي الانتخابات إلى استكمال حصار الاصلاحيين، وان المحافظين سيستكملون سيطرتهم على كل أجهزة الدولة، الا ان الامل لديهم كان في أن تؤدي الانتخابات إلى ظهور واقع ايراني مليء بالأمل بالنسبة اليهم، ومتمثل في نسبة تصويت متدنية، رئيس جمهورية محافظ مع تأييد منخفض جدا، شريحة الطلاب والشباب والنساء مقاطعة للانتخابات، ويمسك بها السخط والتململ من الوضع القائم، الأمر الذي يعني توافر الارضية الصالحة للعمل وبتشجيع من الغرب على الانقلاب على النظام الإسلامي.. الا ان النتائج كانت في غير مصلحة توقعاتهم (وأمانيهم أيضا)..‏

في هذا السياق اكثر ما يلفت المراقب هو اعتبار الإسرائيلي بأن الجمهورية الإسلامية في إيران قد عادت إلى مربعها الأول - "مربع الخمينية" - وهو أمر يعكس حجم الجهل وعدم فهم الساحة الإيرانية بشكل صحيح، ويُفسر هذا المستوى من المفاجأة والذهول الذي اصاب الاسرائيليين وغيرهم ممن يتربصون بالجمهورية الاسلامية، ويُظهر بوضوح أن تشخيصهم لواقع ايران الشعبي والسياسي الحالي لم يكن دقيقا، وبالتالي فإن الرهانات التي بنيت على اساس هذا التشخيص لم تكن سوى أوهام.‏

بالاستناد إلى ما تقدم يمكن فهم حجم الصدمة التي أُصيب بها كل من العدو والولايات المتحدة خاصة، يكمن في أن الرهان الأساسي والوحيد لدى هذه الجهات، المتمثل بعزل النظام الإسلامي شعبيا وتركه مكشوفا أمام مؤامرات الخارج، بعد أن استُبعدت الخيارات الأخرى ـ في المرحلة الحالية على الأقل ـ مثل تكرار تجربة العراق أو توجيه ضربات عسكرية قاصمة، قد تبخر وتبين انه لم يكن سوى سراب بسراب، وهو ما أعادهم إلى المربع الأول والبدء بالبحث من جديد.‏

يحيى دبوق‏

2006-10-28