ارشيف من : 2005-2008
قمة مكة الاسلامية: استثنائية فرضت حضورها والعبرة في التنفيذ

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005
هل كان على العالم الاسلامي أن يعاني مما يعانيه الآن من تكفير وارهاب واراقة دماء الأبرياء حتى يتداعى أعضاء منظمة المؤتمر الاسلامي لعقد قمة استثنائية في مكة المكرمة والخروج بقرارات مهمة لإخراج الأمة من فلك التكفيريين الدمويين؟
قد يقول البعض انه حبذا لو أن هذا الاستيقاظ قد حصل قبلا لكان وفر علينا قادة الدول الاسلامية عناءً ودماءً، وقد يضيفون أنه ما حصل لم يكن ليحصل لو أن الموسى لم تصل إلى أذقان الأنظمة، ولو أن العفريت لم يخرج عن سيطرة من يمسك بقمقمه؟ وقد يحسن الظن البعض الآخر فيحمد الله على أن الأمر لم يتأخر أكثر من ذلك وحان الوقت لتدارك ما فات.
ولكن المهم أن قرارات القمة الاستثنائية لقادة الدول الاسلامية التي انعقدت من 7 إلى 9 كانون الأول/ ديسمبر 2005 هي قرارات فعلا استثنائية لو أفسح لها الطريق نحو التطبيق لَحُل الكثير من مشاكل العالم الاسلامي، مع الاشارة إلى أن البيان الختامي طغى القسم الأكبر منه على العلاقات الاسلامية الاسلامية خاصة بين المذاهب.
بيد أن ما ميز هذه القمة هو إعلانها الصريح للتصدي بكل حزم لدعاة الفتنة والانحراف والضلالة التي تستهدف تحريف مبادئ الاسلام السامية الداعية إلى المحبة والسلام والوئام والحضارة، إلى أفكار منحرفة تقوم على الجهل والانغلاق والكراهية وسفك الدماء، والاعلان عن التنديد بالجرأة على الفتوى ممن ليس اهلاً لها، ما يعد خروجا على قواعد الدين وثوابته، وما استقر من مذاهب المسلمين، وهذا يوجب التأكيد على ضرورة الالتزام بمنهجية الفتوى كما اقرها العلماء وذلك وفق ما تم ايضاحه في الامرين فى قرارات المؤتمر الاسلامي الدولي الذى عقد فى عمان فى شهر تموز 2005م وفي توصيات منتدى العلماء والمفكرين التحضيري لهذه القمة الذي عقد فى مكة المكرمة خلال الفترة 9 الى 11/9/2005 م، إضافة إلى الاعتراف بالمذاهب الاسلامية، والتأكيد على ضرورة تعميق الحوار فيما بينها، وصحة إسلام أتباعها وعدم جواز تكفيرهم وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ما داموا يؤمنون بالله (عز وجل) وبرسوله (ص).
القمة دعت أيضا إلى تطوير عمل مجمع الفقه الاسلامي لناحية التنسيق بين جهات الفتوى في العالم الاسلامي ومواجهة التطرف الديني والتعصب المذهبي وعدم تكفير المذاهب الاسلامية وتعزيز الاعتدال والوسطية والتسامح، وأكدت على إدانة الارهاب بجميع أشكاله ورفض أي مبرر أو مسوغ له، وأنه ظاهرة عالمية لا ترتبط بأي دين أو جنس أو لون أو بلد، والتمييز بينه وبين مقاومة الاحتلال الأجنبي التي لا تستبيح دماء المدنيين الأبرياء. وشددت القمة على ضرورة احداث تغييرات نوعية شاملة في القوانين والانظمة الوطنية لتجريم كافة الممارسات الارهابية وجميع اشكال دعمها وتمويلها والتحريض عليها وتأكيد الالتزام بمعاهدة منظمة المؤتمر الاسلامي لمكافحة الارهاب والمشاركة الفاعلة في الجهود الدولية لمحاربته والعمل على تنفيذ التوصيات الصادرة عن المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب الذي عقد بالرياض في شباط/ فبراير 2005م بما في ذلك انشاء المركز الدولي لمكافحة الارهاب، وكذلك توصيات الاجتماع الخاص لوزراء الخارجية بشأن الارهاب الذي عقد في كوالالمبور في نيسان/ ابريل 2002م.
الوسطية والاعتدال
الاسلام دين الوسطية فقرة شدد عليها بيان القمة الذي أكد من خلالها العمل على نشر الأفكار الصحيحة عن الاسلام بصفته دين الوسطية والاعتدال والتسامح لتعزيز حصانة المسلم ضد التطرف لأنه لا يتفق مع القيم الاسلامية والانسانية، ومعالجة جذوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتصدي لها عبر برامج التنمية وحل النزاعات السياسية المزمنة بالفكر والاقناع والموعظة الحسنة. وشدد البيان على ضرورة تأكيد الجدية والمصداقية في العمل الاسلامي المشترك والتنسيق الفاعل في جميع المحافل الاقليمية والدولية من أجل حماية وتعزيز المصالح الجماعية للأمة الاسلامية.
فلسطين والقدس
المؤتمرون قسموا بيانهم إلى ثلاثة محاور فكرية وسياسية واجتماعية اقتصادية ووضعوا قراراتهم ضمن برنامج عشري لمواجهة تحديات الأمة في القرن الحادي والعشرين، مؤكدين على قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمة الاسلامية، داعين إلى إنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأرضي العربية المحتلة واستعادة مدينة القدس والمحافظة على طابعها الاسلامي والتاريخي وتوفير الموارد الضرورية للحفاظ على المسجد الأقصى وباقي الأماكن المقدسة وحمايتها والتصدي لسياسة تهويد المدينة المقدسة وإنشاء جامعة الأقصى في مدينة القدس، كما دعا المجتمعون إلى دعم وقفية صندوق القدس بحيث يسهم كل مسلم بدولار واحد إلى جانب مساهمة الدول الأعضاء للحفاظ على المقدسات وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وأكدوا أيضا على مواجهة التهديدات الخارجية التي تزعزع أمن أي دولة من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي بموقف واحد، ورفض العقوبات الأحادية الجانب مشددين على ضرورة إصلاح منظمة المؤتمر الاسلامي بغية زيادة تفعيل مؤسساتها وتنمية دورها.
المحور الاقتصادي والاجتماعي
في هذا المجال أكد المؤتمر على أهمية الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية المتوافرة في العالم الاسلامي والاستفادة منها وتعزيز التعاون بين دوله ودراسة إمكانية إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الدول الأعضاء، ودعم أنشطة اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري، ودعا إلى ضرورة تحقيق زيادة كبيرة في التجارة البينية بين الدول الأعضاء مرحبا بإنشاء المؤسسة الاسلامية الدولية لتمويل التجارة، وتعزيز التنمية العلمية والتكنولوجيا وتقليص الهوة الرقمية بين الدول.
في خلاصة الأمر لأن القرارات التي خرجت بها القمة الاستثنائية وإن ركزت على قضايا الارهاب والتكفير والحوار بين مذاهب الاسلام والاعتراف بها وبحرمة من يتبعها، فإنها تكون قد وضعت الاصبع على الجرح، ولم يبق إلا القليل من الجهد لدمل الجرح وإغلاق الباب الذي ما فتئ يستخدمه الأميركيون وحلفاؤهم في الغرب من أجل الولوج إلى قلب الأمة الإسلامية وتقطيع أوصالها وشل قدراتها، إنها الخطوة الأولى والأهم وتبقى العبرة في التنفيذ والمتابعة.
محمد يونس