ارشيف من : 2005-2008
لأول مرة منذ قيام "إسرائيل": الغرب أمام ساعة الحقيقة بفعل تصريحات أحمدي نجاد

الانتقاد/ اقليميات ودوليات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005
هل يمكن لأحد أن يشكك بالحقيقة التاريخية للمحرقة؟ تساءلت يديعوت أحرونوت مطمئنة إلى ناجعية هذا التساؤل في إحداث أثره على الرأي العام الغربي الذي حقن بما يكفي ويزيد من جرعات التضليل الإعلامي والتاريخي، في عالم غربي يضطهد ويسجن، بقوة القانون، كل مؤرخ أو مفكر يدعو انطلاقاً من الوثائق والمستندات إلى الخروج من منطق الكذب الذي جرى تسويقه على نطاق واسع بهدف حل المشكلة اليهودية على حساب فلسطين والعرب والمسلمين. أما معاريف، فقد أثارت، باعتراف مراقبين غربيين، خوفاً حقيقياً في "إسرائيل"، عندما نشرت، بعد ساعات من تصريحات الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، تحقيقاً على شكل سيناريو متخيل عن تجربة نووية إيرانية توقعت الصحيفة إجراءها تحديداً في 10 نيسان/ أبريل 2006، وتأتي كتمهيد لهجوم نووي إيراني ماحق على "إسرائيل"! خوف شبيه بالخوف الذي أشاعته الدعاية الصهيونية بالتواطؤ مع الحكومات الأوروبية بين يهود أوروبا الوسطى والشرقية لدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين خوفاً من الخطر النازي، لكنه يهدف هذه المرة إلى استنفار العالم على إيران بحجة الدفاع عن وجود الدولة اليهودية واليهود في "إسرائيل".
المسؤولون الإسرائيليون، من شارون إلى بيريز مروراً بوزيري الحرب والخارجية وغيرهم استنكروا وأدانوا ونادوا بالويل والثبور وركزوا على الاستثمار في المناسبة باتجاه تأجيج الجدل حول الملف الإيراني النووي، وتشديد الدعوة إلى رفع الملف إلى مجلس الأمن مع مطالبة روسيا بالانضمام إلى الموقف الأميركي والأوروبي بهذا الخصوص. وفي الوقت نفسه، وبعد الإحراج الذي تسببت به لـ"إسرائيل" أخبار تحدثت عن خطة شارونية لمهاجمة إيران في آذار/ مارس الماضي، وبعد النفي المتكرر لوجود تلك الخطة، بدا للمسؤولين الإسرائيليين أن اللحظة قد أصبحت ملائمة لتهيئة حلول "تتجاوز الحلول الديبلوماسية" لمواجهة النيات النووية الإيرانية. فمن جهته، طالب بنيامين نتنياهو بـ"أعمال إسرائيلية" ضد إيران، في حين قال سيلفان شالوم بأن "إسرائيل" سوف لن يكون بإمكانها أن تعيش في وضع تمتلك فيه إيران القنبلة النووية، تاركاً لمسؤول كبير في وزارة الحرب أمر الحديث عن عدم استثناء عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران.
وعلى وقع نواقيس الخطر التي تقرع في "إسرائيل"، جاء الاستنفار الرسمي والإعلامي في الغرب ليعكس مدى الإجماع على الاستنكار والاستهجان والإدانة. جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني أدان تصريحات أحمدي نجاد، باسم الإتحاد الأوروبي الذي ترأسه بريطانيا حالياً، معتبراً أن لا مكان لها في نقاش "متحضر". إدانات مماثلة من المستشار النمساوي وولفغانغ تشوسيل ووزيرة خارجيته، أورسولا بلاسنيك، ومن مستشارة ألمانيا آنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، وصولاً إلى الناطقين الرسميين الأميركيين الذين أفقدتهم التصريحات كل أمل برؤية إيران في هيئة عضو مسؤول في الأسرة الدولية. أما الأسرة الدولية فقد أدلت بدلوها رسمياً من خلال إدانة رسمية أطلقها مجلس الأمن، وإدانة شخصية أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي آنان. فقد أعرب هذا الأخير عن صدمته لسماع التصريحات، وظن بأنه قد حسم الموضوع لمصلحة "الحق" عندما ذكر بأن "إسرائيل" عضو قديم في الأمم المتحدة وبأنها تتمتع بحقوق وواجبات كل عضو آخر، وبأن الجمعية العمومية قد صوتت، الشهر الماضي، على قرار يمنع التشكيك بالمحرقة، وأعلنت يوم 27 كانون الثاني/ يناير يوماً عالمياً خاصاً بإحياء ذكرى ضحايا النازية.
وبالطبع، فقد تناسى الأمين العام، في معرض حديثه عن المقدس اليهودي المفروض على العالم، أية إشارة إلى التلاعبات الأميركية بالجمعية العمومية التي أجبرت أكثر من مرة، بفعل التلاعبات والضغوطات، على ابتلاع قرارات سبق واتخذتها هي نفسها واعتبرت فيها "إسرائيل" بالذات دولة عنصرية، ناهيكم عن قرارات مجلس الأمن غير المنفذة، وفي طليعتها القرار 242، والتي كرست "إسرائيل" كدولة معتدية. وإذا كان الأمين العام قد تحدث عما أسماه بحقوق "إسرائيل"، فإن حديثه عن واجباتها، حتى ولو جاء دون ذكر للتفاصيل، قد أوقعه في ورطة قد تفقده كامل منصبه كممثل لشرعية دولية، كل الأدلة الراهنة تتجه نحو تأكيد فقدانها للحد الأدنى من الشرعية بقدر ما تحولت إلى أداة طيعة في يد نوازع العدوان والهيمنة.
لكن ورطة كوفي آنان تظل، لأنه مجرد موظف في هيئة عالمية مطروحة على بساط الاستصلاح، هينة بالقياس إلى ورطة المستنكرين الأوروبيين والأميركيين لتصريحات أحمدي نجاد. فإذا كان بإمكان هذا المسؤول أو ذاك أن يقفل الملف كلامياً بالتعبير عن الاستياء والاستهجان والاستغراب، فإن آنجيلا ميركل قد فتحت عملياً هذا الملف، عن قصد أو غير قصد، عندما قذف على لسانها كلام خطير عن مسؤولية ألمانيا التاريخية إزاء اليهود. وهل قال الرئيس أحمدي نجاد في تصريحاته التي أطلقها من مكة المكرمة شيئاً آخر غير مسؤولية الأوروبيين التاريخية إزاء اليهود؟ مسؤولية ألمانيا والنمسا، ولكن أيضاً مسؤولية فرنسا بيتان التي اعترفت فرنسا ميتران بمسؤوليتها إزاء اليهود. وبغض النظر عن الحقيقة التاريخية لحدوث المحرقة أو عدم حدوثها، فإن اعتراف الأوروبيين بحدوثها، وإن كان هذا الاعتراف لا يلزمهم حتى الآن بأكثر من الالتزام بدعم اغتصاب اليهود لفلسطين والتسبب بكل ما تسببوا به من ويلات أصابت المنطقة، وأغلب الظن أنها لن تقف عند حدود المنطقة، فإن تصريحات الرئيس الإيراني قد فتحت الباب واسعاً أمام إلزامهم القادم بكامل المسؤولية عن المشكلة اليهودية بما هي، في الأساس، مشكلة أوروبية سمحت حالة التضعضع التي كان يعيشها العالم العربي والإسلامي بتصديرها إلى فلسطين والمنطقة. لكن حالة النهوض التي يشهدها العالم العربي والإسلامي حالياً، مضافة إلى أزمة الضمير الأوروبي المتصاعدة، والانحلال الأميركي المتفاقم، قد بدأت تقرع أجراس إصلاح الوضع العالمي عبر إعادة وضع المسألة اليهودية في نصابها الصحيح، في ألمانيا أو النمسا أو فرنسا أو الولايات المتحدة، بوصفها البلدان التي خلقت المشكلة والتي يحسن بها، قبل أن يسوءها ذلك قريباً، أن تتحمل كافة تبعات حلها.
عقيل الشيخ حسين