ارشيف من : 2005-2008
الانتخابات العراقية: المرجعية الدينية الثقل المرجح

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005
بغداد ـ عادل الجبوري
حينما سأله مراسل شبكة (سي.ان.ان) الخبرية الاميركية قبل اسبوعين عن اتهامات رئيس القائمة العراقية الوطنية ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي لقائمة الائتلاف العراقي الموحد برفع صور المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني في اطار الدعاية الانتخابية، أجاب رئيس قائمة الائتلاف السيد عبد العزيز الحكيم "انه بإمكانه أيضاً رفع صور السيد السيستاني".
ولعل الجدل والسجال الذي شهدته معركة الانتخابات السابقة مطلع هذا العام حول استخدام وتوظيف الرموز الدينية في الدعاية الانتخابية تكرر مرة أخرى، وربما بصورة اشد لأكثر من سبب، من بينها ان المرجعية الدينية أعلنت منذ البداية انها لن تدعم قائمة معينة على حساب قائمة اخرى، ولن تتدخل في تفاصيل وجزئيات العملية السياسية، في الوقت ذاته الذي أكدت فيه أهمية المشاركة في الانتخابات السابقة.
هذا الموقف اعتبره البعض بمثابة رفع اليد عن القائمة التي رعتها وأيدتها المرجعية الدينية في انتخابات الثلاثين من كانون الثاني/ يناير الماضي، ألا وهي قائمة الائتلاف العراقي الموحد، وبالتالي فإن الاخيرة تكون قد فقدت احد ابرز مقومات قوتها وتفوقها على القوائم الاخرى.
بينما لم يرَ معظم ـ ان لم يكن كل ـ قيادات ورموز الائتلاف العراقي الموحد ان هناك تبدلا حقيقيا في موقف المرجعية، او المرجعيات الدينية، وان عدم التصريح بموقف معين لا يعني انه ليس هناك موقف بالمرة.. الى جانب ذلك فإن الائتلاف انطلق في جانب من تحليله ورؤيته للأمور من قاعدة أصولية ـ فقهية هي قاعدة الاستصحاب، التي تعني "ان المكلف يعمل بالحكم الشرعي السابق في الموضوع المعين اذا لم يطرأ جديد، او يبني على صحة الحالة اللاحقة بناء على صحة الحالة السابقة اذا لم يطرأ متغير جديد".. او بتعبير آخر بقاء الحكم الشرعي لحالة سابقة ساريا على حالة لاحقة جديدة ما لم يطرأ تغيير يستوجب بطلان ذلك الحكم الشرعي او إلغاءه.
وهنا فإن قاعدة الاستصحاب تطبق على الموقف المرجعي من قائمة الائتلاف العراقي الموحد الجديدة، لأنها بحسب ما يقال ووفقاً لما هو قائم، تعد امتدادا للقائمة السابقة التي نجحت في إحراز اكثر من نصف مقاعد الجمعية الوطنية الانتقالية (البرلمان)، فمكوناتها الرئيسية لم يطرأ عليها أي تبدل، مثل المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وحزب الدعوة الاسلامية بشقيه (المقر العام وتنظيم العراق)، ومنظمة بدر وحزب الفضيلة الاسلامي بزعامة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي احد ابرز تلامذة الشهيد آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر. بل ان تيارا سياسيا مهما دخل في القائمة هذه المرة هو التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر.
الى جانب ذلك فإن زعامة الائتلاف العراقي الموحد بقيت للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والمقرب من المرجعيات الدينية في مدينة النجف الأشرف، مضافا الى ذلك فإن أي شخصية سياسية مهمة لم تغادر الائتلاف.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى البرنامج السياسي لهذه القائمة يمثل بشكل او بآخر امتدادا للبرنامج السابق لها الذي حظي بقبول ورضا وارتياح اوساط المرجعية الدينية والحوزة العلمية في ذلك الحين.
وإذا كانت المرجعية الدينية قد حرصت على تبني مواقف محايدة، والإبقاء على مسافة واحدة مع كل الكيانات السياسية المتنافسة، فإنه لم يكن ممكنا بأي حال من الاحوال ان لا توضح موقفها العام وتوجهاتها وقناعاتها ورؤاها بشأن أهم وأخطر خطوة من خطوات العملية السياسية في العراق، المتمثلة بانتخاب مجلس نواب (برلمان) دائم مدة أربعة أعوام وحكومة دائمة ايضاً.
هذا الموقف العام توضح من خلال اجابة مكتب المرجع السيستاني مطلع هذا الاسبوع على سؤال حول رؤية الأخير للانتخابات العامة في العراق، وفيما اذا كان نظر المرجعية قد اختلف عما كان عليه بالنسبة للانتخابات السابقة.. وقد جاءت الإجابة بالصورة التالية :"ان هذه الانتخابات لا تقل أهمية عن سابقتها، وعلى المواطنين رجالا ونساءً ان يشاركوا فيها مشاركة واسعة، ليضمنوا حضورا كبيرا وقويا للذين يؤتمنون على ثوابتهم ويحرصون على مصالحهم العليا في مجلس النواب القادم، ولهذا الغرض لا بد أيضاً من تجنب تشتيت الأصوات وتعريضها للضياع".
ويفهم من خلال تلك الاجابة ان المرجعية الدينية تشدد على ضرورة – او وجوب - المشاركة في الانتخابات العامة لما تنطوي عليه من اهمية في تحديد مصير ومستقبل البلاد، وتأكيد تجنب التصويت للقوائم البعيدة عن القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية للشعب العراقي، وكذلك القوائم الصغيرة والضعيفة التي لا يفضي التصويت لها إلا لتشتيت الأصوات وضياعها، الى جانب التشديد على انتخاب القوائم الكبيرة التي تحظى بشعبية جماهيرية واسعة، وتضم شخصيات وكيانات لها تأريخ سياسي مشرف.
وبالاتجاه نفسه أصدر المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم بيانا أكد فيه وجوب التصويت للقوائم الصالحة والكبيرة وتحاشي تشتيت الأصوات بما يؤدي الى عدم الاستفادة منها.
ووفقا لتلك التوجهات التي يرى الكثير من المراقبين انها واضحة بما فيه الكفاية ولا تحتاج الى المزيد من التوضيح، فإن القائمة التي تنطبق عليها المواصفات المشار اليها من قبل المرجعيات الدينية ـ فضلا عن التأكيدات المستمرة عليها من قبل وكلاء المرجعيات ومعتمديها ـ هي قائمة الائتلاف العراقي الموحد التي تذهب معظم التوقعات والاستقراءات الى انها سوف تحرز النسبة الأكبر من مجمل أصوات الناخبين في محافظات العراق الثماني عشر، وربما ستنجح في الحصول على نصف مقاعد البرلمان كما حصل في الانتخابات السابقة.
ويبدو ان مواقف وتوجهات المرجعيات الدينية في النجف الأشرف لم تثر حفيظة الأكراد ولا العرب السنة الذين يعتبرون ان تأييد تلك المرجعيات ودعمها لقائمة الائتلاف العراقي الموحد هو تحصيل حاصل، سواء جرى اعلان ذلك صراحة او لم يعلن، الى جانب ان مثل ذلك الدعم والتأييد لا يشكل خطورة على الأكراد والسنة والعرب، باعتبار ان المرجعية الدينية ليست من الأوراق التي يراهنون عليها، وأنهم قد لا يعولون على كسب عدد كبير من الأصوات في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب والوسط، وبالتالي فإن القلق والتوجس من ذلك الدعم والتأييد سينطلق من قوائم كبيرة ـ او أنها تفترض نفسها كبيرة ـ وصغيرة تتداخل طموحاتها ومساعيها مع طموحات ومساعي قائمة الائتلاف العراقي الموحد في الميادين والساحات والمكونات الاجتماعية نفسها.
وعلى الأرجح فإن التوضيحات الأخيرة للمرجعيات الدينية حسمت قبل حلول موعد الانتخابات كثيرا من الجدل، ويبدو انها قد أطاحت بآمال عدد غير قليل من القوائم الصغيرة التي كانت تأمل في الحصول على مقعد او مقعدين او ثلاثة في أبعد الحدود في البرلمان الجديد.. ولعل انسحاب الكثير ـ منها ـ او مرشحين فيها ـ لصالح قائمة الائتلاف العراقي الموحد مثل احد نتائج ومعطيات توجيهات مرجعيات النجف الأشرف، التي عززت فرص الائتلاف في الحصول على المزيد من الأصوات.
اما القوائم الأخرى فكبيرة مثل قائمة رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي، فقد تكتشف بعد حين انها في وضع لا تُحسد عليه، ولو كانت تعرف ان رفعها لصور السيد السيستاني يجلب لها الأصوات كما هي الحال مع قائمة الائتلاف لفعلت ذلك منذ وقت مبكر.