ارشيف من : 2005-2008

مؤتمر المناخ في مونتريال: رفض أميركي جديد لإرادة الأسرة الدولية

مؤتمر المناخ في مونتريال: رفض أميركي جديد لإرادة الأسرة الدولية

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1139ـ 9/12/2005‏

بحضور عشرة آلاف مندوب يمثلون 190 بلداً وعشرات المنظمات غير الحكومية، انعقد في مونتريال عاصمة إقليم كيبيك الكندي، بين 28 تشرين الثاني/ أكتوبر و9 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، المؤتمر الحادي عشر حول التغيرات المناخية الذي تشرف عليه منظمة الأمم المتحدة. ويهدف المؤتمر بعد دخول بروتوكولات كيوتو حيز التنفيذ في 16 شباط الماضي، حيث توافر العدد الكافي من البلدان الموقعة عليها، لمحاولة وضع أسس لاتفاقية جديدة لمرحلة ما بعد كيوتو التي تنتهي في العام 2012. والمعروف أن البروتوكولات المذكورة تهدف إلى تحقيق التزام البلدان الموقعة بالعمل قبل حلول العام 2012، على تخفيض انبعاث الغازات المسببة للانحباس الحراري المسؤول عما بات يوصف بالكارثة المناخية بنسبة 6 في المئة عما كانت في العام 1990، وذلك عبر إجراءات تقليصية تلتزم بها البلدان الصناعية بلا مقابل من قبل البلدان النامية، آخذة بعين الاعتبار ضرورات نهوضها الاقتصادي.‏

وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن معظم البلدان الموقعة حتى الآن ـ وهي مسؤولة عن 30 في المئة فقط من الحجم العالمي لانبعاث الغازات الخطرة ـ قد تمكنت في العام 2003، من لجم حجم انبعاث الغازات بنسبة أدنى مما كانت عليه عام 90، ولكن هذه النسبة تظل متدنية جداً عما يجب أن تكون عليه وفقاً للبروتوكولات.. في حين ظهرت مخاوف جدية من عودة نسبة الانبعاث إلى الارتفاع لأسباب منها أن بلدان أوروبا الشرقية التي كانت قد سجلت تدنياً ملحوظاً في تلك النسبة بسبب تضاؤل أنشطتها الصناعية منذ بداية التسعينيات، قد شرعت مؤخراً بالعودة إلى دفع تلك الأنشطة. لكن ذلك يظل هامشياً جداً في تأثيراته السلبية على صحة المناخ في العالم بالقياس إلى المشكلة المتمثلة بالموقف الأميركي الرافض ليس فقط للتوقيع على بروتوكولات كيوتو، بل أيضاً لفكرة النقاش حول خطة عالمية لما بعد كيوتو. وبذلك تكون الولايات المتحدة قد حافظت على موقفها المتعنت، وضربت عرض الحائط مرة أخرى بإجماع الأسرة الدولية على محاولة توظيف مؤتمر مونتريال باتجاه التخفيف من وطأة الكارثة البيئية.‏

وكان جايمس كونوغتون أحد مستشاري الرئيس بوش لشؤون المناخ، قد صرح مؤخراً أثناء زيارة قام بها إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، أن أهداف كيوتو مكلفة جداً لبلده، وأن سوق الكوتا حول حقوق الانبعاث الذي اقترحه الأوروبيون في كانون الثاني/ يناير الماضي غير مناسب.. والسوق المذكورة تعتمد على تحديد حق كل بلد بنسبة محددة من إطلاق الغازات تبعاً لعدد سكانه، وعلى إمكانية لجوء البلدان غير المتقدمة صناعياً إلى بيع قسم من هذا الحق للبلدان المتقدمة التي تتسبب عادة بنسبة كبيرة من إطلاق الغازات، الأمر الذي يعود بفوائد على الطرفين.‏

أما المقصود بتكلفة كيوتو الباهظة بالنسبة لواشنطن، فقد بات من المعروف أن الأميركيين يرفضون الالتزام بتقليص انبعاث الغازات، أي بالحد من نشاطهم الصناعي التلويثي، للمحافظة على وتائر نمو الاقتصاد الأميركي، وعلى "نمط العيش الأميركي" بحسب التعبير الذي دأب الرئيس بوش على استخدامه في السنوات الأخيرة.‏

عقيل الشيخ حسين‏

وكان هارلان واطسون رئيس الوفد الأميركي إلى مؤتمر مونتريال واضحاً تماماً عندما صرح بأن بلاده "تعارض كل هذه المباحثات" الجارية حول مرحلة ما بعد كيوتو، كما ترفض أي محاولة لتحديد أهداف أو وضع روزنامة لتقليص الانبعاثات. وقد جاء هذا التصريح رداً على اقتراحات أيدها جميع المندوبين، بمن فيهم مندوبو أوستراليا التي لا تزال تشارك الولايات المتحدة في رفض توقيع البروتوكولات، بوضع خارطة طريق تمهد لالتزامات ما بعد العام 2012. وفي الوقت نفسه تباهى واطسون بالإنجاز الأميركي المتمثل باعتماد بوش سياسة أدت في العام 2000، إلى تقليص الانبعاثات الغازية الأميركية بنسبة 18 في المئة، دون أن يشكل ذلك أي مساس بالاقتصاد الأميركي. والواضح أن واطسون قد لعب على التأثير السحري لهذا الرقم قياساً إلى نسبة 6 في المئة التي تطالب بها البروتوكولات، متجاهلاً كون الولايات المتحدة التي لا يزيد عدد سكانها عن 5 في المئة من سكان العالم، تسبب في انبعاث 25 في المئة من نسبة انبعاث الغازات في العالم.‏

وقد وصف بيل هار أحد خبراء منظمة "السلام الأخضر"، الموقف الأميركي بأنه غير مسؤول، في حين رد ممثل المنظمة في كندا ستيفن غويبو على الدعوات الموجهة إلى واشنطن للالتزام بالموقف العالمي، بالدعوة إلى "ترك الولايات المتحدة جانباً" من أجل ضمان نجاح المؤتمر. وإضافة إلى الاجماع الدولي الرسمي على ضرورة العمل من أجل إيجاد حلول للمشكلة البيئية بعيداً عن الحل الأميركي الانتهازي المتمثل بالتعويل على ما يسمى بالبدائل النظيفة، خرج أربعون ألف متظاهر إلى شوارع مونتريال المحيطة بمقر المؤتمر لإدانة المواقف الأميركية، ولحث الحكومات على المزيد من الخطوات الإصلاحية في المجال البيئي. كما سيرت لمناسبة المؤتمر تظاهرات مماثلة في نحو ثلاثين بلداً، وفي العديد من المدن الأميركية.‏

ع.ح‏

2006-10-28