ارشيف من : 2005-2008

بين ضربات الخارج وفضائح الداخل: بوش إلى أين؟

بين ضربات الخارج وفضائح الداخل: بوش إلى أين؟

تلك هي القاعدة التي يبدو أن الرئيس بوش قد اعتمدها لمواجهة الفضيحة الجديدة التي بدأت بملاحقته منذ أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز، قبل أيام، عن قيام الأجهزة الأمنية الأميركية، بأمر من الرئيس بوش، ودون تفويض من وزارة العدل، بالتنصت على المكالمات الهاتفية لآلاف الأميركيين، وذلك في خضم الإجراءات التي اتخذت، بعيد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، بهدف مكافحة الإرهاب.‏

وبحسب مسؤول أميركي رفيع رفض الإفصاح عن هويته لوكالة آسوشيتدبريس، وضع نظام التنصت المذكور لمراقبة وتطويق تهديدات مفترضة من قبل تنظيم القاعدة، لكن الأنشطة التي تتعرض للمراقبة ليست على الدوام مما يمكن أن يتصل بتلك التهديدات، ما يعني أن هذا النظام يسمح للأجهزة الأمنية بالتدخل في الشؤون الشخصية للمواطنين ويشكل، بالتالي، مساساً مباشراً بالحريات الفردية والعامة، فضلاً عن أن التجسس على المواطنين دون تفويض من وزارة العدل محظور بموجب قانون صادر في العام 1978.‏

وكان الرئيس بوش قد امتنع فور الكشف عن الفضيحة عن التأكيد أو النفي، لكنه لم يلبث أن اعترف بالتهمة مساء الأحد الماضي، ثم ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أكد بأن التنصت سيستمر "طالما أن هنالك أعداء خطرين يريدون قتل المواطنين الأميركيين"، على حد تعبيره.‏

وبعد هذا التهويل بالتهديد المزعوم الذي يتعرض له المواطنون الأميركيون، نال الرئيس بوش من المسؤولين عن تسريب الخبر وكشفه مضيفاً بأن ذلك عمل مخجل يخدم العدو، وبأن وزارة العدل قد فتحت تحقيقاً حول التسريبات.‏

وقد كان من الواضح أن الرئيس بوش يسعى إلى تحويل الفضيحة إلى مأثرة من خلال التأكيد على شرعية التنصت وحقه في استخدام سلطاته الدستورية لحماية أمن البلاد. كما حاول الرئيس بوش أن يدلل على تلك الشرعية من خلال الصلاحيات الإضافية التي منحه إياها الكونغرس والتي تخوله استخدام القوة العسكرية ضد القاعدة.‏

كما كرر وزير العدل الأميركي آلبيرتو غونزاليس هذا التبرير معتبراً أن مجرد السماح للرئيس باستخدام القوة العسكرية ضد الإرهاب يعطيه الحق بالتنصت على من يشاء.‏

ولكن ما قيمة هذا التبرير من الناحية القانونية؟ وهل يكسر قرار مجلس الشيوخ المذكور مضمون القانون الذي يمنع التجسس دون تفويض من وزارة العدل؟‏

ذلك ما سيكون موضوعاً لتحقيق يفترض أن لجنة العدل في مجلس الشيوخ التي يرأسها السيناتور الجمهوري آلان سبكتر ستقوم به بناءً على طلب قدمته مجموعة من النواب الجمهوريين والديموقراطيين.‏

وبانتظار نتائج ذلك التحقيق، يبقى أن فضيحة التنصت قد ألقت بظلالها على الجدل المحتدم حالياً حول تجديد العمل بقانون مكافحة الإرهاب "باتريوت آكت" الذي أقر في أعقاب الهجمات على نيويورك وواشنطن، والذي ينتهي مفعول القسم الأكبر من بنوده في الحادي والثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر الحالي.‏

والمعروف أن القانون المذكور، الذي يسعى الرئيس بوش إلى تجديد العمل به مهما كان الثمن، يمنح الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة في تنفيذ الإجراءات المتعلقة بالتحقيقات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف حقيقية من إمكانية استخدامه بأشكال من شأنها أن تلحق الضرر بالحريات الفردية، ومنها حرية المعارضة والتعبير والتظاهر ضد الحرب.‏

واللافت أن تحالفاً قد تشكّل بين عدد من المنظمات الكبرى العاملة في مجال الدفاع عن الحريات المدنية، ومنها منظمة الدفاع المسيحي عن الحريات، وهي إحدى أكبر المنظمات اليمينية، بهدف العمل من أجل منع تجديد "باتريوت آكت". أما على المستوى الرسمي، فقد تعطل التصويت على مشروع التجديد في الكونغرس، مساء الجمعة الماضي، بعد أن تمت عرقلة طرحه على التصويت من أغلبية الديموقراطيين الذين انضم إليهم أيضاً عدد من الجمهوريين.‏

وفي حين يقترب موعد انتهاء العمل بالقانون المذكور، يطلق الرئيس بوش النداء تلو النداء مطالباً الكونغرس بالتعجيل في التصويت قبل فوات الأوان، وقبل أن يحل العام 2006 على قوى الأمن في الولايات المتحدة، وهي محرومة من وسائل التحقيق والمكافحة التي تستفيد منها منذ أربع سنوات.‏

والواضح سواء تم تجديد القانون أم لم يتم، ومهما كانت النتائج التي ستخرج بها لجنة التحقيق في فضيحة التجسس، أن التوترات التي تثيرها حرب العراق في الداخل الأميركي قد شارفت على خلق أوضاع قد لا تسمح قريباً للولايات المتحدة بأكثر من التفرغ الكامل لمعالجة مشكلاتها الخاصة.‏

وعلى ذكر حرب العراق تعرض الرئيس بوش للسخرية عندما عمد في إحدى خطبه إلى التصرف بنتائج استطلاع للرأي أجرته في العراق محطة آي بي سي نيوز بالاشتراك مع مجلة تايم ماغازين، حيث اعتبر أن تصريح 70 في المئة من العراقيين بأنهم في وضع جيد يعني نجاح مشروعه العدواني على العراق. ثم أردف الكذب إلى التصرف عندما لم يشر بالمطلق إلى ما بيّنه الاستطلاع من أن 70 في المئة من العراقيين يعارضون الوجود الأميركي في العراق ويطالبون برحيل الاحتلال.‏

ع.ح‏

2006-10-28