ارشيف من : 2005-2008
أميركا اللاتينية: تكامل اقتصادي مناوئ لواشنطن

الرؤساء الفنزويلي، هيغو شافيز، والكوبي، فيدل كاسترو، والبوليفي، إيفو موراليس، وقعوا السبت الماضي (29-04-2006)، في العاصمة الكوبية هافانا، على ما أسموه بالمعاهدة التجارية للشعوب.
والمعاهدة المذكورة هي واحدة من أدوات المشروع الاقليمي للتكامل الاقتصادي والسياسي (آلبا) الذي أطلقه شافيز بالمشاركة مع كاسترو، قبل عام، كنقيض لمشروع المنطقة الحرة (زليا) الذي تتبناه واشنطن وتسعى إلى إقامته فوق المنطقة الممتدة من آلاسكا في أقصى الشمال إلى أرض النار في أقصى جنوب القارة الأميركية.
وكان الجمود قد أحاط بمفاوضات (زليا) التي أطلقتها الولايات المتحدة عام 1994، قبل أن تتعرض لما يمكن اعتباره ضربة قاضية مع فشل الجهود التي بذلتها واشنطن من أجل إعادة إطلاقها في بداية العام الحالي بسبب المعارضة المتزايدة لها من قبل بلدان أميركا اللاتينية المناوئة لسياسات البيت الأبيض.
وكان الرئيس البرازيلي دوسيلفا قد وصف مشروع المنطقة الحرة الأميركية بأنه لم يعد وارداً على بساط البحث، في حين كانت العاصمة الكوبية هافانا ترعى انعقاد "القمة العالمية المعارضة للمنطقة الحرة الأميركية". وبالتوازي مع تراجع المشروع الأميركي، يبدو المشروع الفنزويلي ـ الكوبي المعروف أيضاً بالبديل البوليفاري (نسبة إلى سيمون بوليفار الذي حاول توحيد أميركا اللاتينية في بدايات القرن الماضي) قابلاً لأن يشكل موضوعاً لرهانات جدية في ظل تنامي التوجه المناهض لواشنطن في أميركا اللاتينية. فمع انضمام بوليفيا إلى اتفاقية آلبا إلى جانب فنزويلا وكوبا، بعد عام واحد من إطلاقها، حرص الرئيس الكوبي على أن يقول: "أصبحنا ثلاثة"، ما يعني وجود نية توسعية واضحة يبدو أنها تستفيد من توافر ما يكفي من الشروط الموضوعية والذاتية اللازمة لدفعها نحو التحقق. ولا يقلل من أهمية ذلك انضمام كل من البيرو وكولومبيا، بفعل ضغوط واشنطن وإغراءاتها، إلى اتفاقية زليا قبل أيام، في خطوة بدا واضحاً أنها محاولة استباقية للحد من جاذبية آلبا ومن لقاء الرؤساء شافيز وكاسترو وموراليس في هافانا.
وقد رد شافيز على ذلك الانضمام الذي وصفه المراقبون بأنه لن يخرج زليا من وضعها المتعثر، بأن أعلن انسحاب فنزويلا من أسرة بلدان الأنديز التي تضم كلاً من البيرو وكولومبيا والاكوادور إلى جانب فنزويلا وبوليفيا. ومن المنتظر أن يقوم الرئيس البوليفي موراليس بخطوة مماثلة، في مسعى يعبر عن الطموح إلى توجيه جهود التكامل الاقتصادي في أميركا اللاتينية نحو الإطار المتمثل بـ"آلبا" وحدها.
وحتى "ميركوسور" التي تضم الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي، والتي يمانع أعضاؤها من الانضمام إلى زليا، تبدو مرشحة بدورها للتفكك في ظل تراجع القيم الليبرالية التي تحكم سياساتها الاقتصادية والتجارية.
فالحقيقة أن مفاهيم التأميم والعمل التعاوني والشراكة وغيرها من المفاهيم التي بدا للحظة أنها قد اندثرت أمام التقدم الكاسح، خلال السنوات الأخيرة، لمفاهيم الخصخصة، قد عادت إلى الانتعاش في معظم بلدان أميركا اللاتينية، حيث تتخذ يومياً إجراءات تنبئ بكسوف سياسات التسييب والإفقار التي انتهجتها الحكومات السابقة بالتواطؤ مع واشنطن والمؤسسات المالية العالمية والشركات العابرة للقارات.
ومجمل القول إن المبادرة الجديدة التي تتبناها بلدان أميركا اللاتينية ذات التوجه اليساري هي فرصة لإثبات أن طرقاً أخرى للنمو الاقتصادي والاجتماعي لا تزال ممكنة برغم جبروت الرأسمالية المتوحشة. كما أن قيام هذه المبادرة في ما كان يسمى بالحديقة الخلفية للبيت الأبيض هو فرصة إضافية لإثبات فشل واشنطن في فرض سياساتها على العالم.
ع.ح
الانتقاد/ زوايا ـ العدد 1160 ـ 5 أيار/مايو 2006