ارشيف من : 2005-2008
الديموقراطية الأميركية على مشرحة التفكيك

"لعب بورتر غوس دوراً أساسياً في جذب الانتباه إلى ضرورة الانتصار في الحرب ضد الإرهاب، وأسهم في تطوير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لتواجه تحديات عصرنا...". هذا ما قالته دانا بيرينو، إحدى الناطقات باسم البيت الأبيض، تعليقاً على تأكيدات مفادها أن الرئيس بوش قد فقد ثقته بغوس الذي شغل منصب مدير الوكالة المذكورة منذ أيلول/ سبتمبر 2004، والذي قدم استقالته يوم الجمعة الماضي (5/5/2006) خلال لقاء سريع أجراه مع الرئيس بوش في المكتب البيضاوي. وقال غوس في تصريح أدلى به لاحقاً إن الأسباب التي دفعته إلى الاستقالة ستظل في عداد الأسرار. وقد أثنى الرئيس بوش على كفاءة غوس خلال قيامه بوظيفته، ولكنه لم يكشف، هو أيضاً، أسباب الاستقالة.
وكان غوس قد خلف جورج تينيت في منصب مدير الوكالة الأمنية المركزية، وكانت مهمته إصلاح الوكالة بعد الهزات التي تعرضت لها بفعل تفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر وملف الحرب العراقية. ولكنه اختلف، خلال الفترة التي أمضاها في إدارة الوكالة، مع العديد من كبار موظفيها الذين انتهى بهم الأمر إلى الاستقالة. كما توترت علاقة غوس بجون نيغروبونتي، المدير القومي للمخابرات، خصوصاً عندما قرر هذا الأخير نقل عدد كبير من محللي وكالة الاستخبارات المتخصصين في المسألة الإرهابية إلى أحد المكاتب المستقلة عن الوكالة المركزية. ولا تزال الأسرار تحيط باستقالة غوس، لكن صحيفة واشنطن بوست أكدت، منذ الإعلان عن الاستقالة، نقلاً عن مصادر عديدة داخل الإدارة الأميركية، أن بورتر غوس قد فقد ثقة الرئيس بوش، وأن هذا الأخير كان يفكر بتنحيته منذ عدة أشهر. وعلى ذلك، تكون الحقيقة هي الغائب الأكبر عن مسرح "العمليات" داخل الإدارة الأميركية والأجهزة الأمنية الأميركية التي يبدو ارتباكها واضحاً أمام التطورات الميدانية من خلال تواتر الإقالات والاستقالات والفضائح التي تطال كبار رموز النظام القائم ومؤسساته. وعلى كل حال، فإن الأسباب "السرية" لاستقالة غوس تعطي فكرة إضافية عن الطبيعة الحقيقية للرئيس الأميركي كدكتاتور نموذجي، وللشفافية كستار على التعتيم وبالتالي، للديمقراطية، التي تسعى إدارة الرئيس بوش إلى فرضها على العالم، كشعار من جملة الشعارات الكاذبة.
لكن هذا ليس كل شيء. فالرئيس بوش لم يخيب ظنون الذين توقعوا أن يكون الجنرال الجوي مايكل هايدن هو الشخص الذي سيتم اختياره خلفاً لغوس. فهايدن هو، في بلاد حرية التعبير، صاحب فكرة برنامج التنصت - دون إذن وزارة العدل- على الأميركيين الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد في الولايات المتحدة لما يمثله من مساس بأبسط حقوق المواطنين في بلد يزعم قادته أنهم يدافعون عن حقوق الناس داخل وخارج الولايات المتحدة. هنالك استنفار في الكونغرس ضد تعيين هايدن مديراً لوكالة المخابرات. ليس فقط لأنه صاحب مشروع التنصت، بل لأنه عسكري لا يجوز له أن يشغل منصباً مدنياً. والأرجح، برغم الكونغرس، أن تنفذ الإرادة الرئاسية، بلا استئذان من الديموقراطية، دليلاً في سلسلة الأدلة على ضرورة أن ينتبه المفككون إلى أن هذه الديموقراطية المفككة عملياً بألف صورة وصورة باتت تحتاج إلى إخضاعها لمناهج التفكيك على أيدي متابعي دريدا لتنفلق عن كل ما تشاؤون من صنوف التعتيم والظلامية والتوتاليتارية والتسلطن والتفرعن. ولا بد أخيراً من ملحوظة مفعمة بالمعنى: تقارير هايدن سترفع مباشرة إلى بوش نفسه، دون المرور الذي تفرضه دولة المؤسسات على وزير الحرب رامسفيلد. إجراء يسمح لجريدة الانتقاد أن تسبق الإعلام العالمي بالقول بأن الرئيس بوش قد بدأ يفقد ثقته بذراعه العسكرية التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الشلل بفعل ما تتعرض له من ضربات موجعة في العراق وأفغانستان.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006