ارشيف من : 2005-2008

"إسرائيل" والملف النووي الإيراني:ماذا عن الضربة العسكرية الإسرائيلية

"إسرائيل" والملف النووي الإيراني:ماذا عن الضربة العسكرية الإسرائيلية

كتب يحيى دبوق‏

على الرغم من أن المقاربة الإسرائيلية للملف النووي الإيراني مشبعة بالتعليقات والتحاليل والتغطية، والتي زادت حدتها وحجمها في الأيام القليلة الماضية، وهي تغطية مستمرة وحثيثة منذ إعلان إيران إنهاءها دورة تخصيب اليورانيوم وفك ارتباطها علميا عن الخارج في هذا المجال.. إلا انه لم تطرأ مضامين جديدة حقيقية تحرف القراءة العامة للموقف الإسرائيلي من اصل الملف وسبل مواجهته، وجل ما رشح عن الإسرائيليين، وبشكل أخص في الأيام القليلة الماضية، مجموعة من التصريحات والتعليقات التي تشير إلى تأكيد الموقف والمواصلة فيه، على الرغم من تصريحات شمعون بيريس، النائب الأول لرئيس الحكومة الإسرائيلية، التي هدد فيها إيران بشكل مبطّن، من أن لإسرائيل القدرة على محوها من الوجود.‏

تعرض بيريس لهجوم مضاد من قبل العسكريين الإسرائيليين، ولا سيما من قبل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس، الذي اعتبر أن كلام بيريس هو "ثرثرة زائدة في الشأن الإيراني، تلحق الضرر (بإسرائيل)".. إضافة إلى اللواء عاموس غلعاد، الذي يعتبر أحد المصممين المركزيين للاستراتيجية الإسرائيلية في الموضوع النووي الإيراني، حيث اعتبر هو الآخر انه "من غير المجدي (لإسرائيل) أن تقف على رأس الحربة.. لا احب الثرثرة واستخدام التعابير الفظة.. التصريحات وإطلاق الخيارات هو أمر ضار يتعارض وطريقة معالجتنا للمشكلة".‏

وإذا كانت تهديدات بيريس قد اعتبرت مقاربة شاذة إسرائيلية اضطرته إلى التوضيح انه لم يكن يقصد أن يضع "إسرائيل" في صورة تهديد إيران.. فما هي حقيقة الموقف الإسرائيلي، وهل في نية "إسرائيل" شن عدوان عسكري على إيران ينهي المشروع النووي الإيراني كما حصل مع العراق في العام 1981.. وخاصة أن التقدير الإسرائيلي الذي يعمل على بثه سرا وعلنا، هو أن الجهد الدبلوماسي الغربي ضد إيران فيما خص ملفها النووي مصيره الفشل، والإيرانيون يثبتون يوما بعد يوم انهم يواصلون مساعيهم دون اعتناء "بالمجتمع الدولي".. المسألة تتحدد بناءً على الإجابات الممكنة لأسئلة الملف الإيراني من ناحية "إسرائيل".. وما يظهره تتبع التعليقات والتصريحات الإسرائيلية أن هذه الأسئلة هي التالية:‏

هل تستطيع "إسرائيل" أن تعالج بنفسها الملف النووي الإيراني عسكريا؟ هل أن الضربة العسكرية الإسرائيلية، في حال حصلت، قادرة على إنهاء البرنامج النووي الإيراني؟ هل لـ"إسرائيل" القدرة من ناحية الجبهة الداخلية على مواجهة تصعيد مع إيران، مع لحظ القدرات التدميرية الإيرانية؟ هل "إسرائيل" قادرة على مواجهة تداعيات فتح جبهة مع إيران من خلال وكلائها كما يجري تسميتهم في الكيان؟.. وفوق كل ذلك، هل تستطيع "إسرائيل" أن تقارب إيران عسكريا من دون علم وموافقة أميركية، وخاصة أنها أصبحت لاعبا إقليميا ترتد عليه التداعيات مباشرة نتيجة وجوده في المنطقة؟..‏

هذه الأسئلة هي المطروحة باستمرار على بساط البحث كلما جرت المقاربة إسرائيليا للموضوع النووي الإيراني وسبل مواجهته، وبعضها يبقى مع إجابات ضبابية أو من دون إجابات حقيقية.. لكن من المفيد نقل بعض من هذه الإجابات لتسليط الضوء على مضمون النقاش الإسرائيلي، لأنه يغني المتابعة، ويفتح المجال أمام تقدير المواقف والمواقع، وتحديدا الموقف الإسرائيلي الذي يلهو البعض، غربا، بالتهديد به.. وفي ذلك يمكن إيراد عينة واحدة من الإجابات الهامة التي حفلت بها الساحة الإسرائيلية مؤخرا.‏

بتاريخ 16/4/2006، سئل المعلق العسكري في التلفزيون الإسرائيلي (يؤاف ليمور)، وهو قريب من المحافل العسكرية الإسرائيلية ويعكس مواقفها، عن قدرة "إسرائيل" على شن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فأجاب بالتالي:‏

"في إسرائيل يفضلون أن تقوم الولايات المتحدة بهذا العمل، وليس فقط من اجل تجنب ورطة سياسية وعسكرية، فللأميركيين القدرة من دون مساعدة دول أخرى على القيام بذلك.. في المقابل سيكون ذلك اصعب كثيرا على إسرائيل، حيث أن قصف هدف واحد يستلزم على الأقل ربع طائرات الأف 16 التي تملكها، والتي يمكنها أن تحمل حمولة 10 أطنان من الذخيرة، إضافة إلى ثُمن طائرات الأف 15 من اجل حمايتها، إضافة إلى طائرات صهريج تزويد بالوقود وطائرات اتصالات وإنذار، ناهيك عن وجوب توافر مروحيتين خاصتين للإنقاذ.. كما أن على سلاح الجو الإسرائيلي أن يعالج أيضا بطاريات الدفاع الجوي الإيراني وصواريخ شهاب التي ستطلق نحو إسرائيل.. وهذا كله من اجل قصف هدف نووي واحد"..‏

وإذا كان التشخيص الغربي والإسرائيلي، الذي ينمو يوما بعد يوم، هو أن المواقع المتعلقة مباشرة بالبرنامج النووي الإيراني تصل إلى 40 موقعا، فإن عملية عسكرية إسرائيلية، من ناحية واقعية، لن تفيد شيئا في منع وإحباط المشروع الإيراني.. وبالتالي فإن المقاربة الإسرائيلية تبقى في إطاراتها الحاكمة، ليس بسبب الضغوط الأميركية أو انتظار نتائج المساعي "السلمية" الغربية، إنما نتيجة لأسباب عملياتية وقصور ميداني، على اقل تقدير.‏

إذا كانت فرصة إنهاء وتدمير المشروع النووي الإيراني شبه معدومة عسكريا، من ناحية "إسرائيل" على الأقل، فهل عرقلة المشروع لسنوات نتيجة ضربة عسكرية هي الأخرى معدومة أيضا.. قد تكون هكذا فرصة موجودة نظريا، وقد تكون متاحة من ناحية القدرة الفعلية الأميركية.. إلا أن المسألة إسرائيليا تبقى في إطار الموازنة بين الخسائر والفوائد، حتى مع ارتداد "إسرائيل" في العلن إلى الخلف والعمل على تأليب وتحريض الأميركيين على هكذا ضربة.. وخاصة أن التقدير الإسرائيلي هو أن الإيرانيين سيعتبرون "إسرائيل" شريكا في العدوان، سواء شاركوا فيه أم لا، وبالتالي على "إسرائيل" أن تواجه ردود الفعل الإيرانية التي تقدر في الكيان أنها كبيرة جدا، هذا إن اقتصرت على ذلك فقط، ودوماً بحسب التقدير الإسرائيلي..‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1161 ـ 12 أيار/مايو 2006‏

2006-10-28