ارشيف من : 2005-2008

رايس في أوروبا: نجاح مفتوح على مشكلة مع روسيا

رايس في أوروبا: نجاح مفتوح على مشكلة مع روسيا

الانتقاد/ دوليات ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏

بكل ثقة، وفي الوقت الذي كانت تتفاقم فيه فضيحة سجون وكالة الاستخبارات الأميركية ورحلات طائراتها السرية، وسط التحقيقات وطلبات الاستيضاح الموجهة إلى واشنطن من قبل المسؤولين الأوروبيين، قال الرئيس الروماني مستقوياً بزيارة كوندوليسا رايس لبلاده، في إطار جولتها الأوروبية التي هدفت إلى دفن المشكلة ـ الفضيحة ونجحت في دفنها، قال بأن الأمر كله لا يعدو كونه زوبعة في فنجان. وبعد ثلاثة أيام على ذلك، برهن التاريخ صحة هذا التوقع الذي انطلق من بلد أوروبي هامشي، أو "جديد"، بحسب التصنيف الذي قدمه وزير الحرب الأميركي، دونالد رامسفيلد، حيث اصطفت أوروبا التي سبق لها قبل سنتين أن غضبت لوصفها بالقديمة، وراء الرئيس الروماني إياه، لتعلن بوضوح اقتناعها التام بكلام رايس واطمئنانها لهذا الكلام.‏

ولكن ما الذي قالته السيدة الأميركية الحديدية؟ لا كلمة واحدة، على ما ذكرته الواشنطن بوست، عن السجون السرية التي تديرها وكالة الاستخبارت المركزية في أوروبا وعن مئات الطلعات الجوية من وإلى المطارات الأوروبية، ثم بينها وبين جهات مجهولة. ولم يجد القادة الأوروبيون كلاماً يردون به على حجة رايس في حديثها عن التهديد الإرهابي العالمي وعن شرعية كل الوسائل في الحرب العالمية على الإرهاب. فتفجيرات مدريد ولندن وثورة الضواحي في المدن الفرنسية والورطة العراقية والورطة المجاورة التي لا تجرؤ واشنطن على الدخول فيها، برغم برمجتها بعد العراق، إضافة إلى إيران التي لم تعد تفوت فرصة دون أن تظهر المزيد من الشجاعة والإصرار على الحق، كل ذلك بدأ يعطي الانطباع في الغرب بأن النزهة البوشية لوضع اليد على العالم قد بدأت تنكشف عن هزيمة أبلغ الظن أنها لن تقف عند حدود البحار والمحيطات. وهكذا غضت أوروبا الرسمية طرفها عن المعركة التي كانت على وشك فتحها مع واشنطن، وابتلعت تحقيقاتها ومساءلاتها بشأن السجون السرية ورحلات الطائرات، واستعاضت عن ذلك بالابتهاج المعمم بتصريحات رايس التي أكدت فيها أن سياسة الولايات المتحدة هي عدم اللجوء إلى التعذيب، واحترامها للقوانين الدولية.‏

ولا ندري ما إذا كانت الشعوب ومنظمات المجتمع المدني في أوروبا وأميركا قد ابتلعت هي أيضاً حقنة رايس المسكنة، ولكن الأكيد أن التحالف الإستراتيجي الأوروبي ـ الأميركي الذي عادت إليه الحياة مع إعادة انتخاب بوش لولاية رئاسية ثانية، قد خرج معافى من الفضيحة، وخطا خطوات إضافية باتجاه أوروبا الشرقية من خلال ترشيح أوكرانيا وجورجيا لعضوية الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، وتوقيع جملة من الاتفاقيات العسكرية بين واشنطن وبخارست. تطور أزعج الروس إلى حد التهديد بالانسحاب من اتفاقية الأسلحة التقليدية في أوروبا، ومن شأنه أن يتطور في ظل المفاجآت السريعة لعالم اليوم نحو وضع قد تعود فيه إلى الحياة كوابيس الأوروبيين المزعجة من الخطر الذي كان سوفياتياً، والقابل لأن يسفر عن وجهه في روسيا الجديدة التي أصبحت في حكم المحاصرة بكل ما تملكه من أنياب ذرية.‏

ع.ح‏

2006-10-28