ارشيف من : 2005-2008
العدد السنوي// عنف متنقل من السعودية الى الاردن:مبارك رئيساً لولاية خامسة والاخوان المسلمون مفاجأة الانتخابات التشريعية

استحوذ المشهد المصري خلال العام ألفين وخمسة على اهتمام لا بأس به باعتباره شكل مقياساً لمسار عجلة الديمقراطية التي أعلنت الولايات المتحدة انها تعمل على دفعها في منطقة الشرق الاوسط لاعادة انتاج انظمة تحظى بشرعية شعبية. وقد بدا واضحاً ان لمصر خصوصية معينة لا تزال تحتفظ بها في السياسة الخارجية الاميركية المتعلقة بهذه المنطقة تجعل من الصعب التعويل كثيراً على إحداث تحول نوعي في هذا البلد بحيث ينتج نظاماً ديمقراطياً يمثل فيه الشعب مصدر السلطة والشرعية في آن، بل ان جل ما سيحدث سيكون عبارة عن عملية تجميلية تخفف من الانتقادات الكثيرة للولايات المتحدة بدعمها انظمة لا تتمتع بمنسوب عالٍ من الحرية والمشاركة السياسية.
وقد بدا هذا الامر واضحاً من خلال التعديل الدستوري الذي اطلقه الرئيس المصري حسني مبارك، والذي اتاح اجراء انتخابات تعددية ـ شكلية ـ بعدما جرى تداول كلام كثير عن احتمال توريثه السلطة لنجله جمال، وان كان عبر اجراء الانتخابات. وهكذا اتاح التعديل الدستوري مشاركة مرشحين للمرة الاولى في السباق الى الرئاسة المصرية في السابع من ايلول/ سبتمبر الماضي، وايضاً مشاركة المصريين في الاقتراع لرئيس من بين عدد من المرشحين، ولكن لم تخالف النتائج التوقعات، حيث فاز مبارك الذي يمسك بزمام البلد منذ العام 1981 بولاية خامسة لمدة ست سنوات بعد حصوله على 88.6 في المئة من اصوات المقترعين، فيما حل ثانياً رئيس حزب الغد ايمن نور الذي حكم عليه لاحقاً بالسجن خمس سنوات بتهمة تزوير توكيلات حزبه، وذلك في ختام محاكمة لم تكن بعيدة عن السجال الانتخابي.
لكن اللافت ان نسبة الاقبال على التصويت كانت ضعيفة اذ لم تزد على 23 في المئة من الناخبين البالغ عددهم 32 مليوناً، أي ان مبارك فاز بنسبة 19 في المئة، وهو امر اثار استفزاز عدد من المصريين الذين نظموا تظاهرات احتجاجية على هذه النسبة المتدنية جداً، معتبرين انها لا تعطيه الشرعية اللازمة لحكم البلاد. فيما اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هذه الانتخابات خطوة باتجاه ديمقراطية كاملة.
الا ان التحول الابرز الذي حدت منه اجهزة السلطة كان الفوز اللافت الذي حققه الاخوان المسلمون في الانتخابات التشريعية التي جرت على ثلاث مراحل وانتهت الى فوزهم بثمانية وثمانين مقعداً، أي ما نسبته 20 في المئة من مقاعد مجلس الشعب، وباتوا يشكلون كتلة المعارضة الرئيسية في مواجهة الحزب الوطني الحاكم الذي فاز بـ324 مقعدا اي 72.9% من اجمالي عدد النواب المنتخبين البالغ عددهم 444.
وبرغم ان نسبة اعضاء الحزب الحاكم في مجلس الشعب الجديد هي اقل نسبة تمثيل له في البرلمان منذ انشائه عام 1987 اذ غالبا ما كان يهيمن على 90% من المقاعد، الا انه احتفظ بأغلبية الثلثين التي تمكنه من التحكم في التعديلات الدستورية وتمديد حالة الطوارئ الجاري العمل بها في مصر منذ 24 عاما.
وكانت الانتخابات التي استمرت قرابة شهر شابتها انتهاكات وأعمال عنف واسعة النطاق، خاصة خلال جولتيها الاخيرتين اللتين شهدتا تدخلا واسعا لقوات الامن، منع الناخبين المؤيدين بصفة خاصة لجماعة الاخوان المسلمين من الادلاء بأصواتهم ما اسفر عن مواجهات ادت الى سقوط 11 قتيلا منذ بدء الانتخابات.
ويعتبر الاخوان انه لو لم تشهد المرحلتان الاخيرتان للانتخابات التشريعية تدخلا واسعا من قبل الشرطة لزادت نسبة تمثيلهم في مجلس الشعب، ولكانوا حصلوا على 130 مقعداً حسب احد قادتهم، عبد المنعم ابو الفتوح.
لكن حتى في ظل هذه النتيجة فإن "الانتصار الكبير" للاخوان المسلمين كرس "القطبية الثنائية" في الساحة السياسية المصرية التي يتقاسمون الهيمنة عليها مع الحزب الحاكم. مع الاشارة الى انهم خاضوا الانتخابات تحت شعار وحيد هو "الاسلام هو الحل"، داعين الى تطبيق الشريعة واقامة دولة اسلامية.
السعودية: انتخابات بلا نساء
بقي الهاجس الامني محور الحدث السعودي الذي شهد عدة تطورات ابرزها وفاة الملك فهد وتولي شقيقه الامير عبد الله السلطة رسمياً بعدما كانت بيده فعلياً، واجراء اول انتخابات بلدية، فيما اشتد سعير الحرب على تنظيم القاعدة الذي خسر فرعه في المملكة ابرز قيادييه.
ففي الاول من آب/ اغسطس الماضي اعلنت الرياض رسمياً وفاة الملك فهد، ومبايعة ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز ملكاً، ووزير الدفاع والطيران الامير سلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد.
وبعد أيام على توليه الحكم اعلنت السلطات السعودية تنفيذ سلسلة مداهمات ضد عناصر تنظيم القاعدة سمحت بمنع حدوث اعتداءات كانت "وشيكة" في البلاد عامة وفي الرياض بوجه خاص. وقد اندلعت مواجهات شملت اضافة الى الرياض والمدينة المنورة مدينة عرعر القريبة من الحدود مع العراق، وتم خلالها اعتقال 28 شخصاً من جنسيات مختلفة. وقد سقط خلال المواجهات ثلاثة قتلى من القاعدة بينهم خصوصا زعيم الفرع السعودي صالح العوفي وجندي من قوات الامن.
والعوفي من ابرز المطلوبين منذ عامين في المملكة، وأحد اثنين ظلا فارين من لائحة من 26 مطلوبا نشرتها السلطات السعودية في كانون الاول/ديسمبر 2003، والمطلوب الوحيد الباقي بعد مقتل العوفي من هذه اللائحة هو طالب بن طالب.
وكان الاشتباك الاخير بين ناشطين اسلاميين وقوات امن سعودية في الثالث من تموز/ يوليو الماضي في الرياض ادى الى مقتل المغربي يونس محمد ابراهيم الحياري
الذي يشتبه بأنه كان زعيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكانت السلطات السعودية خصصت مكافأة لمن يساعد في اعتقال الحياري. وكان الحياري وهو خبير متفجرات مدرجا على رأس لائحة من 36 مشبوها مطلوبين نشرتها وزارة الداخلية في 28 حزيران/يونيو. وقد اوضحت الوزارة ان 21 من هؤلاء المشبوهين يقيمون في الخارج وسبعة منهم غير سعوديين.
وفي مطلع نيسان/ابريل قتل اثنان من قادة تنظيم القاعدة في السعودية، هما السعودي سعود العتيبي والمغربي عبد الكريم المجاطي اضافة الى 12 من عناصرهما في مواجهات دامية استمرت ثلاثة ايام في الرس بمنطقة القصيم شمال السعودية.
هذه الاحداث الامنية لم تمنع من تنظيم اول عملية انتخابية تشهدها المملكة، وذلك في اطار الاصلاحات التي وعد بها الملك عبد الله عندما كان ولياً للعهد، فقد نظمت انتخابات بلدية على ثلاث مراحل: الاولى في 10 شباط/ فبراير، والاخريان في 3 اذار/ مارس و21 نيسان/ ابريل. وقد جرى خلالها الاقتراع لاختيار نصف اعضاء المجالس البلدية المئة والثمانية والسبعين، فيما تعين السلطة المركزية نصف الاعضاء الاخرين. وكان هذا من العيوب التي شابت هذه الخطوة بحيث ابقت زمام السيطرة في يد الحكومة. كما ان العيب الثاني تمثل في منع النساء من المشاركة اقتراعاً وترشيحاً مع العلم ان المرأة كان لها دور غير مباشر ادى الى نتائج حاسمة عبر اقناع اقاربها في التصويت للوائح دون اخرى. وقد كان لافتاً ان الاسلاميين الذين يحظون بدعم الائمة النافذين فازوا في معظم المدن الكبرى.
وفي خضم الحديث عن تغييرات سجل في 15 ايار/ مايو 2005 الحكم على ثلاثة اصلاحيين سعوديين بالسجن فترات تترواح بين ست وعشر سنوات بعد ان دعوا الى اقامة ملكية دستورية في البلاد.
الاردن: عنف دموي
شهد الاردن حدثاً امنياً ضخماً تمثل في دخول ابو مصعب الزرقاوي في حرب مفتوحة مع النظام الاردني الذي يعتبره "تابعاً" لواشنطن، وذلك بعد ان تبنى تنظيمه الاعتداء الثلاثي الذي استهدف في العاشر من تشرين الثاني المنصرم ثلاثة فنادق في عمان يرتادها المغتربون والغربيون المتوجهون الى العراق من الاردن موقعة نحو ستين قتيلاً.
وقد اوقفت السلطات الاردنية اعدادا كبيرة من المشتبه فيهم من اردنيين وعرب ضمن اطار التحقيق في التفجيرات الانتحارية. وكان بين قتلى التفجيرات 12 شخصا من بينهم مواطن اميركي، وخمسة عراقيين وثلاثة صينيين وسعودي وفلسطيني واندونيسي. فيما ذكرت الاذاعة الاسرائيلية ان رجل اعمال اسرائيليا كان بين القتلى. وجرح في التفجيرات 102.
وفي اكثر التفجيرات دموية فجر انتحاري نفسه عند مدخل صالة افراح في فندق راديسون ساس حيث كان يقام حفل زفاف. وتوفي في الحفل والدا العروسين وهما فلسطينيان. واصيب العروسان بجروح. وفجر انتحاري اخر نفسه عند مدخل فندق غراند حياة كما فجر اخر نفسه في فندق "ديز ان" في ضاحية الرابية.
وقد تعرض ميناء العقبة الى هجوم صاروخي في اب/ اغسطس الماضي ألقيت مسؤوليته على جماعة الزرقاوي.
وفيما خرج الاف الاردنيين حاملين الاعلام الى شوارع العاصمة وغيرها من مناطق المملكة للتعبير عن غضبهم لاعمال العنف وهاجموا الزرقاوي، قالت مصادر أمنية ومحللون ان الاردن المؤيد للغرب والذي تجنب اعمال عنف رئيسية لتنظيم القاعدة قبل
التفجيرات الاخيرة يواجه هجمات مماثلة من متشددين اسلاميين من داخل البلاد يستوحون اعمالهم من النشاط المسلح في العراق.
وفي اعقاب هذه الاعتداءات طلب الملك عبد الله الثاني من مدير الامن الوطني معروف البخيت تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة عدنان بدران الذي كان شكل حكومته مطلع نيسان/ ابريل الماضي.
ونال البخيت (58 عاما) الذي بدأ حياته المهنية في الجيش رتبة لواء، كما كان منسق محادثات التسوية مع اسرائيل بين عامي 1993 و1994 قبل التوقيع على معاهدة السلام في تشرين الاول/اكتوبر 1994.
وكان البخيت سفيرا لدى تركيا قبل تعيينه سفيرا لدى اسرائيل في شباط/فبراير الماضي قبل ان يستدعيه الملك لاستلام منصبي مدير مكتبه ومدير جهاز الامن الوطني
بالوكالة.
وفي خطاب التكليف طلب الملك من البخيت شن "حرب لا هوادة فيها على مدارس التكفير" داعيا اياها ان "لا تأخد بالحل الامني فقط".
السودان
بموجب اتفاق السلام الذي وقعته الخرطوم في كانون الثاني/ يناير 2005 مع جون قرنق قائد الجيش الشعبي في الجنوب دخل السودان مرحلة سياسية جديدة تمتد لست سنوات ينظمها دستور انتقالي، لينهي بذلك أطول الحروب في القارة السوداء التي استغرقت نحو واحد وعشرين عاماً مودية بمليوني قتيل، معظمهم بسبب المجاعة والفقر، وملايين المشردين. لكن ظلال التوتر لا تزال تسيطر على اكبر بلد افريقي مساحةً بسبب صراعين دمويين يشهدهما في غربه وشرقه. وفي نهاية هذه المرحلة يفترض أن يقرر الجنوبيون في استفتاء، الوحدة أو الانفصال عن الوطن الأم السودان.
إلا أن ذلك لم ينه أزمات هذا البلد الافريقي إذ نبتت فيه مشكلة دارفور التي استحوذت على اهتمام دولي لم يخل من نية الولايات المتحدة في التدخل بكل شاردة وواردة في هذا البلد، وقد أفضى هذا التدخل إلى ثلاثة قرارات من مجلس الامن الدولي في أقل من عشرة ايام: الاول في الرابع والعشرين من آذار/ مارس، ويقضي بتشكيل قوة لحفظ السلام تتألف من 10715 فردا لمراقبة اتفاق السلام في جنوب السودان، والثاني في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، ويقضي بفرض حظر على سفر بعض الضالعين في صراع دارفور وتجميد أرصدتهم، وكلاهما قدمتهما البعثة الاميركية لدى الامم المتحدة. أما القرار الثالث الذي قدمت مشروعه اولا فرنسا ثم بريطانيا معدلا، وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عليه، فيتعلق بإحالة مرتكبي جرائم الحرب والابادة في دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وقد شهد السودان مقتل جون قرنق في حادث تحطم طائرة في الجنوب في الواحد والثلاثين من شهر تموز/ يوليو ليستلم مكانه سيلفا كير ميارديت الذي كان في منصب نائب الرئيس السوداني وقائد الجيش الشعبي.
الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005