ارشيف من : 2005-2008
بوليفيا أيضاً... في المعسكر المعادي لواشنطن

بعد سلسلة الضربات الموجعة التي تلقتها الولايات المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، مع وصول أحزاب يسارية ومعادية للسياسات الأميركية في البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وغيرها، إضافة إلى فنزويلا هيغو شافيز، جاءت الضربة هذه المرة من بوليفيا. فقد أصبح من المحقق بعد انتخابات الأحد الماضي، أن زعيم "الحركة باتجاه الإشتراكية"، إيفو موراليس، قد أصبح رئيساً للبلاد للسنوات الخمس القادمة.
وتأتي أهمية انتخاب موراليس ليس فقط من حيث كونه يسارياً وشديد الإعجاب بالرئيس الفنزويلي، بل أيضاً من حيث كونه أول هندي من سكان أميركا الأصليين يصل إلى منصب الرئاسة، منذ اكتشاف العالم الجديد في القرن الخامس عشر، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يمر دون تداعيات في أميركا اللاتينية حيث تكثر نسبة السكان من غير الأصول الأوروبية، وربما أيضاً في الولايات المتحدة نفسها. وفي حين أعلن موراليس أن صفحة المعاناة التاريخية من الحقد والتمييز اللذين عاشهما الهنود في بوليفيا قد طويت إلى غير رجعة، سجل المراقبون أن هنود أميركا قد تعاطوا مع الحدث البوليفي كانبعاث حقيقي لمفاخر أجدادهم التي طمستها خمسة قرون من هيمنة الأوروبيين وأحفادهم.
والجدير بالذكر أن 60 في المئة من سكان بوليفيا هم من الهنود الأميركيين، يضاف إليهم 25 في المئة من المهجنين، في حين لا تتجاوز نسبة ذوي الأصول الأوروبية الـ15 في المئة من السكان. ومع ذلك استأثر هؤلاء بحكم البلاد منذ الاستقلال عن إسبانيا قبل 150 عاماً جاءت حافلة بالاضطرابات والانقلابات ومظاهر الهيمنة الأميركية التي جعلت بوليفيا في طليعة البلدان الأكثر فقراً في أميركا اللاتينية برغم اتساع أراضيها (أكثر من مليون كيلومتر مربع لنحو تسعة ملايين نسمة) وغناها بالثروات الباطنية وبالإمكانيات الزراعية. وكان في طليعة العوامل التي أسهمت في فوز موراليس تفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد نتيجة فشل السياسات الإصلاحية المملاة أميركياً من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وبعد ساعات على ظهور النتائج الأولية التي رجحت فوز موراليس في الإنتخابات، أكد الرئيس المنتخب توجهه المعادي للسياسات الأميركية من خلال تصريح هاجم فيه واشنطن واتهمها بالعمل على نشر قواعد عسكرية في المنطقة بذريعة التصدي لمكافحة تجارة المخدرات.
وإذا كان برنامج موراليس الانتخابي قد تركز على الدفاع عن مصالح مزارعي الكوكا التي يستخرج منها الكوكايين، فإنه قد ركز أيضاً على معارضة أعمال التهريب التي تستغلها الدعاية وتستخدمها ذريعةًَ للتدخل في شؤون النصف الجنوبي من القارة.
ويمكن القول ان الأميركيين قد بدأوا التلويح بالحرب على التهريب من خلال تصريحات أدلى بها مسؤولون أميركيون ألمحوا فيها إلى أن معظم إنتاج بوليفيا من الكوكا يتحول إلى كوكايين، في حين تؤكد المصادر المحايدة أن إنتاج الكوكا، الذي يستخدم قسمه الأكبر في صناعة الأدوية، لا يشكل في بوليفيا أكثر من 3 في المئة من مجمل عائدات الزراعة التي لا تشكل بدورها أكثر من 20 في المئة من المداخيل العامة.
ورداً على الاتهامات الأميركية، أكد موراليس أن الكوكايين والتهريب لا يشكلان جزءاً من الثقافة البوليفية، وهو كلام ينطوي على التعريض بالأميركيين الذين يستهلكون القسم الأكبر من الإنتاج العالمي من المواد المخدرة.
وفيما عدا ذلك، اقتصرت ردود الفعل الأميركية على تصريحات أطلقتها كوندوليزا رايس، وأكدت فيها أن واشنطن بصدد دراسة الوضع لتقرير مستقبل العلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أن هذه العلاقات ستتحدد انطلاقاً من استعداد الحكومة الجديدة لاعتماد الديموقراطية وللانفتاح على تعاون اقتصادي مفيد للشعب.
وفي حين يتخوف خصوم موراليس من انقطاع المساعدات الاقتصادية الأميركية، سارع وزير الخارجية الفنزويلي، علي رودريغز، إلى القول بأن النظام الجديد في بوليفيا سيعزز مسيرة التكامل والتعاون في المنطقة.
أما خوسيه فنسانتي رانجيل، نائب الرئيس الفنزويلي، فقد وعد بتقديم مساعدة على شكل تعاون طبيعي وشرعي ودستوري للنظام الجديد، في وقت أكد فيه موراليس أن تأميم الغاز سيكون في طليعة الإجراءات التي سيتخذها على طريق النهوض الاقتصادي والسياسي في البلاد.
عقيل الشيخ حسين