ارشيف من : 2005-2008
العدد السنوي// كوارث مناخية وبائية وجيولوجية

يمكن القول ان العام 2005 هو عام الكوارث التي جمعت بين المناخية والجيولوجية والوبائية، وإن كان أبرز هذه الكوارث ثلاث.
فلجهة المناخ عايشت مناطق في أميركا اللاتينية والشمالية أعاصير لم تشهدها منذ بدء تسجيل ورصد الأعاصير في تلك المنطقة، وكان أبرز هذه الأعاصير إعصار كاترينا الذي ضرب بعنف في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس ثلاث ولايات في جنوب الولايات المتحدة وخاصة ولاية لويزيانا، وأوقع اضرارا ضخمة دفعت المعلقين الى وصفه بأنه اكبر كارثة طبيعية في تاريخ البلاد، كما كانت له تداعيات على صعيد التمييز العنصري القائم في أميركا بين السود الفقراء والبيض الأغنياء، وقد أدى هذا الاعصار إلى مقتل عشرة آلاف شخص في لويزيانا وحدها حسب السناتور الجمهوري ديفيد فيتر، كما بلغ عدد المشردين في هذه الولاية وحدها اكثر من مليون شخص. فالاعصار ضرب منطقة تبلغ مساحتها نحو 235 الف كلم مربع، اي ما يوازي مساحة رومانيا ونصف مساحة فرنسا. وامتدت الاضرار بطول ما بين 40 الى 50 كلم على شواطئ ولاية ميسيسيبي، في حين غمرت المياه 80 في المئة من مدينة نيو اورلينز. وادى الى اقفال 711 منصة او بئر نفطية في خليج المكسيك. وبعد خمسة ايام على مروره في جنوب الولايات المتحدة فإن 88,53 في المئة من انتاج النفط الخام في منطقة خليج المكسيك توقف، وهو يمثل ربع الانتاج العام للبلاد.
في حصيلة اقتصادية قد تتجاوز قيمة الاضرار المئة مليار دولار وربما تصل الى 35 مليار دولار حسب شركات التأمين بناءً على معلومات شركة "ريسك مناجمنت سولوشنز" المتخصصة. اما وقف العمل فيعني 100 مليون دولار يوميا من الربح الفائت. علما أن الولايات الثلاث التي ضربها الاعصار (لويزيانا وميسيسيبي والاباما) تمثل ثلاثة في المئة من الناتج الداخلي الخام في الولايات المتحدة حسب الاقتصادي ايثان هاريس من شركة "لهمان براذرز".
إلا أن الكارثة الكبرى حلت في مدينة نيو اورلينز التي يبلغ عدد سكانها نحو 1,4 مليون شخص، نسبة السود من بينهم 67,3 في المئة يعيش 30 في المئة منهم تحت خط الفقر، وقد أثارت طريقة تعامل الرئيس بوش مع مأساة هذه المدينة الكثير من الاستياء في صفوف الشعب الأميركي، وخاصة أنها أظهرت لا مبالاة حقيقية بحياة هؤلاء الفقراء الذين تركوا لوحدهم يصارعون الموت، ليس فقط جراء العاصفة، بل من قبل عصابات السرقة والقتل، إذ تحولت نيو أورليانز بين ليلة وضحاها إلى مدينة عصابات خارجة على القانون، ما أظهر عدم استعداد الادارة الأميركية لمواجهة هكذا حالات.
وإضافة إلى كاترينا ضرب الولايات المتحدة أيضا إعصار ريتا الذي بلغ معدل ضغطه الجوي أقل معدل يسجل منذ بدء تسجيل الأعاصير منذ أكثر من ثلاثين سنة، والجدير ذكره أن هذه السنة شهدت أكبر عدد من الأعاصير التي تضرب سواحل القارة الأميركية.
زلزال باكستان
وفي شهر تشرين الأول/ اكتوبر ضرب زلزال بلغت قوته 7.6 درجات بمقياس ريختر مدينة مظفر آباد عاصمة القطاع الباكستاني من كشمير، على بعد 80 كلم الى الشمال الشرقي من العاصمة الباكستانية اسلام آباد، كما ضرب أيضا الهند وافغانستان.
الزلزال وهو أقوى زلزال تتعرض له المنطقة منذ نحو مئة عام أسفر عن مقتل أكثر من 87 ألف شخص, وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين آخرين وسط تحذيرات دولية من تفاقم الكارثة. وقالت منظمات الإغاثة الدولية إن الالتهاب الرئوي ينتشر في المنطقة المنكوبة بالزلزال، ويهدد مئات الآلاف بالوفاة ما لم يبتعدوا عن منطقة الثلوج أو يوفر لهم المأوى المناسب بشكل عاجل. ولوحظ في هذه الكارثة أن هبة المساعدات العربية والاسلامية التي تدفقت على منكوبي نيو أورليانز لم تكن بنفس اللهفة على منكوبي باكستان الذين بات عليهم الآن مقارعة الموت إما من البرد أو من الأمراض أو من الجوع.
وعلاوة على ما ذكر لم ترض سنة 2005 مغادرتنا من دون مصيبة وبائية ألقت الذعر في قلوب جميع البشر ألا وهي وباء انفلونزا الطيور. وإذا كان هذا الوباء ليس جديدا لكن انتشاره بلغ هذه السنة معظم القارة الآسيوية والأوروبية وصولا إلى إفريقيا نظرا لخط هجرة الطيور الممتد من روسيا حتى إفريقيا، كما أن إصابة العديد من البشر به ووفاتهم أثارا مخاوف من إمكانية تحوله إلى وباء عالمي يهدد البشرية، وخاصة أنه لا لقاح له حتى الآن. وكانت أول وفاة بهذا المرض سجلت يوم 30 كانون الأول/ ديسمبر 2003.
محمد يونس
الانتقاد العدد 1142 ـ 30 كانون الاول/ ديسمبر 2005