ارشيف من : 2005-2008

الملف النووي الإيراني:طهران تكسب جولة أخرى

الملف النووي الإيراني:طهران تكسب جولة أخرى

الانتقاد/ إقليميات ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006‏

نهار الثلاثاء الماضي العاشر من كانون الثاني/ يناير، قامت فرق التفتيش في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بفضّ الأختام على منشآت موقع ناتانز وموقعين آخرين إيذانا ببدء طهران تجاربها النووية المعلّقة طوعا منذ أكثر من سنتين ونصف السنة.‏

فور ذلك قامت الدنيا في الولايات المتحدة ولم تقعد، وأقامتها لدى عواصم الدول الأوروبية، وبدأ التهديد بعواقب الأمور جرّاء الخطوة الإيرانية لدفع الجمهورية الإسلامية إلى التراجع والعودة لتعليق أنشطتها النووية.‏

ولكن يبدو أن حسابات واشنطن لن تكون مؤاتية لنتاج البيدر الإيراني لجملة اعتبارات وحيثيات يستند عليها القرار الإيراني.‏

بداية تؤكد طهران أن الذي استُئنف هو الأبحاث النووية وليس إنتاج الوقود النووي بتأكيد من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته منوشهر متّقي، حتى أن مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أكد هذا الأمر، وأن إيران ترغب بتخصيب اليورانيوم على نطاق ضيق لأغراض البحث.‏

الحيثيات‏

ولكن السؤال الذي يمكن طرحه هو: لماذا الآن قامت طهران بذلك في وقت يدور الحديث عن قرب استئناف المفاوضات مع الجانب الأوروبي؟ وما هي الاعتبارات التي دفعت طهران لاستئناف التخصيب النووي من دون أن تأبه للتهديدات الأميركية والإسرائيلية الكثيرة في هذا المجال؟‏

مصادر دبلوماسية مطلعة ذكرت أن هناك العديد من الاعتبارات الداخلية والخارجية وراء القرار الإيراني، منها:‏

1 ـ تلتزم إيران التزاما تاما وصريحا بقوانين معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهي تنسق تنسيقا كاملا مع الوكالة الدولية الممثلة بالبرادعي وفرق التفتيش التابعة لها، وهم الذين يقومون بتفتيش دائم ومفاجئ للمنشآت النووية الإيرانية وبشكل مكثف وغير عادي، لدرجة ان حملات التفتيش الدولية بلغت في السنة المنصرمة وحدها أكثر من ستمئة حملة.‏

2 ـ إن إيران قدمت ضمانات لم يقدمها أي بلد آخر موقع على المعاهدات الدولية ذات الصلة، وقد ذهبت طهران أبعد ما يكون في تقديم الضمانات لطمأنة المجتمع الدولي، وصلت إلى حد دعوة الولايات المتحدة والأوروبيين الى المشاركة في البرنامج النووي الإيراني.‏

3 ـ على خلفية الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي الذي سُمي باتفاق باريس، وعد الأوروبيون بتقديم حوافز معينة مقابل أن توقف إيران بشكل طوعي بعض الأنشطة الحساسة، وعليه نفذت إيران ما عليها تشجيعا لإنجاح المفاوضات، لكن خلال هذه الفترة لم يقم الأوروبيون بما يجب عليهم ضمن الاتفاق، ما ولد انطباعا لدى الحكومة الإيرانية بأن الأوروبيين غير جديّين في مفاوضاتهم معها، وهم يحاولون كسب الوقت ليس إلا، وهو أمر ولّد شعورا لدى الإيرانيين بأن هناك ارتباطاً معيناً بين التهديد الأميركي أو (العصا الأميركية) والترغيب الأوروبي أو (الجزرة الأوروبية)، مع أن الأوروبيين لم يقدموا شيئا من هذه الجزرة، ما يعني أن هناك اتفاقا أوروبيا أميركيا على حمل إيران للتخلي عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية وإبقائها خاضعة للمزاج الغربي في الحصول على تكنولوجيا كهذه.‏

4 ـ هذا التعامل الأوروبي الأميركي خلق ما يشبه الإجماع الوطني الإيراني داخليا وخارجيا برفض انكسار العنفوان القومي الإيراني والتمرد على التعاطي الاستخفافي الدولي والأوروبي حيال إيران، ما شكل نوعا من الضغط الشعبي على الحكومة الإيرانية بضرورة المضي قدما في البرنامج النووي.‏

الخيارات‏

إزاء هذه الاعتبارات جاء قرار الحكومة الإيرانية باستئناف بعض أنشطة التخصيب مع علمها بالخيارات المتاحة أمام الأسرة الدولية، أو بتعبير أدق أمام واشنطن، فطهران بحسب المصادر الدبلوماسية المطلعة تعرف ان الأميركيين سيطلبون في نهاية المطاف من الأوروبيين معاودة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق معين مع احتمال نقل الملف إلى مجلس الأمن، لكن ذلك لن يكون له أي أثر خاصة إذا ما عرفنا:‏

ـ أن لإيران أصدقاء في مجلس الأمن كروسيا والصين اللتين تعرفان ـ بغض النظر عن المصالح الاقتصادية المهمة التي تربطهما بطهران ـ أن إيران لم تقم بخرق أي قانون من قوانين الوكالة الدولية، وأن ما تقوم به واشنطن هو تحريض سياسي محض لا علاقة له بالقضايا التقنية ـ وباعتراف الأميركيين أنفسهم ـ حيث إنه إذا ترك الأمر للقضايا التقنية فيقينا ليس هناك ما يدين إيران.‏

ـ كما أن إيران باستطلاع رأي للدول العربية المجاورة، وجدت أيضا بغض النظر عن موقف هذه الدول المعلن من البرنامج النووي الإيراني، أن الموقف العربي يرفض حصر الملف النووي بإيران في المنطقة فقط، بل يصرون على أن يشمل أيضا الملف النووي الإسرائيلي، ويرفضون أن يبقى كيان العدو خارج نطاق المساءلة النووية الدولية.‏

ـ ان التصعيد الأميركي الحالي يؤثر سلبا على أسعار النفط العالمية، وهو أمر يضر بالمصالح الأوروبية ويفيد طهران في الوقت نفسه، ما يشكل عامل ضغط آخر على واشنطن.‏

ـ الإيرانيون يستبعدون العمل العسكري ضد بلادهم لعدم القدرة الأميركية أو الإسرائيلية على تحمل نتائج القيام بعمل كهذا، وهم يذكرون بأن قسماً كبيراً من القوات الأميركية موجود تحت مرمى النيران الإيرانية في العراق. أما بالنسبة الى "إسرائيل" فهي عدا كونها بلدا صغيرا نسبة الى إيران، فهي غير قادرة على مواجهة القدرة العسكرية الإيرانية التي لم تختبرها قبلا.‏

وهكذا في نهاية المطاف، يكون الإيرانيون قد كسبوا معركة أخرى ونقلوا المفاوضات إلى نقطة تالية، توصلا ربما إلى نهاية الملف.‏

محمد يونس‏

2006-10-28