ارشيف من : 2005-2008

الدانمارك: إهانة جديدة للإسلام والمسلمين

الدانمارك: إهانة جديدة للإسلام والمسلمين

توجيه الإساءات إلى الإسلام بألف شكل وشكل، بات عادة يومية يمارسها الغرب الأميركي والأوروبي، ممثلاً بأصحاب القرار وبوسائل الإعلام، وبأذرعته الممتدة أيضاً حتى في داخل العالم الإسلامي. آخر تلك الإساءات، بعد تدنيس القرآن الكريم في المعتقلات الأميركية، جاء هذه المرة من طرف صحيفة يولند بوستن الدانماركية المحافظة والواسعة الانتشار. فقد نشرت تلك الصحيفة، في الثلاثين من سبتمبر أيلول الماضي، اثني عشر رسماً كاريكاتورياً تمثل نبي الإسلام محمداً (ص) بأشكال منافية لأبسط قواعد الاحترام الضروري لمشاعر أكثر من مليار مسلم، يؤذيهم مجرد التعرض لذكر اسمه مجرداً عما ينبغي له من تقديس، فكيف باقتراف جرم تصويره بأشكال، منها رسم يظهر عمامته بصورة قنبلة على وشك الانفجار؟ والواضح أن الرسالة التي تحملها الرسوم المذكورة إلى وعي القارئ الغربي لا تحمل جديداً لجهة تقديم الإسلام كمرادف للقتل، ولا لجهة التحريض على المسلمين كافة، بشكل يقدم دليلاً جديداً يثبت أن الحرب على الإرهاب المزعوم ليست غير قناع يخفي نزعة العداء القديم والجديد للإسلام.‏

بالطبع، لا يمكن لأحد أن يأخذ على هذه الجهة أو تلك معاداتها أو عدم معاداتها لهذه الفكرة أو تلك، لأن مشاعر الأفراد والجماعات هي، في نهاية المطاف، من الأمور ذات الصلة بحرية الناس في أن يشعروا أو يفكروا بالطريقة التي تناسبهم. لكن المأخذ هنا يتعلق تحديداً بحرية التعبير، التي يدّعي الغربيون تقديسها، والتي تذرع بها المسؤولون الدانماركيون في تبرير السماح للصحيفة المذكورة بنشر ما نشرت أو في تبرير عدم ملاحقتها بعدما نشرت ما نشرت. ولكن هل تكفي هذه الذريعة لإقفال الملف؟ بالطبع لا، لأن حرية التعبير المقدسة تصبح جريمة تعاقب عليها القوانين الغربية عندما يتعلق الأمر بما يسمونه العداء للسامية. وتأتي ممارسات من نوع محاربة الحجاب أو منع قناة "المنار" من إيصال صوتها إلى الغرب، كتعابير عن زيف الإدعاءات الرسمية الغربية حول احترام حرية التعبير، حيث بات من الواضح أن هذه الحرية، كغيرها من الحريات، مرتهنة للمواقف السياسية.‏

فالمسألة ليست إذاً مسألة حرية تعبير، بل هي موقف سياسي واضح وعدائي ليس ضد "حفنة من الإرهابيين" على ما تروجه أجهزة الإعلام الغربية وغير الغربية، بل ضد الإسلام بمقدساته الكبرى ومعتقداته، وضد طموحات المسلمين والعرب في التحرر وتحقيق الذات وتقرير المصير. وعلى هذا المستوى، يصبح من الطبيعي جداً، إذا كان المسلمون معنيين بالدفاع عن مقدساتهم، أن يقابل الموقف السياسي العدائي بموقف من الحجم ذاته.‏

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الإهانة التي تبعتها إهانة أخرى تمثلت برفض رئيس الوزراء الدانماركي استقبال أحد عشر سفيراً لبلدان إسلامية في كوبنهاغن طلبوا مقابلته للاحتجاج على تلك الإهانة، اقتصر الموقف الإسلامي على خطوات خجولة تمثلت بانتقادات "شديدة اللهجة" وجهها وزراء الخارجية العرب لموقف رئيس الوزراء الدانماركي ولمنظمات حقوق الإنسان. كما سمعت أحاديث عن نية منظمة المؤتمر الإسلامي في الدعوة إلى مقاطعة الدانمارك تجارياً وثقافياً، وعن تكليف كل من الأمين العام للمنظمة والأمين العام للجامعة العربية بمتابعة القضية. قضية يبدو، من الآن وحتى ثبوت العكس، أنها ستنضم إلى غيرها من القضايا النائمة تحت حراسة الأشاوس من زعماء المسلمين والعرب!‏

ع.ح‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1144 ـ 13 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-28