ارشيف من : 2005-2008
فوز ميشيل باشيليه برئاسة الشيلي:انتصار جديد للتوجهات المناوئة لواشنطن في أميركا اللاتينية

معركة الرئاسة في الشيلي أسفرت الأحد الماضي (15/1/2006) عن فوز ميشيل باشليه من يسار الوسط المتحالف، ضمن إطار الائتلاف الديموقراطي المكون من المسيحيين الديموقراطيين والإشتراكيين، أمام منافسها، رجل الأعمال والملياردير اليميني سيبستيان بينييرا. الفوز بنسبة 53،49 من الأصوات لم يكن كاسحاً، ولكنه كان كافياً لاستمرار الإشتراكيين في حكم البلاد منذ 16 عاماً، أي منذ سقوط الديكتاتور بينوشيه المدعوم أميركياً والذي كان قد أحبط، بفضل التدخل الأميركي المباشر في العام 1973، آمال الشعب الشيلي، عندما ضرب نظام الرئيس المنتخب ديموقراطياً، سيلفاتور آليندي، والذي قتل أثناء الانقلاب العسكري الذي قاده بينوشيه.
وبذلك تكون باشيليه التي ستخلف سلفها الرئيس ريكاردو لاغوس، وهو أيضاً من يسار الوسط، رابع رئيس من يسار الوسط يحكم البلاد منذ العام 1990. كما تكون أول امرأة تتولى منصب الرئاسة في الشيلي وفي أميركا الجنوبية. وقد شكل انتخابها، كامرأة مطلّقة تعيل ثلاثة أولاد من زوجين سابقين، ومؤيدة للاجهاض، العلامة الأشد بروزاً في الحملة الانتخابية في بلد كاثوليكي مثل الشيلي. كما شكل، بعد فوزها، علامة أشد بروزاً، مع الإعلان عن عزمها تشكيل حكومة، لأول مرة في التاريخ، يكون نصف أعضائها من النساء. ويعتقد المراقبون بأن هذا التوجه لا يعكس التوجهات الشخصية أو الإيديولوجية للرئيس الجديدة بقدر ما يعكس الدور الهام الذي لعبته النساء في انتخابها. وبهذا الصدد، يقول المحلل السياسي باترسيو نافيا إن أهمية الحدث تكمن في تصويت أكثرية النساء الشيليات المعروفات بميولهن المحافظة لمصلحة باشيليه، وفي دخول المرأة بقوة إلى مسرح العمل السياسي. والأكيد أن الحدث قد شكل انعطافة هامة بقدر ما أثبت أن قضية المرأة ربما تكون قد خرجت من الإطار الذي غالباً ما استخدمه الأميركيون كوسيلة لمضايقة الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث، لتدخل في إطار التحرك المناهض للهيمنة الأميركية.
وتجدر الإشارة إلى أن فوز باشيليه قد جاء على أساس برنامجها الانتخابي في مواصلة النهج المرتكز إلى الانفتاح أمام الاستثمارات الخارجية، وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة، وهو الأمر الذي شذت فيه الشيلي عن إجماع البلدان المناهضة في أميركا اللاتينية لهيمنة واشنطن، والتي رفضت التوقيع على اتفاقيات المنطقة الحرة للأميركتين. وإذا كان البعض يعزو الفضل إلى هذه الاتفاقيات في جعل الاقتصاد الشيلي واحداً من أكثر الاقتصادات استقراراً في أميركا اللاتينية، مع تحقيق معدل نمو سنوي في حدود الـ6 في المئة، ومع تقليص البطالة إلى حدود 8 في المئة، فإن البعض الآخر يعزو هذا التقدم إلى ارتفاع أسعار النحاس في السوق الدولية، حيث يشكل تصدير هذه المادة عمدة التجارة الخارجية في البلاد.
كما تضمن البرنامج الانتخابي لباشيليه وعوداً باستمرار السياسة الضريبية وبتحسين نظام التقاعد مع تخصيصات هامة للقطاعات الاجتماعية كالتربية والصحة ومكافحة الفقر في بلد يبلغ عدد سكانه 16 مليوناً، ويشكل فيه الفقراء ما يزيد عن 18 في المئة من إجمالي السكان. والسؤال الأكثر تداولاً بين المراقبين هو حول ما إذا كانت باشيليه ستستمر فعلاً في اعتماد النهج الاقتصادي الليبرالي برغم معارضة بلدان المنطقة لهذا النهج، أم أنها ستنعطف نحو الانضمام إلى التكتل الاقتصادي الإقليمي الذي تنادي به كل من فنزويلا والبرازيل وغيرهما من بلدان اتفاقية ميركوسور المطروحة كبديل ونقيض لاتفاقيات التجارة الحرة (زليتا) المطروحة من قبل واشنطن. وأغلب الظن أن الرياح اليسارية التي تعصف حالياً بالقارة اللاتينية ستقود الشيلي نحو المزيد من التحول في الاتجاه الجديد.
أما من الناحية السياسية، فقد جاء فوز باشيليه كتعزيز للتوجه اليساري الصاعد في أميركا اللاتينية والمناهض للسياسات الأميركية، وإن كانت باشيليه، شأن سلفها ريكاردو لاغوس، أكثر قرباً إلى الاعتدال الذي يمثله البرازيلي لولا دو سيلفا منها إلى التشدد الذي يمثله كل من البوليفي إيفو موراليس والفنزويلي هيغو شافيز.
ع.ح
مقالات / العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006