ارشيف من : 2005-2008

صفقة الأسلحة الإسبانية لفنزويلا:أزمة حادة بين مدريد وواشنطن

صفقة الأسلحة الإسبانية لفنزويلا:أزمة حادة بين مدريد وواشنطن

"يمكننا أن نشتري ما نحتاج إليه من روسيا أو الصين أو كوبا". هذا ما قاله الرئيس الفنزويلي هيغو شافيز في معرض تأكيده على عدم اعتماد هذا الخيار بهدف وحيد هو تشجيع إسبانيا على أن تقول "لا" لواشنطن! هكذا، وبكل صراحة ووضوح يوسع الرئيس الفنزويلي دائرة المواجهة بينه وبين الإدارة الأميركية جاعلاً من صفقة الأعتدة العسكرية الموقعة بين فنزويلا وإسبانيا سبباً لأزمة حادة ومفتوحة بين هذه الأخيرة وبين واشنطن، استكمالاً للأزمة التي اندلعت بينهما مع وصول الاشتراكيين إلى الحكم بزعامة خوسيه لويس ثاباتيرو، وسحبهم الفوري للقوات الإسبانية من العراق.‏

وتشتمل صفقة الأعتدة المذكورة على عدد من الطائرات والقطع البحرية بقيمة 1،7 مليار يورو تم التوقيع عليها في 28 تشرين الثاني/ نوفبر الماضي بعد مفاوضات أطلقها شافيز مع الحكم الجديد في إسبانيا على سبيل النكاية، ايضاً، بنظام اليميني ماريا خوسيه أزنار الذي كان، بوحي أميركي، قد دفع العلاقات بين إسبانيا وفنزويلا إلى حالة من التدهور الشامل. وعلى سبيل النكاية أيضاً، وبهدف تأزيم العلاقة بين مدريد وواشنطن، كان شافيز قد أصر على توقيع الصفقة في كاراكاس، ومن قبل وزير الدفاع الإسباني بالذات، خوسيه بونو. وهذا ما حصل بالفعل وترافق مع تصريحات لخوسيه بونو شدد فيها على سيادة واستقلال إسبانيا وحريتها في التعامل مع من تشاء، وذلك رداً على تصريح لوزير الحرب الأميركي، دونالد رامسفيلد، كان قد وصف فيه المسلك الإسباني بالـ"خطأ"، قبل أن تعلن الولايات المتحدة معارضتها للصفقة المذكورة. وعلل الأميركيون معارضتهم للصفقة بالأعمال والتصريحات المتكررة التي تصدر عن فنزويلا وتسهم، من وجهة نظرهم، في زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما استندوا في عدم الترخيص لإسبانيا بإبرام الصفقة إلى كون جزء من مكوناتها هو من صنع أميركي، الأمر الذي يطرح مشكلة حقيقية، لأن استبدال هذه المكوّنات بمكوّنات من صنع أوروبي يتطلب أشهراً من العمل، ويؤدي إلى مضاعفة تكلفة الصفقة على الخزانة الفنزويلية. وإزاء الإصرار على الموقف الأميركي، شدد المسؤولون الإسبان وفي مقدمتهم الرئيس ثاباتيرو على أن "إسبانيا تأخذ قراراتها وفقاً لما تريده إسبانيا ... سواء تعلق الأمر بالدخول في حرب أو بإقامة علاقات مع دول أخرى"، في وقت حيا فيه هيغو شافيز الموقف الإسباني "الشريف والجدير بأوروبا على مستوى كبح شهية السيطرة والأمبريالية للطغمة الحاكمة في الولايات المتحدة".‏

ولم تنفع في تليين الموقف الأميركي تأكيدات الإسبان على الطبيعة الدفاعية للأعتدة المذكورة، ما يعني أن الصفقة قد أصبحت مهددة بخطر أكيد، وأن عرقلتها ستلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد الاسباني لأنها على صلة مباشرة بتأمين العمل لسنوات عديدة لآلاف العمال والمهندسين الإسبان، ولأنها أكبر صفقة من هذا النوع على مستوى الصادرات الإسبانية. كما أن الضرر سينعكس سلباً على الاقتصاد الأوروبي لأن الشركة الإسبانية التي وقّعت العقد مع فنزويلا هي فرع لشركة "الصناعات الجوية والدفاعية الأوروبية"، ما يعني أن المشكلة ستضيف توتراً جديداً إلى التوترات التجارية بين ضفتي الأطلسي، كما أنها لن تمر دون رفع مستوى الاستياء الشعبي الإسباني والأوروبي إزاء السياسات الأميركية. والسؤال المطروح، فيما لو واصل الأميركيون إصرارهم على منع الصفقة هو حول الموقف الذي سيتخذه شافيز من الموضوع. هل سيتوجه إلى روسيا أو الصين أو كوبا لشراء احتياجات بلاده الدفاعية، أم أنه سيدق مسماراً إضافياً بين العلاقات الإسبانية الأميركية حتى ولو تطلب الأمر تضحيته بمبلغ مالي إضافي.‏

أغلب الظن أنه، تماشياً منه مع نهجه في مساعدة العديد من بلدان أميركا الجنوبية على التحرر من ربقة الضغوطات الأميركية، سيعتمد الخيار الأخير، وسيكون من الممكن له أن يوظفه بنجاح كبير على مستوى تعزيز التقارب، ليس فقط مع الحكومة الإسبانية، بل أيضاً مع الشعب الإسباني تدعيماً للتعاطف اللاتيني التاريخي بين أميركا الجنوبية والأم الإسبانية، وهو التعاطف الذي تصل امتداداته المؤثرة حتى إلى داخل الولايات المتحدة في ظل الحاجة المتزايدة لأصوات الأميركيين من ذوي الأصول الإسبانية واللاتينية.‏

عقيل الشيخ حسين‏

مقالات/ العدد 1145 ـ 20 كانون الثاني/ يناير 2006‏

2006-10-28