ارشيف من : 2005-2008

الصومال: في دوامة التدويل مجدداً؟

الصومال: في دوامة التدويل مجدداً؟

بعد أربعة أشهر من المعارك العنيفة بين قوات "المحاكم الإسلامية" والجبهة المسلحة الجديدة المتشكلة من أمراء الحرب، التي أطلقت على نفسها اسم "التحالف لمكافحة الإرهاب واستعادة السلام"، والتي خلفت ما يقارب 400 قتيل و2000 جريح، ها هي ميليشيات المحاكم الإسلامية تعلن سيطرتها على العاصمة مقديشو مع بداية هذا الشهر.‏

وتفيد الوقائع المؤكدة الوافدة من الصومال أن الاسلاميين بزعامة الشيخ شريف شيخ أحمد يسيطرون على جنوب البلاد بعد سقوط مدينة جوهر الأسبوع الماضي، ويتقدمون نحو بالدوين على الحدود مع إثيوبيا، وقد سيطروا على الطريق الاستراتيجي الذي يربط الشمال بالجنوب ما يسمح لهم بتحصين كل المناطق الجنوبية التي سقطت في قبضتهم من جهة، ويتيح من جهة أخرى افتتاح مطار العاصمة للمرة الأولى منذ العام 1995.‏

"التحالف لمكافحة الإرهاب واستعادة السلام" المدعوم من واشنطن، خسر معركة مقديشو، على الرغم من ملايين الدولارات التي دفعتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية لأمراء الحرب. بيد أن حسابات الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم على "تنظيف مقديشو من الإسلاميين ببضعة ملايين من الدولارات" حسب شهادة خبير من المنطقة، مُنيت بإخفاق حقيقي. ويعتبر انتصار الإسلاميين في الصومال إخفاقا جديدا للسياسة الأميركية في المنطقة، يضاف إلى إخفاقها في فلسطين حين أعربت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني عن رغبتهما في فوز خصوم "حماس"، فكان أن حققت الحركة الإسلامية فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفي مصر كانت واشنطن تظن أن العلمانيين سيخترقون لوائح الحزب الوطني فإذا بهم يتراجعون لمصلحة "الإخوان المسلمين".‏

وكانت ميليشيات المحاكم الإسلامية تلقت دعما ماليا مهما من رجال الأعمال الصوماليين ومن منظمات أخرى من البلدان العربية، وكذلك الأسلحة. وقد استفادت أيضا من التجربة العسكرية للجهاديين الأجانب والضباط الكبار القدامى الذين كانوا يعملون في جيش سياد بري، الرئيس الذي تمت إزاحته من السلطة في عام 1991. ومن المعلوم تاريخياً أن ميليشيات المحاكم الإسلامية لم تظهر سابقا في أي من محاولات المصالحة الوطنية الـ14 والتي نجح آخرها في تعيين برلمان وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، لكن أياً من هذه المؤسسات لم تجرؤ على دخول العاصمة مقديشو بسبب سيطرة أمراء الحرب، كل على حي من أحيائها. وظلت الحكومة على مسافة 230 كيلومترا من جنوب العاصمة، في مدينة بيداوة، حيث مقرها الموقّت.‏

سقوط مقديشو في أيدي المحاكم الإسلامية يمثل صفعة لإدارة الرئيس بوش، التي تعتقد أن الجماعات المرتبطة بالقاعدة قد كسبت موطئ قدم في موقع استراتيجي بالقرن الافريقي، عندما كسبت هذه الميليشيا مقديشو عاصمة الصومال.‏

ويتخوف المجتمع الدولي من إمكان وصول مصير جماعة المحاكم الاسلامية الى ما صارت إليه طالبان: "إيواء الإرهابيين الدوليين في موقع حساس وعلى مقربة من بلدان اسلامية ضعيفة قد يعرضها هؤلاء للاضطراب باسم الهياج ضد الولايات المتحدة، سواء بالجزيرة العربية، أو بشرق إفريقيا". وكانت واشنطن، أقامت رأس جسر في جيبوتي لخوض الحرب على الإرهاب، بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001.‏

ويعتبر القرن الإفريقي أحد الميادين الرئيسة لمسرح العمليات بالنسبة للقيادة المركزية، التي تدير من ولاية فلوريدا عملياتها العسكرية في البحر الأحمر، وتدرب حرس الحدود المحليين مع ائتلاف متكون من ستين بلدا. وواشنطن المحتاجة لتطوير استراتيجيات تسمح بحركة أكبر، ومرونة أكبر، باتت تواجه الآن خطرا كبيرا متمثلا بالدخول من جديد في جبهة زئبقية، ترغمها على القتال في الزمان والمكان اللذين يختارهما من تسميهم بالإرهابيين والمتطرفين.‏

والصومال كانت دائماً محط المطامع الأميركية، ولولا التورط الأميركي الحالي في المستنقع العراقي، الذي يمنعها من التفكير في احتمالات الذهاب الى حروب أخرى، لكانت الصومال الهدف التالي بعد أفغانستان والعراق. وما يجري الآن في الصومال هو مقدمة للتدخل وتدويل الوضع، وأن الفكرة التي طرحت قبل أيام لاستقدام قوات أجنبية للعمل على استعادة الأمن، برغم الجهود اليمنية المبذولة لتحقيق المصالحة الصومالية، لاقت موافقة مع الحكومة الصومالية الحالية برئاسة عبدالله يوسف أحمد، وهي تعلم تماماً أن خيار التدويل له محاذير كثيرة ونتائج قد تزيد في الأزمة بدل حلها.‏

الصومال الآن بحاجة إلى تحرك عربي وإسلامي فاعل، خاصة من قبل الجامعة العربية، لأن التخلي عنه قد يدفعه الى البحث عن التدويل طلباً لمساعدة الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، وهنا يكمن الخطر.. وحتى الاتحاد الإفريقي بات دوره باهتاً تجاه القضية الصومالية قياساً بتحركاته في السودان وتشاد والكونجو وغيرها من دول القارة السمراء، وكأن الصومال دولة غير إفريقية.‏

الاتجاه نحو تدويل الأزمة في الصومال لن يزيدها إلا تأزُّماً وتوتراً، فقد دخلتها في السابق قوات أممية وغادرتها بعدما عجزت عن إدارة الملف الأمني والإنساني، وان الإصرار على المطالبة بالقوات الأجنبية هو تأسيس لإدامة الفوضى، وما يحدث الآن في العراق هو دليل كافٍ، فالصومال لا يحتاج الى وقود يشعل المزيد من النيران، بل الى مبادرة تعيد إليه الأمن والاستقرار.‏

توفيق المديني‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-28