ارشيف من : 2005-2008
زيارة الحكيم لطهران: تعزيز الدور الإقليمي في العراق

بغداد ـ عادل الجبوري
تتعزز في المرحلة الراهنة مسيرة العلاقات العراقية ـ الإيرانية باطراد أكثر من علاقات أي طرف إقليمي أو دولي آخر مع العراق. فبعد أقل من شهر واحد على زيارة مثمرة قام بها وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متقي الى بغداد، توجه زعيم كتلة الأغلبية في مجلس النواب العراقي ورئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم الى طهران في زيارة استغرقت اسبوعا كاملا حفلت بلقاء كبار الشخصيات السياسية في ايران، بدءا بقائد الثورة الاسلامية الإمام السيد علي الخامنئي مرورا برئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني ورئيس مجلس الشورى الدكتور غلام حداد عادل والأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الدكتور علي لاريجاني، الى جانب لقاءاته بكبار مراجع الدين في مدينة قم المقدسة.
ومن الواضح ان الموضوعات التي طُرحت على طاولة البحث والنقاش في طهران هي تقريبا الموضوعات ذاتها التي شكلت المحاور الرئيسية في زيارة الوزير متقي الى بغداد، وهي تتمحور بالأساس على تعزيز العلاقات بين البلدين على كل الصعد والمستويات، بما يخدم المصالح المشتركة لهما.
ومن خلال ما ظهر في وسائل الاعلام وما تسرب عبر مصادر مطلعة كانت قريبة من أجواء اللقاءات، فإن موضوعة الإرهاب طغت على ما سواها من الموضوعات لأكثر من سبب، منها ان الإرهاب بأشكاله وصوره المتعددة أخذ في الاتساع في مختلف مناطق العراق، وأن الطرف الأكثر تضررا وتأثرا هم أتباع أهل البيت عليهم السلام الذين يشكلون الغالبية في تركيبة المجتمع العراقي.. وكذلك فإنه من دون إيجاد معالجات وحلول حقيقية من شأنها وضع حد للعمليات الإرهابية من الصعب بمكان إحداث نقلات يعتد بها على صعيد ملف الخدمات وإصلاح البنى التحتية وامتصاص زخم البطالة وتفعيل العملية السياسية في البلاد.. اضافة الى ذلك لدى طهران رؤى وتصورات قريبة ان لم تكن متطابقة بشأن سبل احتواء الإرهاب مع رؤى وتصورات كتلة الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، وإن اختلفت وجهات النظر الى حد ما في آليات المعالجة والحل.
وطهران التي تنظر الى ان جزءا كبيرا مما يجري في العراق تقع مسؤوليته على قوات الاحتلال الاميركي، ترى ان الدول العربية والاسلامية وخصوصا الكبرى منها، يمكن ان تلعب دورا فاعلا في احتواء الفتنة الطائفية في العراق والحؤول دون اتساع مدياتها.
وكان قائد الثورة الإسلامية الإمام علي الخامنئي قد أشار إلى هذه القضية خلال لقائه في الثاني عشر من الشهر الجاري في طهران وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، حيث دعا بوضوح الى التعاون لمنع حدوث حرب طائفية في العراق ودرء الفتنة هناك، مشيرا إلى انه بالإمكان إقامة تعاون استراتيجي مع المملكة العربية السعودية للمساعدة على وضع حد لأعمال العنف الطائفية، ومنع الأعداء من إثارة الشقاق بين الشيعة والسنة في هذا البلد.
ومن المرجح أن يتركز البحث في اجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي المزمع عقده في العاصمة الإيرانية طهران يومي التاسع والعاشر من شهر تموز/ يوليو المقبل على موضوعة الإرهاب في العراق، وأفضل السبل والوسائل لرفع مستوى التعاون والتنسيق بين دول الجوار العراقي والأطراف الإقليمية الفاعلة.
ويبدو ان طهران التي رحبت بمقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الأردني أبو مصعب الزرقاوي، تعتقد ان ما تشهده الساحة العراقية من أحداث دامية لا يخدم اي طرف من الاطراف العراقية. وقد أشار الوزير الايراني الى هذه النقطة في أكثر من تصريح له عند زيارته الاخيرة للعراق.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن إيران تحرص كل الحرص على انجاح العملية السياسية في العراق ودفع الامور الى الأمام، لأن الائتلاف العراقي الموحد الذي ترتبط معظم مكوناته، ان لم يكن جميعها، بعلاقات طيبة مع طهران، يعد المفصل الاساس في الحكومة ومجمل العملية السياسية في العراق، ومن الطبيعي ان قوة إقليمية لها ثقلها في المنطقة مثل ايران تبحث عن أصدقاء وحلفاء لها وخصوصا في بلد مثل العراق، ترتبط معه بمصالح وقواسم مشتركة عديدة.
كذلك فإن الايرانيين يرون ان التقدم في العملية السياسية الذي يقترن تلقائيا باستتباب الأوضاع الأمنية بالدرجة الاساس، لا بد من ان يساهم بتقليص بقاء القوات الاجنبية ـ لا سيما الاميركية ـ وبالتالي يفضي الى التخفيف من حدة الاحتقانات والتوترات التي يسببها وجود مثل تلك القوات، خصوصا ان واشنطن حينما تتعامل مع طهران تلجأ الى اللعب بأكثر من ورقة في الوقت نفسه، وهذا ما هو حاصل بالضبط في سياق عملية الشد والجذب بين الولايات المتحدة وبعض من دول الاتحاد الأوروبي من جهة، وإيران من جهة اخرى حول البرنامج النووي الايراني.
بعض المراقبين السياسيين في بغداد رجحوا ان يكون الملف النووي الايراني قد طُرح على طاولة البحث بين السيد الحكيم وكبار صناع القرار السياسي الايراني، وبمشاركة نائب رئيس الجمهورية والقيادي البارز في المجلس الاعلى الدكتور عادل عبد المهدي الذي كان قد سبق الحكيم الى طهران، وقيل انه حمل أفكارا الى القادة الايرانيين بشأن ازمة البرنامج النووي وطريقة معالجتها.
ولكن حتى لو طُرح الملف النووي، فأغلب الظن انه لم يشغل سوى حيز قليل من المباحثات والنقاشات، لأن مفردات الملف العراقي الساخن كثيرة، والبحث فيها مع الجارة الشرقية الكبيرة من الطبيعي ان يكون معمقا ومتشعبا وحافلا بكل التفاصيل والجزئيات. وإذا كان طرف الحوار العراقي شخصية سياسية لها ثقلها وتأثيرها في المشهد السياسي العراقي، وترتبط بعلاقات تاريخية مع طهران تمتد الى عقدين ونصف العقد من الزمن، فذلك يضفي أهمية أكبر، ويفتح آفاقا جديدة أمام طهران التي من المرتقب ان يكون ضيفها العراقي القادم هو رئيس الوزراء نوري المالكي.. وبغداد ربما تحتفي قريبا بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006