ارشيف من : 2005-2008

قمة شنغهاي: كتلة أوراسية في مقابل الغرب

قمة شنغهاي: كتلة أوراسية في مقابل الغرب

في قمتها السادسة التي انعقدت يوم الخميس الماضي، وقعت بلدان منظمة شنغهاي للتعاون التي تشارك فيها الصين وروسيا وأربعة بلدان في آسيا الوسطى، هي طاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزيا وكازخستان، وقعت عشرات الاتفاقيات في مجالات التعليم والطاقة والتبادل التجاري والمالي والعسكري. خطوة افتتحت "مرحلة جديدة في مجال تنمية المنظمة" على حد تعبير الرئيس الصيني هو جينتاو. وكذلك لتعزيز العلاقات مع منظمات دولية مماثلة وخصوصاً مع دول تمثلت في القمة بصفة مراقب كإيران وباكستان والهند ومنغوليا.‏

رقعة جغرافية تغطي القسم الأكبر من الكرة الأرضية، مع قدرات بشرية واقتصادية وعسكرية هائلة، وخصوصاً مع قدرات مماثلة في مجال الطاقة. مصادر غربية تخوفت، بخصوص المجال الأخير، من ولادة نوع من أوبيك جديدة مسلحة نوويا، حيث إن ثلاثة على الأقل من بلدان المنظمة تمتلك السلاح النووي. والتخوف يظل في محله حتى في غياب النووي، حيث جاء أول الإرهاصات على شكل مشروع لإنشاء خط لأنابيب الغاز من إيران إلى الهند عبر باكستان بمشاركة تقنية من قبل العملاق الروسي غازبروم. مشروع قد يعني الكثير لجهة خلق مصالح مشتركة بين بلدين متحاربين كالهند وباكستان، بدلاً من المصالح المتضاربة التي تخلقها بينهما واشنطن، كما في تحيزها النووي للهند على حساب الحليف الباكستاني. ومصالح مشتركة بين بلدان نفط قزوين وما ينطوي عليه ذلك من تهديد لاحتياجات الغرب الاستراتيجية في هذا المجال الأساسي من مجالات الطاقة.‏

وفي المجال السياسي أيضاً. فقبل القمة وبعدها وعلى هامشها، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة سحب القواعد العسكرية الأميركية من آسيا الوسطى، وعن الولايات المتحدة التي تتصرف في المنطقة وكأنها فيل داخل متجر للبورسلين، وعن الحاجة إلى إنشاء قوة توازن مقابل القوة الأميركية في آسيا الوسطى، وعن أهمية تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية لبلدان آسيا الوسطى لمنع القوى المسيطرة من استخدام قوتها للتدخل في شؤون البلدان الأخرى. وحدد بوتين شكلاً معقولاً لنوع التدخلات المطلوبة عندما قدم مساعدة بقيمة 500 مليون دولار لبلدان آسيا الوسطى.‏

أما الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف ورؤساء آخرون فقد ادانوا التدخلات الأجنبية واستنكروا الانتقادات الأميركية والغربية حول نقص الديموقراطية في آسيا الوسطى. لكن الصوت الذي قوبل بالمرارة الشديدة في الغرب، حيث أنحت بعض الصحف الغربية باللوم على الصين لأنها منحت منبراً للرئيس نجاد، أي لرئيس الدولة الإيرانية الداعمة، بزعمهم للإرهاب، في حين توقع بلدان منظمة شنغهاي اتفاقية بين أعضائها لمكافحة الإرهاب. فقد قال نجاد، من موقع العضو المراقب: "نريد لهذه المنظمة أن تصبح كياناً قوياً ومؤثراً في السياسات الإقليمية والدولية وفي الاقتصاد والتجارة، وأن تقوم بتعطيل التهديدات والتدخلات غير الشرعية والفجة من قبل مختلف البلدان". وقد تم بث تصريحات نجاد بالكامل على قنوات التلفزة الصينية. شيء مثير حقاً للقلق، وخصوصاً أن نجاد عاد مرة أخرى إلى الحديث عن المحرقة اليهودية، ودعا إلى تحقيق دولي محايد بشأنها. كما أعرب أيضاً عن نيته جمع وزراء الطاقة في المنظمة للتداول في مسائل التنقيب عن النفط واستثماره وسبل نقله.‏

وقد ظهرت في الصحافة الغربية وامتداداتها هنا وهناك عشرات الانتقادات والتحليلات الحانقة والمستوحاة من الخوف من ولادة كتلة سياسية واقتصادية وعسكرية مضادة للأطلسي الذي انفرد بالعالم منذ انهيار حلف وارصو. أبرز الانتقادات طالت التناقض الآنف الذكر حول إيران والإرهاب. والتناقض بين الحياد المعلن والكلام "السلبي جداً" عن السياسات الأميركية في المنطقة. والمطالبة الروسية ـ الصينية، من خلال منظمة شنغهاي، في وثيقة آستانة التي وقعت العام الماضي، بانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان. أما التحليلات، فقد راهنت، على طريقة من يسلي نفسه، على تصدع روسي ـ صيني بسبب الدور الريادي للصين في المنظمة، والطموح الروسي إلى لعب دور أكثر بروزاً. وعلى النقص في الناجعية لأن أكثر العلاقات داخل المنظمة هي علاقات ثنائية. وعلى غياب التنسيق الاستخباراتي بين بلدان المنظمة بدليل أن المنظمة لم تتمكن من حماية حدود قرغيزيا عندما تسلل إليها أشخاص من طاجيكستان وقتلوا أربعة أشخاص... وصولاً إلى استنتاج مفاده أن منظمة شنغهاي للتعاون هي "في الظاهر، أجمل مما هي في الواقع".‏

لكن الانتقادات والتحليلات لم تغير شيئاً في الواقع المتمثل بالقلق الأميركي من رؤية الصين وروسيا، العضوين الدائمين في مجلس الأمن، تقفان معاً في مواجهة هذه أو تلك من القضايا الدولية كالملف النووي الإيراني، وشرعية حماس، ولا شرعية الوجود الأميركي في آسيا الوسطى وأفغانستان، إضافة إلى الترشيح المحتمل لقوى إقليمية كبرى كالهند وباكستان وإيران لدخول المنظمة. وما هو أشد إثارة للقلق الأميركي هو أن واشنطن لا تستطيع التأثير على قرارات منظمة شنغهاي أسوة بما تفعله بمنظمات دولية أخرى، في مقدمتها المنظمة الدولية بامتياز، الأمم المتحدة، ومؤسساتها السياسية والمالية والثقافية والعسكرية والصحية ذات المواقف المملاة أميركياً، بكل ما تنطوي عليه من ظلم وازدواجية في المعايير. وأخيراً يبقى أن التقدم الذي أحرزته منظمة شنغهاي خلال ست سنوات يبدو مؤهلاً لأن يحقق، في غضون سنوات قليلة، ما لم يحققه الاتحاد الأوروبي خلال ستين سنة، وما لم يحققه اتحاد الولايات الأميركية خلال مئة وخمسين سنة.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1167 ـ 23/6/2006‏

2006-10-28