ارشيف من : 2005-2008
العراقيون ينتفضون احتجاجاً على انتهاك حرمة المقدسات الإسلامية

بغداد ـ عادل الجبوري
لم تكن قد مرت سوى أيام قلائل على اندلاع الضجة العالمية بشأن قيام صحيفة بولاندز بوسطن الدانمركية بنشر صور كاريكاتورية تسيء لرسول الإسلام النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما تعرضت مجموعة من الكنائس في العاصمة العراقية بغداد ومحافظة كركوك لاعتداءات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة راح ضحيتها مواطنون أبرياء بعضهم مسيحيون وبعضهم الآخر مسلمون.
واللافت أن الاعتداءات حصلت في يوم الأحد، التاسع والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، وتحديدا وقت العصر حيث كانت الكنائس تشهد مراسيم العبادة التقليدية، ويقال ان بعض رجال الدين في تلك الكنائس كانوا يلقون خطبا ينتقدون فيها ما أقدمت عليه الصحيفة الدانمركية وزميلتها النرويجية.
مواقف موحدة
هذه الاعتداءات ـ التي نفذت من قبل جهات غير معلومة وجاءت وكأنها رد على إساءة جديدة أخرى من إساءات العالم المسيحي للمقدسات الدينية الإسلامية ـ قوبلت بردود فعل سياسية ودينية وشعبية غاضبة تزامنت مع ردود الفعل الغاضبة في مختلف الأوساط والمحافل العراقية على ما نشر في الدانمرك ومن بعدها النرويج وفرنسا واسبانيا وألمانيا والمجر وحتى الأردن عندما قامت أسبوعية "شيحان" الأردنية بإعادة نشر بعض من الصور التي فجرت الأزمة.
وقبل أيام قلائل رعى مكتب الشهيد محمد صادق الصدر في بغداد لقاءً لممثلي الطوائف الدينية في العراقية ـ الشيعة والسنة والمسيحيين والصابئة المندائيين ـ عبروا فيه عن تضامن وتعايش كل المكونات الدينية للمجتمع العراقي، ونبذ الإرهاب ورفض الاعتداء أو التجاوز على القيم والمقدسات الدينية من أي طرف كان.
ومثلت تلك الخطوة في واقع الأمر إشارة مهمة على أن الفوارق والاختلافات الدينية والمذهبية في المجتمع العراقي لا يمكن أن تقف حائلا أمام تبني رؤى ومواقف موحدة حيال القضايا الحساسة والخطيرة من قبيل انتهاك حرمة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو الاعتداء على الكنائس والحسينيات والمساجد، أو غير ذلك.
ولم تكن الطوائف المسيحية غائبة عن أجواء ومناخات الغضب التي سادت الشارع العراقي اثر ما نشرته جملة من الصحف الأوروبية من رسومات مشينة، فقد عبرت عن موقفها بهذا الخصوص بشكل واضح وصريح.
وما بعث على الارتياح بدرجة اكبر أن الاعتداءات على الكنائس في بغداد وكركوك لم يمر مرورا عابرا، بل قوبل بردود فعل غاضبة من أعلى المرجعيات الدينية والسياسية في العراق، فهذا المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني اصدر في وقت متقارب بيانين احدهما يدين فيه ما قامت بنشره صحيفة بولاندز بوسطن الدانمركية والآخر يدين فيه الاعتداءات على أماكن العبادة المسيحية في العراق.
تنديد رسمي
وإذا كانت ردود فعل الشارع العراقي قد تراوحت بين الصعيدين الرسمي والشعبي فإنه يمكن القول ان بيانات الاستنكار والإدانة التي صدرت عن الجهات الحكومية العليا كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، فضلا عن البيانات التي صدرت من جهات وشخصيات سياسية رفيعة المستوى مثلت الموقف الرسمي الذي امتاز بالوضوح والشفافية.
ودبلوماسيا استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الدانمركي في بغداد كريستيان اولدنبرغ وأبلغته استنكار العراق للإساءة التي يشكلها نشر صحف دنمركية صورا كاريكاتيرية لنبي الإسلام محمد بن عبد الله(ص).
وفي بيان لوزارة الخارجية العراقية فإن الوزير زيباري دعا الدانمرك إلى التحرك رسميا وبرلمانيا على الصعيدين العربي والعالمي لاحتواء الأزمة، مشددا خلال لقائه السفير الدانمركي على ضرورة محاسبة المقصرين ومنع تكرار مثل هذه الإساءات للرموز والمقدسات الإسلامية، مشيرا الى ان المسألة خرجت عن إطار حرية الصحافة والتعبير وسببت ضررا متعمدا لمصالح الدانمرك وعلاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي، لان المسألة لم تعالج منذ البداية بشكل جدي يناسب حساسيتها.
… وتنديد شعبي
ولعل ردود الفعل الشعبية كانت أوسع وأشمل وأكثر حدة، إذ ما زالت التظاهرات الجماهيرية الحاشدة متواصلة في مختلف المدن العراقية امتدادا من جنوب البلاد مرورا بالوسط وحتى الشمال.
وقد شهدت تلك التظاهرات دعوات إلى قطع العلاقات مع الدانمرك والدول التي قامت بعض صحفها بنشر الرسوم المسيئة للرسول الأكرم (ص)، والى عقد اتفاقات دولية تمنع التجاوز على الرموز الدينية وفرض عقوبات مالية ضد المتجاوزين، والى مقاطعة السلع والبضائع الواردة من الدانمرك والدول الأخرى المعنية بالأزمة، وكذلك رحيل القوات الدانمركية من العراق.
والشيء المهم والابرز هو ان مراسم صلاة الجمعة في مساجد العاصمة بغداد ومدن اخرى تحولت الى ملتقيات جماهيرية مليونية للتعبير عن استهجان واستنكار الشارع العراقي مما اقدمت عليه الصحيفة الدانماركية.
ففي العاصمة بغداد، وتحديدا في مدينة الصدر والكاظمية ذات الاغلبية الشيعية اكد عدد من خطباء المساجد انه لن يهدأ للمسلمين في العراق بال ولا تقوم قائمة إلا بالثأر لهذه المسألة الخطيرة، واعربوا عن استغرابهم لإعادة نشر الرسوم في دولة تدعي انها إسلامية وعربية في إشارة الى الأردن بعد ان اعادت صحيفة شيحان نشر الرسوم الكاريكاتورية المشينة.
ولم تغب الشعارات المناوئة للكيان الصهيوني والمؤيدة للاسلام ونبيه الكريم عن التظاهرات، فشعارات مثل "كلا كلا إسرائيل" و"لبيك لبيك يا محمد" و"نعم نعم للإسلام" كانت حاضرة بقوة، الى جانب احراق الاعلام الدانماركية وكذلك احراق بضائع وسلع مصنعة في الدانمارك، فضلا عن دمى تمثل رسام الكاريكاتور الذي قام بالإساءة لمقام الرسول محمد(ص).
ووجه عدد من رجال الدين والخطباء وناشطين سياسيين عراقيين انتقادات لاذعة للحكومات والانظمة العربية معتبرين انها لم تحرك ساكنا حيال ما يجري من انتهاكات لمقدسات المسلمين قائلين "ربما تهدم الكعبة ويذبح رجال الاسلام وهم ـ أي الحكام العرب ـ لا يحركون ساكنا، وذلك بفعل الوضع السياسي المحكومين فيه، ولدخولهم في هذه المداهنات السياسية وتسليم لحاهم بيد هؤلاء".
وشكل احياء مراسم عاشوراء الامام الحسين عليه السلام عبر مجالس العزاء الحسينية فرصة مناسبة بالنسبة لعدد من خطباء المنابر لتناول هذه القضية الحساسة والخطيرة ولفت الانتباه اليها، والحث على مواصلة كل مظاهر التنديد والاستنكار وعلى كل الاصعدة حتى لا يتجرأ اخرون في المستقبل بالتجاوز على حرمة المقدسات الدينية للمسلمين.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1148 ـ 10 شباط/ فبراير 2006