ارشيف من : 2005-2008

نتائج الانتخابات العراقية وخارطة البرلمان القادم

نتائج الانتخابات العراقية وخارطة البرلمان القادم

بغداد ـ عادل الجبوري‏

لم تأتِ النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية التي أعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يوم الجمعة الماضي (20/01/2006) بما هو خارج نطاق التوقعات أو بعيدا عن أرقام النتائج الأولية التي صُرّح عنها بعد أيام قلائل من إجراء الانتخابات.‏

وهذه النتائج التي من المستبعد جدا ان تطرأ عليها تغييرات او تعديلات ذات أهمية قبل المصادقة عليها، برغم الشكاوى والطعون التي تقدمت بها كيانات سياسية مختلفة، هذه النتائج صاغت في واقع الحال المعالم والملامح العامة لصورة المشهد السياسي العراقي للأعوام الأربعة المقبلة، وربما الى ما بعدها.‏

ولا شك في ان دخول عناصر ومكونات مهمة بفاعلية في العملية السياسية سيجعل المشهد السياسي الجديد مختلفا نوعا ما عن المشهد السياسي السابق. وهذا الاختلاف يعني ـ في ما يعنيه ـ بروز معطيات وحقائق جديدة من الطبيعي ان تنعكس إيجابيا على مجمل مسارات العملية السياسية في المراحل القادمة.‏

وفي قراءة للنتائج، حصل الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم على (128) مقعدا، وحصل التحالف الوطني الكردستاني على (53) مقعدا، بينما حصلت جبهة التوافق العراقية التي تمثل الجزء الأكبر من الطيف السياسي السني على (44) مقعدا، والقائمة الوطنية العراقية بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي حصلت على (25) مقعدا، في حين توزعت المقاعد الـ(25) المتبقية على عدة كيانات سياسية هي: جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك، التي حصلت على (11) مقعدا، قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني (5) مقاعد، كتلة المصالحة والتحرير بزعامة مشعان الجبوري (3) مقاعد، قائمة "رساليون" (2)، بينما حصلت كل من قائمة مثال الألوسي وقائمة الرافدين الوطنية وقائمة الحركة الايزيدية للإصلاح وقائمة الجبهة الوطنية التركمانية على مقعد واحد.‏

ومن خلال نظرة سريعة على الأرقام المشار اليها آنفا، يمكن التوقف قليلا عند الحقائق التالية:‏

أولا: ان الكتل التي حازت في الانتخابات البرلمانية السابقة (انتخابات 30 ـ يناير ـ 2005) المراتب الاولى احتفظت بمواقعها ذاتها، مثل الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الوطني الكردستاني.‏

ثانيا: ان الائتلاف والتحالف وإن احتفظا بالمرتبتين الأولى والثانية، لكنهما فقدا عدداً من مقاعدهما، إذ ان الائتلاف العراقي الموحد فقد عشرة مقاعد، أما التحالف الوطني الكردستاني ففقد اثنين وعشرين مقعدا، والشيء نفسه يصدق على القائمة الوطنية العراقية التي كانت قد احتلت المرتبة الثالثة في الانتخابات الأولى، بينما تراجعت الى المرتبة الرابعة في الانتخابات الأخيرة مع فقدانها خمسة عشر مقعدا.‏

ثالثا: هذه التغييرات في الأرقام والمراتب ـ التي تمثل جزءا من متغيرات المشهد السياسي وليس جميعها ـ جاءت بفعل عوامل متعددة، منها الطريقة التي استخدمتها المفوضية العليا للانتخابات في حساب باقي الأصوات وتوزيع المقاعد الوطنية والتعويضية الـ(45)، والتي قوبلت باعتراضات شديدة من قبل الكيانات الكبيرة كالائتلاف العراقي الموحد الذي اعتبر ان تلك الطريقة تسببت في فقدانه عددا لا يستهان به من المقاعد، وكذا الحال مع التحالف الوطني الكردستاني.‏

ومن تلك العوامل أيضا مشاركة الأطراف السياسية السنية التي كانت قد قاطعت الانتخابات السابقة، وحصلت في الانتخابات الأخيرة على عدد لا بأس به من المقاعد تبلغ بمجملها (58) مقعدا، وكذلك خروج كيانات معينة من القوائم التي كانت قد ساهمت في تشكيلها، مثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني الذي خرج من قائمة التحالف الكردستاني وخاض الانتخابات الأخيرة بقائمة منفردة.‏

رابعا: ان القوائم التي تمثل الأقليات الدينية والقومية حصل كل منها على مقعد واحد، وهذا يعكس حجمها وتمثيلها الحقيقي على الأرض، وإن اعترض البعض منها على النتائج.‏

خامسا: ان اثنتي عشرة قائمة فقط من بين اكثر من مئتي قائمة نجحت في احتلال موطئ قدم لها في مجلس النواب العراقي المقبل، وهذه القوائم الاثنتا عشرة تمثل وفق ما حصلت عليه من مقاعد مكونات المجتمع العراقي، طائفيا وقوميا ودينيا وعرقيا، مع هامش صغير جدا للاتجاهات الليبرالية واليسارية والعشائرية. فالائتلاف العراقي الموحد يمثل بشكل او بآخر الكيان الشيعي الذي يشكل غالبية المجتمع العراقي، والتحالف الوطني الكردستاني يمثل الاتجاه القومي الكردي، وجبهة التوافق العراقية تمثل الكيان العربي السني، ويمكن القول ان القائمة الوطنية العراقية تمثل الهامش الصغير للاتجاهات الليبرالية واليسارية والعشائرية.‏

اما باقي القوائم الأخرى التي حصلت على أعداد قليلة من المقاعد، فإنها وإن كان البعض منها يمثل مكونا اجتماعيا له خصوصياته، فإنها قد تتجه الى التكتل تحت قبة البرلمان الجديد مع القوائم الكبيرة حتى لا تجد نفسها لاحقا مهمشة ومغيبة وعديمة التأثير.‏

وعلى ضوء ذلك فإن قائمة "رساليون" ـ التي هي في الواقع احد مكونات التيار الصدري الذي دخل في الائتلاف العراقي الموحد بكل ثقله وحصلت على مقعدين ـ ستنضم على الأرجح للأخير، سيما انها من الناحية الأيديولوجية والسياسية تسير معه بالاتجاه نفسه. اما قائمة الاتحاد الإسلامي الكردستاني التي كسبت خمسة مقاعد، فإنها على ما يبدو أمام خيارين: إما ان تضع الأولوية لانتمائها القومي على حساب نهجها الفكري ـ الأيديولوجي وتنضوي تحت مظلة التحالف الوطني الكردستاني لتصبح مقاعد الكتلة الكردية في البرلمان (58) مقعدا، وإما تقرر العكس، وعندها ستنضم الى جبهة التوافق العراقية.. لكن بما ان الأخيرة لا تمثل كيانا إسلاميا سنيا صرفا، بل تضم الى جانب الشخصيات والكيانات الإسلامية شخصيات وكيانات سنية ذات اتجاه علماني، فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني قد يجد نفسه أقرب الى التحالف الكردستاني منه الى جبهة التوافق. في الوقت ذاته فإن قائمة جبهة الحوار الوطني بزعامة المطلك الذي اختلف قبيل الانتخابات بوقت قصير مع قيادات جبهة التوافق، سيجد ان خياره الأفضل ـ ومعه مشعان الجبوري الذي حصدت قائمته (3) مقاعد ـ هو تشكيل كتلة برلمانية واحدة مع التوافق تحتل (58) مقعدا من مقاعد البرلمان، اي ما يساوي عدد مقاعد الكتلة الكردية المفترضة.‏

وتتوقع مصادر مطلعة ان ينضم مثال الألوسي الى كتلة الائتلاف العراقي الموحد، وتنضم كل من قائمة الرافدين الوطنية (اتجاه مسيحي)، وقائمة الحركة الايزيدية للإصلاح الى الكتلة الكردية.‏

وكل ذلك يعني ان البرلمان العراقي الجديد سيضم ثلاث كتل رئيسية، كتلة الائتلاف العراقي الموحد (الكتلة الشيعية)، وتحتل ما يقارب نصف المقاعد، وكتلة التحالف الوطني الكردستاني (الكتلة الكردية) وتحتل 58 مقعدا، ومثلها كتلة جبهة التوافق (الكتلة السنية).‏

وكل واحدة من هذه الكتل الثلاث ستجد نفسها أمام خيار التوافق والتنسيق مع الكتلتين الأُخريين، خصوصا اذا كانت تتجه الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ولا ترغب في مواجهة كتلة معارضة داخل البرلمان تضع العراقيل وتختلق المصاعب والعقبات أمام برامجها ومشاريعها.‏

تبقى الكتلة الرابعة وهي كتلة القائمة الوطنية العراقية التي ستكون أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول على مضض بما يُتوافق عليه بين الكتل الثلاث وتوسيع دائرة التحالفات، وبالتالي المشاركة في الحكومة لكن من دون القدرة على التأثير على سياساتها وبرامجها، وإما اختيار موقع المعارضة من تحت قبة البرلمان، تلك المعارضة التي ستكون فاقدة لإمكانية فعل أي شيء ذي أهمية بسبب حصتها المتواضعة في مقاعد مجلس النواب.‏

2006-10-28