ارشيف من : 2005-2008

أسطورة المحرقة اليهودية: بداية التفكك

أسطورة المحرقة اليهودية: بداية التفكك

حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات أصدرته، الإثنين الماضي (20/02/2006)، محكمة نمساوية بحق المؤرخ البريطاني المعروف دايفد إرفينغ.‏

جريرة ذلك المؤرخ أنه نفى، بالاعتماد على أدلة علمية دامغة، وجود ما يسمى بالمحرقة، وخصوصاً وجود غرف الغاز التي تعرض على السياح في أوشفيتز وغيرها من المعتقلات النازية على أنها تلك التي استخدمها الرايخ الثالث في إزهاق أرواح ستة ملايين يهودي.‏

بهذا الصدد، يقول إرفينغ، الذي سبق له أن تعرض للاعتقال وصدرت بحقه أحكام قضائية في ألمانيا وبريطانيا ومنع من الإقامة في نيوزيلندا، إن الغرف المعروضة ملفقة تماماً، لأن مساحة كل منها لا تزيد عن ثلاثة أمتار مربعة لا تتسع لمئات الضحايا التي كانت تزج فيها دفعة واحدة لخنقها بالغاز على ما تقوله الدعاية اليهودية. كما يقول إن عدد اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد النازي لا يزيدون عن 600 ألف، معتمداً على إحصاءات تبين أن ثلاثة ملايين يهودي لا أكثر كانوا يعيشون في كامل المنطقة التي خضعت للحكم والاحتلال النازيين قبل وإبان الحرب العالمية الثانية.‏

معلومات يؤكدها مؤرخون آخرون يستشهدون بالنصب التذكاري لضحايا المحرقة الذي أقيم في "إسرائيل"، والذي لم يجمع أكثر من مليوني اسم أكثرها ملفق كغرف الغاز. علماء آخرون، بينهم 34 مؤرخاً فرنسياً أثبتوا في بيان نشرته صحيفة لوموند، عام 1997، أن كل ما يقال عن غرف الغاز مستحيل من الناحية التقنية. فالغاز "المتهم" على سبيل المثال والذي يفترض أن تبقى آثاره لقرون، لا وجود مطلقاً لبقاياه في أوشفيتز وغيرها من المعتقلات.‏

والأهم من كل ذلك في جريرة إرفنغ أنه يقول إن قيام دولة "إسرائيل" إنما يعود الفضل الأساسي فيه لـ... أدولف هتلر بالذات، مضيفاً بأن أدولف هتلر ... هو أكبر صديق لليهود.‏

الفكرة ليست جديدة، لأن كلاماً كثيراً قيل عن يهودية هتلر وصعوده السريع من عريف في الجيش الألماني إلى قيادة الحزب النازي، ثم إلى منصب الفوهرر. كما قيل كلام كثير عن مؤامرة حبكت بعناية بين السلطات النازية والحركة الصهيونية من أجل ترحيل يهود أوروبا الشرقية إلى فلسطين.‏

تنفيذ المؤامرة مرّ بقتل أعداد من اليهود المرضى والمتقدمين في السن من قبل النازيين لإرهاب الأصحاء والعناصر الشابة وإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين. كما مر بسياسة هتلر الرافضة لاندماج اليهود في المجتمع الألماني، وهو الأمر الذي حدا ببعض زعماء الحركة الصهيونية إلى القول: "نحن مدينون لهتلر والنازية بخصوص مسألة الاندماج". ومرّ خصوصاً باتفاقية "الهافارا" التي عقدت بين الجانبين الصهيوني والنازي وفتح بموجبها خط مباشر للهجرة بين هامبورغ وحيفا طيلة الفترة الممتدة من عام 1933 إلى العام 1942. وبموجب الاتفاقية ذاتها، سهلت المصارف الألمانية نقل الأعتدة العسكرية والآلات الزراعية وغيرها إلى فلسطين مقابل أموال رصدتها الجمعيات اليهودية في تلك المصارف. وقد اعترف المستشار الألماني برونينغ بأن اليهود موّلوا الحزب النازي منذ تأسيسه. وفي العام 1935 كتبت صحيفة الأجهزة السرية الألمانية بأن الوقت لم يعد بعيداً لتصبح فلسطين قادرة على استقبال "أبنائها الذين فصلوا عنها منذ ألفي عام".‏

عشرات المؤرخين والكتّاب والفلاسفة والعلماء في أوروبا وأميركا يلاحقون ويسجنون ويطردون من وظائفهم بحجة العداء للسامية، لا لشيء إلا لأنهم يتناولون مسألة المحرقة بالموضوعية التي يتطلبها البحث العلمي. وألوف الكتاب والصحافيين والمسؤولين السياسيين في أوروبا والغرب جعلوا من أنفسهم أبواقاً لترداد أكاذيب الدعاية الصهيونية عن المحرقة.‏

أما الفنانون والمغنون والسينمائيون فحدّ ث ولا حرج عن نتاجاتهم المتكاثرة في التأريخ للمحرقة.‏

وحتى في الأعمال الفنية غير ذات الصلة بالموضوع، يجدون، على الدوام فرصة لتمرير إشارة إلى المحرقة تضاف إلى محتوى الوعي الغربي المشوّه حول المشكلة اليهودية وما يرتبط بها من مشكلات، في مقدمتها المشكلة الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي.‏

ماكينة ضخمة لصناعة الكذب ولبناء وعي غربي ومعولم على وقائع مختلقة وموظفة في خدمة المشروع الصهيوني.‏

وكل ذلك، تحت العنوان المقدس لحرية التعبير التي يبدو أن مأزقها الذي تفجر مع تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قد بدأ يتفتح على واحدة من أكبر فضائح التاريخ الغربي: جعل "التعبير الكاذب" المقترن بهمجية البطش، برغم كل الهراء الذي يذر في العيون تحت أسماء الحريات والحقوق والأنوار والديموقراطية، رافعة أساسية من روافع التاريخ.‏

فالحقيقة أن تصريحات نجاد التي أعادت وضع الأمور في نصابها الحقيقي بتحميل الدول التي يصرح الغرب بأنها اضطهدت اليهود كامل المسؤولية عن حل المشكلة اليهودية في الأماكن التي ولدت فيها هذه المشكلة، قد شكلت ـ بالنسبة للوعي الغربي ـ بداية لا يمكن الالتفاف عليها لتقطيع حبل الكذب الصهيوني الملتف منذ ثلاثينيات القرن الماضي على خناق شعوب الغرب.‏

وإذا كانت مؤامرة الرسوم المسيئة للرسول الأعظم (ص) قد ارتدت على صانعيها من خلال إظهار مأزق حرية التعبير في التعامل الغربي مع المشكلة اليهودية، فإن كل مشكلة مستجدة ستثير إجبارياً روائح المؤامرة الصهيونية الغربية، وستسهم في تحرير الغرب نفسه من وعيه المشوه ومن انقياده المغناطيسي للسياسات الصهيونية.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد1150 ـ 24 شباط/فبراير2006‏

2006-10-28