ارشيف من : 2005-2008
نجاد في دمشق:التأسيس لشراكة سورية ـ إيرانية

دمشق ـ خورشيد دلي
شكلت الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى سورية محطة مهمة لتطوير العلاقات الإيرانية ـ السورية التي تتطور يوما بعد آخر منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، حتى بدأ يُطلق على هذه العلاقة صفة الشراكة والتحالف، خاصة في ظل توافق إن لم نقل وحدة مواقف البلدين إزاء مجمل القضايا الإقليمية الساخنة في منطقة الشرق الأوسط.
زيارة الرئيس أحمدي نجاد التي استمرت يومين حفلت بالعديد من اللقاءات المهمة والفعاليات المختلفة أعطت في النهاية جملة من المعطيات التي من شأنها ليس الدفع بالعلاقات السورية ـ الإيرانية إلى الأمام في المرحلة المقبلة فحسب، بل وزيادة تأثير دور هذه العلاقة في الأحداث والتطورات الجارية في المنطقة إلى حد يمكن القول ان هذه العلاقة باتت تشكل ضمانة إقليمية لحفظ الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي يراد ترتيبها من جديد في ضوء المصالح الأميركية والإسرائيلية.
المراقبون الذين كانوا يتابعون زيارة الرئيس نجاد الذي عقد خلال هذه الزيارة ثلاثة لقاءات مع الرئيس السوري بشار الأسد، فضلا عن لقاءاته بكل من قادة الفصائل الفلسطينية والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وفاعليات دينية واقتصادية، يرون ان الرئيس نجاد أراد من هذه الزيارة إرسال مجموعة من الرسائل لعل أهمها:
1 ـ رسالة دعم إيرانية واضحة لسورية في مواجهة الضغوط والتهديدات التي تتعرض لها, تارة باسم التحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وأخرى باسم دعم "المنظمات الإرهابية" وعدم التنفيذ الكامل للقرار 1559، وثالثة بعدم اتخاذ إجراءات كافية لمنع المتسللين من عبور حدودها إلى العراق. ولعل الرسالة التي أرادها الرئيس نجاد هنا، هي ان إيران لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرضت سورية لعدوان بسبب مواقفها السياسية من القضايا المذكورة.
2 ـ ان الزيارة في بعدها السياسي هدفت إلى تثبيت الرؤية السياسية من القضايا السياسية الساخنة في المنطقة: (العراق، فلسطين، لبنان، البرنامج النووي الإيراني، والضغوط على سورية)، وهو ما تجلى في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان نجاد والأسد، وكذلك في البيان الختامي المشترك الذي صدر في ختام الزيارة، إذ أظهرت المحادثات توافقا كاملا بين البلدين حول هذه القضايا، ولا سيما الموقف من البرنامج النووي الإيراني السلمي وضرورة التمييز بينه وبين مسألة نزع أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، والمعني هنا أولا وأخيرا "إسرائيل" التي تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية.
3 ـ إن الزيارة جاءت لتقول ان إيران وسورية لن تقدما تنازلات في ما يتعلق برؤيتهما بخصوص مستقبل المنطقة، وذلك من خلال تأكيد الجانبين ضرورة وضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية من العراق، وحل القضية الفلسطينية في إطار الحقوق الوطنية وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وعدم السماح بالمس بهوية لبنان ودوره في الصراع مع "إسرائيل"، وذلك من خلال الحفاظ على المقاومة كحق وإرادة في مواجهة الاحتلال ومخططاته, فضلا عن رفض البلدين استغلال التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الحريري لأهداف سياسية، مع تأكيد مواصلة التحقيق على أسس مهنية وقانونية وصولا إلى كشف الحقيقة.
4 ـ ان الزيارة ـ وهي الرسمية الأولى للرئيس الإيراني نجاد إلى الخارج منذ تسلمه منصبه ـ جاءت لتؤكد أن العلاقة الإيرانية ـ السورية ماضية في دورها ووظيفتها برغم المحاولات الجارية لفصلها وتشويهها تحت مسميات عديدة. ولعل اللافت في زيارة الرئيس نجاد إلى سورية هو التركيز على تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين لتكون بمستوى العلاقات السياسية, إذ التقى الرئيس نجاد مع رجال الأعمال والمال السوريين في مقر السفارة الإيرانية بدمشق، كما جرت لقاءات موسعة بين رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري ووزير النقل الإيراني محمد سعيد كيا الذي كان يرافق الرئيس نجاد خلال زيارته، وجرى الاتفاق على عقد اجتماع للجنة العليا المشتركة بين البلدين الشهر المقبل في دمشق برئاسة رئيس الوزراء السوري ونائب الرئيس الإيراني بهدف إطلاق جملة من المشاريع الاقتصادية في مجال الطاقة والنفط والكهرباء والمواصلات وصناعة السيارات وصوامع الحبوب وغيرها من المشاريع الحيوية. ومن المتوقع ان يؤدي إطلاق هذه المشاريع إلى رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين، الذي لا يتجاوز 150 مليون دولار إلى أكثر من مليار دولار، في وقت بلغ حجم الاستثمارات الإيرانية في سورية قرابة 800 مليون دولار خلال العام الماضي.
5 ـ شكل لقاء الرئيس نجاد مع قادة الفصائل ومع الأمين العام لحزب الله ورئيس حركة أمل في دمشق رسالة واضحة، مفادها ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستبقى واقفة بقوة إلى جانب كفاح الشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية مهما اشتدت الضغوط والتحديات, وهذا ما أكده قادة الفصائل الفلسطينية عندما تعهدوا خلال اللقاء بمواصلة المقاومة والكفاح وضرورة تشكيل جبهة تضم كل القوى والدول التي تتصدى للخطط الصهيونية والأميركية.. حيث نقل عن مصدر فلسطيني ان القضية الفلسطينية تشكل هاجسا أساسيا للرئيس نجاد، الذي اعتبر ـ حسب المصدر ـ أن الفلسطينيين يخوضون معركة رابحة لا محالة، وأن المستقبل للشعب الفلسطيني انطلاقا من موقفه ورؤيته التي تقوم على ان "إسرائيل" لا شرعية لوجودها. في الواقع, إذا كانت هذه الرسائل وغيرها يمكن استخلاصها من زيارة الرئيس نجاد إلى سورية، فإن الزيارة ـ مع أنه من المبكر الحديث عن نتائجها على أرض الواقع ـ أسست حسب المراقبين لشراكة استراتيجية بين البلدين تقوم على التعاون والتشاور والتنسيق بينهما إزاء مجمل القضايا الإقليمية في المنطقة، والتكامل في المواقف السياسية إزاء هذه القضايا، بما يشكل كل ذلك حالة من الممانعة في وجه المشاريع الخارجية التي تستهدف المنطقة.