ارشيف من : 2005-2008
بأبي أنت وأمي.. يا رسول الله

"أنت ابن محمد.. دعني أتبرك منك"..
زرت قبل عدة أعوام في مثل هذه الأيام أثناء رحلة صحافية إلى الدول الإسلامية في الاتحاد السوفياتي السابق، مدينة غروزني عاصمة جمهورية الشيشان.
وتصادفت الزيارة مع فجر الانقلاب الاستقلالي الذي قام به الرئيس الراحل جوهر دوداييف، وعلى مدخل مبنى الإدارة الدينية لمسلمي القوقاز استوقفني مشهد رجل عجوز، يعتلي سلماً خشبياً على ارتفاع حوالى أربعة أمتار، ويحمل بيده كتاباً مجلداً ويضعه على منصة رخامية تشبه العديد من المنصات التي كانت تحمل وقتذاك تماثيل قادة الحزب الحاكم وأعضاء لجنته المركزية في الاتحاد السوفياتي السابق.
سألت مضيفي: ماذا يفعل صاحبنا فوق؟
فأجاب: هذه المنصة كانت تحمل تمثال فلان.. وبعد إعلان الاستقلال أزلنا التمثال، وقد صعد "ماك ـ محمد" ليضع القرآن الكريم مكانه..
وللمفارقة، تبين ان صديقنا هذا لا يجيد قراءة العربية، لكنه يحفظ السور عن ظهر قلب، ينير بها مجالس الإدارة في الليالي المثلجة يومذاك.
ماك ـ محمد يضع شريطا أبيض على قبعته التي يرتديها دلالة على زيارته قبر رسول الله في المدينة المنورة.. وبيت الله الحرام في مكة.
.. في أقاصي الأرض لا يعرف أهل تلك البلاد لغتنا العربية، يحافظ المسلمون على كرامة دينهم وقرآنهم ونبيهم، فلا اسم دون إضافة "محمد" (صلى الله عليه وآله) اليه، والقرآن الكريم يرفع على أعلى المنصات تكريماً.
وفي الزيارة نفسها، وفي طريق العودة، زرت مدينة دنيَسك في أوكرانيا، وأثناء سيرنا في أحد الشوارع، اقتربت مني عجوز سبعينية ربتت على كتفي لأنحني لها، كأنها تريد أن تسر في أذني أمراً، وما إن لامس كتفي رأسها حتى سارعت الى تقبيله قائلة: "أنت ابن محمد.. دعني أتبرك منك".
ثم قالت: اقرأ لي شيئا من القرآن بالعربية..
سقطت أمامها وأمام هول الموقف، وانهارت دموعي على خدي..
من أنا لتقول لي هذه المرأة: "أنت ابن محمد.. دعني أتبرك منك"..
كل ما عرفته منها لاحقاً، أنها عرفت أننا عرب.. وأخبرتنا بأن القرآن بقي في جيب معطفها طيلة سبعين عاماً تمسح به همومها، وتشكو له ظلم القوم لها، ومنع الآذان والقرآن.. واللغة العربية.
بات التلفظ بالعربية نسباً لرسول الله صلى الله عليه وآله.. يكفي المستمعة أن تجعلك في مقام البركة.
يا رسول الله.. فداك نفسي..
في آخر الدنيا يحبونك.. يذكرون اسمك.. يتبركون به.. ويتلمسون البركة من كل من ينتمي اليك.. ولو باللغة..
لا عذر لنا اليوم.. كلنا مقصرون..
لكن أضعف الإيمان أن نعلن حبنا لك.. والنصرة لحفيدك.. والذود بالدم والمهج والأموال والأولاد..
فداك نفسي.. بأبي أنت وأمي يا رسول الله..
مصطفى خازم
الانتقاد/ زوايا ـ العدد 1147 ـ 3 شباط/فبراير 2006