ارشيف من : 2005-2008
تحركات جادة لاحتواء تداعيات جريمة سامراء.. وتفاؤل بالانفراج الكامل للأزمة

بغداد ـ عادل الجبوري
ربما لم يتوقع الكثيرون من أرباب السياسة والفكر والثقافة وعلماء الدين، فضلا عن عامة الناس في داخل العراق وخارجه، ان لا تتوسع مديات جريمة تفجير مقام الامامين العسكريين في مدينة سامراء في الثاني والعشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي لتبلغ مستويات خطيرة يغدو معها من الصعب ـ ان لم يكن من المستحيل ـ السيطرة على تداعيات الازمة "الكارثة".
ولعل القراءات الآنية السريعة لتتابع الوقائع كانت توحي بشيء من هذا القبيل، اذ لم يمر وقت طويل حتى تعرضت مساجد عديدة لعمليات تخريب وتدمير، وتعرض اناس غير قليلين من أبناء كلتا الطائفتين السنية والشيعية على حد سواء ـ وبعضهم علماء دين ـ الى عمليات اعتقال، هذا الى جانب نزوح عشرات العوائل من مناطق سكناها في اكثر من منطقة خشية التعرض لحملات تصفية بسبب الانتماء الطائفي.
وقد انتهت تلك القراءات بصورة بديهية الى ان ترك الامور تنحو ذلك المنحى سيفضي بلا شك إلى اندلاع حرب اهلية طائفية لن يكون فيها رابح او خاسر مثلما تردد على لسان سياسيين وعلماء دين من الشيعة والسنة معاً، لذلك فإن التحركات من قبل الاوساط السياسية والدينية والمختلفة جاءت من حيث سرعتها وديناميتها متناسبة مع طبيعة ومستوى الحدث "الفعل".
وكان المؤشر الاول هو ذلك الكم الكبير من البيانات والنداءات التي صدرت عن مرجعيات دينية وزعامات وقوى سياسية وعلماء دين وخطباء وأئمة مساجد ومؤسسات ثقافية واجتماعية وفكرية، البعض منها محسوب على الاتجاه السني والبعض الاخر على الاتجاه الشيعي، اضافة الى اطراف اخرى، وتدعو كلها الى الهدوء وضبط النفس، وتحرم الاعتداء على اماكن العبادة وازهاق ارواح دماء الابرياء، واتخاذ كل التدابير والاجراءات الكفيلة بدرء الفتنة واحتوائها.
وتمثل المؤشر الثاني بالتظاهرات والمسيرات المليونية الحاشدة لابناء الطائفتين الشيعية والسنية، في شوارع سامراء ومختلف المدن العراقية الاخرى رافعين شعارات تدعو الى وحدة الصف والكلمة والموقف، والوقوف بوجه المؤامرات الهادفة الى اثارة الفتن والفرقة بين ابناء البلد الواحد، والعمل بصورة مشتركة لانهاء الاحتلال الذي كان وما زال السبب الرئيسي لما آلت اليه الامور من سوء وتردّ، فضلاً عما خلفه النظام السابق من مآسٍ وكوارث.
والمؤشر الثالث تمثل بتشكيل مجاميع مشتركة من ميليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر وعناصر مسلحة من تيارات سياسية سنية الى جانب قوات من الحرس الوطني التابعة لوزارة الدفاع وقوات من تشكيلات حفظ النظام التابعة لوزارة الداخية لحماية المساجد والحؤول دون تعرضها الى المزيد من الاعتداءات غير المقبولة. وكان لتلك المجاميع دور لا بأس به في منع الكثير من الحوادث.
والمؤشر الرابع، الذي ربما يعد الاكثر اهمية على صعيد الواقع العملي هو المبادرات الايجابية للحكومة العراقية التي بدأت بدعوة رئيس الجمهورية جلال الطالباني كبار قادة الكتل والكيانات السياسية لبحث تداعيات وآثار الازمة وسبل احتوائها، وفيما بعد دعوة رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري الى اجتماع اوسع شارك فيه زعماء الكتل والقوائم البرلمانية في مجلس النواب الجديد وعدد من الوزراء، تمخض عن الاتفاق على جملة من المبادئ فيما يتعلق بتطويق الازمة، والحؤول دون تسببها بعرقلة عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في اسرع وقت ممكن، من بينها اعادة المساجد الى اصحابها واعادة اعمارها، وادانة ما حصل في مدينة سامراء، وتوجيه خطباء وائمة الجوامع بأن تكون خطبهم باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية، وتعويض المتضررين، واعتبار الذين سقطوا جراء احداث العنف شهداء، وتأمين الحماية المناسبة لاماكن العبادة من حسينيات ومساجد وغيرها.
ويبدو ان النقاشات حول جريمة سامراء وتداعياتها واثارها السلبية لم تكن منفصلة بأي حال من الاحوال عن المفاوضات والمباحثات المتعلقة بتشكيل الحكومة، بل ان البعض يرى ان ما حصل في سامراء يوم الثاني والعشرين من شباط الماضي دفع بشكل او بآخر الزعامات السياسية الى تفعيل موضوع الاسراع بتشكيل الحكومة، بحيث ان جانباً من الاجتماع الموسع بمقر رئيس الوزراء تمحور حول هذه النقطة.
وقد يكون أبرز ما أعلن عنه على لسان الدكتور الجعفري هو ان المجتمعين قرروا تشكيل فريق استشاري يتكون من مجموعة من الشخصيات والقيادات السياسية ورؤساء الكتل البرلمانية للوقوف على وجهات نظرهم ومساهماتهم في تعزيز الوحدة الوطنية.
وفي اطار المؤشر الرابع يأتي ميثاق الشرف الذي ابرم مطلع هذا الاسبوع بين التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر وهيئة علماء المسلمين والمدرسة الخالصية لتهدئة الامور على خلفية احداث سامراء من خلال العمل على حقن دماء المسلمين، ومنع الاعتداء على المساجد، وتشكيل لجنة لمتابعة الاجراءات العملية، والخروج بتظاهرات موحدة لتوحيد صفوف المسلمين من الشيعة والسنة، والمطالبة بجدولة خروج القوات الاجنبية من العراق.
وانطوت التصريحات الواردة على لسان مسؤولين من التيار الصدري كالشيخ عبد الهادي الدراجي والسيد فاضل الشرع، وهيئة علماء المسلمين كالشيخ عبد السلام الكبيسي والدكتور عصام الراوي، على مضامين وأبعاد ايجابية انعكست بدرجة معينة على ارض الواقع، وتمثل ذلك بإعادة عدد من المساجد التي قامت مجاميع مسلحة بالسيطرة عليها الى اصحابها، وبإصدار هيئة علماء المسلمين من خلال امينها العام الشيخ حارث الضاري جملة توجيهات تقضي بعدم الاعتداء على العوائل الشيعية القاطنة في المناطق ذات الاغلبية السنية، مع التأكيد على انه لا يجوز التعدي على أي شخص بصرف النظر عن مذهبه ودينه وانتمائه السياسي.
وبينما ما زالت أجواء الاحتقان هي المهيمنة في خضم مظاهر التصفيات الجسدية والتهجير القسري او الطوعي في مناطق مختلفة من بغداد ومدن أخرى، والتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فإن التفاؤل يسود اوساطاً سياسية ودينية وشعبية بإمكانية الخروج من المأزق.
ولكن ما يتفق عليه الجميع تقريبا هو ان المعالجة الشاملة والنهائية للامور تحتاج الى بعض الوقت، وقدر عال من التنسيق والتعاون على مختلف الاصعدة والمستويات، تبدأ بالمرجعيات الدينية والسياسية، وتنتهي بأصغر مكونات النسيج الاجتماعي في البلد.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد1151 ـ 03/03/2006