ارشيف من : 2005-2008
الحكومة العراقية الجديدة:الاتفاق على المبادئ العامة أولا، وتقسيم الحقائب ثانيا

بغداد ـ عادل الجبوري
لن يكون بإمكان الدكتور ابراهيم الجعفري مرشح كتلة الائتلاف العراقي الموحد ـ كتلة الاغلبية في مجلس النواب العراقي الجديد ـ لرئاسة الحكومة المقبلة الخوض في توزيع الحقائب الوزارية وتسمية من يتسلمونها قبل انتهاء الكتل والكيانات السياسية التي من المفترض ان تشارك في تشكيل الحكومة من الاتفاق على البرامج السياسية لها والمبادئ العامة التي تقوم عليها، وبالتالي الاتفاق على أولوياتها.
هذه المهمة التي يبدو ان الجعفري سيكون محورا مهما فيها باعتباره من سيضطلع بتنفيذ ما يُقر ويُتفق عليه بين الفرقاء السياسيين، بدأت بالفعل حتى قبل مصادقة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على النتائج النهائية، وقبل اعلان كتلة الائتلاف عن اسم مرشحها لرئاسة الوزراء.
ولعل من مؤشرات وملامح تلك البداية هي الاجتماعات الموسعة على هامش مآدب الغداء التي أقيمت على شرف رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من قبل كل من زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد السيد عبد العزيز الحكيم ورئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء ابراهيم الجعفري ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ورئيس القائمة الوطنية العراقية إياد علاوي.
وما أطلق عليها "دبلوماسية الموائد" ساهمت بقدر ما في توضيح وبلورة كثير من الرؤى والتصورات والقناعات السياسية لدى مختلف الأطراف السياسية، وإن برزت في ما بعد تناقضات وتقاطعات في التصريحات.
إلى جانب ذلك سارعت كتلة الائتلاف العراقي الموحد الى تشكيل لجنتين: الاولى للتفاوض والتباحث مع قائمة التحالف الوطني الكردستاني، والثانية لعمل الشيء نفسه مع قائمة جبهة التوافق العراقية. وبحسب المعلومات فإن الاجتماعات متواصلة على قدم وساق، وخصوصا مع التحالف الكردستاني. في الوقت نفسه فإن المجلس التأسيسي المشترك المؤلف من جبهة التوافق والقائمة العراقية وجبهة الحوار الوطني (70 مقعدا) شكل خلال الايام القلائل الماضية وفدا للتفاوض والتحاور مع التحالف الكردستاني، وقد حضر الوفد اجتماعا مشتركا ضم جلال الطالباني ومسعود البارزاني الى جانب زعماء أحزاب كردية منضوية تحت مظلة قائمة التحالف.
ولا شك في ان الدينامية التي تسير بها المباحثات والمفاوضات حول المبادئ العامة وبرنامج الحكومة المقبلة تمتاز بسرعة إيقاعها، مع توافر عدد كبير من نقاط الالتقاء في ما يتعلق بتحديد المهام والملفات الأساسية، مثل ملف الأمن والاقتصاد والخدمات. وهذا يعد مؤشرا إيجابيا من الناحية السياسية، بيد ان العقبة التي تقف في طريق مفاوضات تشكيل الحكومة هي ما يسمى بالاستحقاق الانتخابي، والآخر المسمى خطأ بـ"الاستحقاق الوطني"، الذي يعني الاستحقاق التوافقي. فالقوائم الكبيرة مثل الائتلاف العراقي الموحد ترى ان الأولوية لتشكيل الحكومة ينبغي ان تكون للاستحقاق الانتخابي لكي لا تُفرّغ العملية السياسية من محتواها الديمقراطي الذي ترجمته الانتخابات وما تمخضت عنه من نتائج، من دون ان يعني ذلك عدم مراعاة مبدأ تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل تنوعات الطيف السياسي العراقي. بينما تلح قوائم أخرى مثل جبهة التوافق والعراقية وجبهة الحوار الوطني، مستفيدة من الدعم والتأييد النسبي لها من التحالف الكردستاني، على تشكيل الحكومة وفق الاستحقاق الوطني، اضافة الى مطالب أخرى تتعلق بوزارتي الدفاع والداخلية.
ويبدو ان هذه القوائم تراهن على مساندة أميركية لمطالبها حيال إصرار الائتلاف على مواقفه وتصوراته، سيما ان إشارات أميركية قد لاحت في الأفق خلال الآونة الأخيرة، تلمح ـ او حتى تصرح ـ برغبة واشنطن في إشراك الجميع في الحكومة المقبلة! وأكثر من ذلك فإن تسريبات من خلف كواليس سياسية معينة تذهب الى ان الأميركان من خلال سفيرهم في بغداد زلماي خليل زاد يسعون الى تحييد بعض الجماعات المسلحة (المقاومة) ودفعها الى إلقاء السلاح مقابل منحها امتيازات ومكاسب سياسية معينة، وهو ما قد يواجه بالرفض الشديد من قبل بعض الأطراف السياسية. وتوقفت أوساط سياسية عديدة عند المقال الذي كتبه السفير خليل زاد في صحيفة "نيويورك تايمز" وأعادت عدة صحف عراقية نشره بالعربية تحت عنوان: "المخطط السياسي للعراق"، وتحدث فيه عما ينبغي ان يقوم به القادة السياسيون العراقيون.. فضلا عن كونه قد قال في مقاله انه "عندما يبتعد المتمردون عن القتل المسلح، فإنهم سيسعون الى تطمينات بأنه لن يُسمح للقوى الإقليمية بالسيطرة على العراق، وأن القادة العراقيين سيسعون الى اقتصار اجتثاث البعث على المسؤولين ذوي الرتب العالية، وإلحاق جميع هؤلاء الذين لم يرتكبوا جرائم في ركب المجتمع السويّ".
وقبل ذلك فإن واشنطن حاولت تسويق فكرة تشكيل مجلس أهل الحل والعقد في العراق، في مسعى للعثور على دور مناسب لبعض الشخصيات السياسية التي لم يحالفها الحظ في تحقيق أي نتائج إيجابية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، او أنها حصلت على نتائج متواضعة لا تؤهلها للعب أدوار فاعلة ومؤثرة في العملية السياسية.
أطراف المجلس السياسي المشترك ـ جبهة التوافق والعراقية وجبهة الحوار ـ التي رحبت بالفكرة الأميركية التي طُرحت من قبل البارزاني بعد مجيئه الى بغداد، طرحت بعد ان وجدت انه لا حظوظ لنجاح فكرة مجلس أهل الحل والعقد، فكرة تشكيل مجلس برلماني يتولى الإشراف على عمل الحكومة. ومع ان الخطوط العامة لهذا العنوان ما زالت غير واضحة بما فيه الكفاية، الا ان ما يفهم منه هو "لجنة مصغرة تنبثق من مجلس النواب وتتألف من ممثلي الكتل والكيانات البرلمانية، تضطلع بمهمة الإشراف المباشر على عمل الحكومة".
وفي خضم ذلك الشد والجذب والحركة المتعددة الاتجاهات، فإن مراقبين سياسيين يرون ان كل ذلك يتمحور حول موضوع توزيع وتقاسم المناصب العليا والحصص الوزارية، خصوصا الوزارات السيادية الخمس وهي: الداخلية، والخارجية، والدفاع، والمالية والنفط، وخصوصا الداخلية والدفاع.
وإلى الآن تذهب التوقعات إلى أن رئاسة الجمهورية ستؤول الى الرئيس الحالي جلال الطالباني، وسيبقى عادل عبد المهدي الذي لم ينجح في الترشح لرئاسة الحكومة في منصبه نائبا لرئيس الجمهورية الى جانب نائب آخر من الطائفة السنية، يستبعد ان يكون غازي إلياور، والأقرب لهذا المنصب هو حاجم الحسني الرئيس الحالي للجمعية الوطنية، في الوقت الذي تبدو حظوظ القيادي في الحزب الإسلامي العراقي طارق الهاشمي أقرب لتولي رئاسة البرلمان أكثر من غيره.
ووفقا للاستحقاق الانتخابي، فإن حصة الائتلاف العراقي الموحد في الحكومة المقبلة ستكون أربع عشرة حقيبة وزارية، ضمنها ثلاث وزارت سيادية ـ ربما تصبح اثنتين ـ هي الداخلية والنفط والمالية، وحصة التحالف الكردستاني سبع وزارات، منها واحدة سيادية، فيما يفترض ان تكون حصة جبهة التوافق ومعها العراقية وجبهة الحوار الوطني تسع وزارات، من بينها واحدة سيادية، ربما تكون الخارجية لا الدفاع، اذا أصروا على عدم جواز جمع الأكراد بين منصبي رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، وتبقى وزارتان تُمنحان للآشوريين والتركمان.
وهذه الملامح الأولية للصورة العامة ما زال يلفها قدر كبير من الغموض حتى على صانعي القرار والمطلعين على كل ما يدور في داخل أروقة السياسة العراقية وكواليسها الخلفية، وعلينا الانتظار فترة قد تمتد شهرين إن لم يكن أكثر.
الانتقاد/ عربيات ـ العدد 1149 ـ 17 شباط/فبراير 2006