ارشيف من : 2005-2008

الرسوم المسيئة والغضب الإسلامي المتصاعد

الرسوم المسيئة والغضب الإسلامي المتصاعد

تصاعدت تظاهرات التنديد بالرسوم المسيئة للنبي الأكرم (ص) في أنحاء العالم الإسلامي وفي أوساط الجاليات الإسلامية في العالم. فبالإضافة إلى البلدان التي تشهد تظاهرات يومية ضد الرسوم السيئة الذكر، كإيران وفلسطين وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا، سُجل خروج تظاهرات استنكار شاركت فيها عناصر غير إسلامية في كل من فنزويلا والأرجنتين.‏

وشهدت العاصمة البريطانية تظاهرة شارك فيها عشرات الألوف. كما سجلت تظاهرات نوعية في اسطنبول وجاكرتا حيث تمكن المتظاهرون من اختراق الحواجز الأمنية والوصول إلى أسوار السفارة الأميركية ورشقها بالبيض والحجارة. وبالإضافة إلى الأنشطة التقليدية، كإحراق الأعلام الدانمركية، سجلت حالات أحرق فيها العلم الفرنسي ودمى من القش تمثل كلاً من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني.‏

ومن الجديد اللافت، أن تظاهرات الاحتجاج التي شهدتها الهند هاجمت الحكومة الهندية وطالبتها بالاعتذار لأنها صوتت إلى جانب الأميركيين والأوروبيين ضد حق إيران بامتلاك الطاقة النووية السلمية.‏

واللافت أيضاً، بعد سقوط أكثر من 20 قتيلاً في أفغانستان برصاص قوى الأمن منذ بدء تظاهرات الاحتجاج، أن الرسوم قد تسببت بمقتل أحد عشر شخصاً في ليبيا وستة عشر شخصاً في نيجيريا تبعهم أكثر من عشرة أشخاص سقطوا في صدامات بين المسيحيين والمسلمين في ذلك البلد.‏

وفي الإطار الخطير نفسه، تم إحراق كنيسة وقتل شخص مسيحي في باكستان بعد اتهامه بإحراق نسخة من المصحف الشريف.‏

وبعد التظاهرات التي تم فيها إحراق السفارات والقنصليات الدانمركية، يبدو أن التظاهرات الأشد خطورة هي التي تشهدها باكستان، لجهة ما يرافقها من أعمال حرق وتدمير للمؤسسات التجارية الأميركية والغربية، وخصوصاً لجهة وضوحها في التعبير عن ارتفاع منسوب المعارضة لنظام حكم الرئيس مشرف، وللزيارة التي يعتزم جورج بوش القيام بها لباكستان في آذار/ مارس المقبل.‏

أما على مستوى المقاطعة التي بدأت تحدث أثرها على مستوى التراجع الكبير في صادرات الدانمرك، وعلى مستوى تسريح أعداد من الموظفين من أعمالهم في الشركات الدانمركية، قررت جمعية المستوردين الإندونيسيين مقاطعة كوبنهاغن التي تصدر سنوياً إلى إندونيسيا سلعاً غذائية بنحو 75 مليون دولار.‏

وعلى المستوى السياسي، أدت قضية الرسوم إلى سحب سفراء العديد من البلدان الإسلامية من كوبنهاغن، وإغلاق الممثليات الدانمركية في العديد من البلدان الإسلامية، كما أدت إلى استقالة وزير الإصلاح الإيطالي ووزير العدل الليبي.‏

ومن جهة أخرى، وضعت الحكومة الدانمركية أمام استحقاق المساءلة بعد مطالبة أحزاب المعارضة بالتحقيق في دور الحكومة بمفاقمة الأزمة لجهة استهانتها بتحذيرات سفراء البلدان الإسلامية قبل استفحال المشكلة ونزولها إلى الشارع الإسلامي.‏

كما جاءت تصريحات البابا حول ضرورة احترام الأديان ومقررات منتدى الأديان في جاكرتا بمثابة توبيخ لكوبنهاغن والجهات الغربية التي صبت الزيت على نيران المشكلة، إضافة إلى كونها قد دفعت باتجاه تعزيز الدعوة إلى وضع تشريع دولي يمنع الإساءة إلى المقدسات الدينية.‏

وعلى الرغم من بركان التحركات الاحتجاجية وما يرافقها من تطورات خطيرة، لا تزال الحكومة الدانمركية تصر على عدم الاعتذار، وعلى النية في مواصلة تحدي "المحظورات" الإسلامية، كما لا تزال التصريحات الغربية، والأميركية بوجه خاص، تواصل التهجم على تظاهرات الاحتجاج وتلصق بها تهم الأصولية والتشدد مع تهويلات من نوع إمكانية استفادة تنظيمات إسلامية معادية للغرب من الأجواء التي فجرتها الإساءة.‏

وفي الوقت نفسه، تستجيب بعض الجهات الإسلامية للرغبة الغربية في القفز فوق المشكلة وتذويبها في الدعوات إلى حوار الحضارات متناسية أن فكرة "صراع الحضارات" قد فرخت في التربة نفسها التي فرخت فيها الرسوم السيئة الذكر، وشتى أشكال العدوان التي تمارسها الجهات الغربية والصهيونية بحق قضايا المسلمين. والجهات نفسها، تسعى إلى تسويق فكرة إنهاء التحرك الإسلامي انطلاقاً من اعتذار الصحيفة الدانمركية على "إثارة مشاعر المسلمين" لا على نشر الرسوم، وهو الاعتذار التي تسابقت على نشره صحف عربية تلقت أجوراً، على ما ذكره موقع يولاند بوسطن للإنترنت، من "شركات" لم يفصح الموقع عن هويتها.‏

وعلى كل حال، يبدو أن الرسوم التي أظهرت إفلاس إيديولوجيا الحرية والحقوق المزعومة التي تقوم عليها ديموقراطية الغرب، قد أضافت أزمة جديدة غير منتظرة إلى أزمات الإتحاد الأوروبي حول الدستور والموازنة وتركيا: أزمة التوفيق بين حرية التعبير في العداء للإسلام ولا حرية التعبير في العداء للصهيونية، وبين المحافظة على المصالح التجارية في السوق الهائلة التي يشكلها العالم الإسلامي.‏

ع.ح‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد1150 ـ 24 شباط/فبراير2006‏

2006-10-28