ارشيف من : 2005-2008
صفقة الموانئ وأموال العرب المسافرة

"شيخ عربي يشتري ستة من أكبر الموانئ في الولايات المتحدة الأميركية!". هذه العبارة وعبارات ذات نفَس عنصري واستعلائي مماثلة ترددت على الألسنة في خضم الأزمة التي تفجرت قبل أسبوعين، عندما قامت شركة حكومية إماراتية بشراء حقوق التفريغ والشحن التي تمتلكها شركة بريطانية، في ثلاثين ميناءً في العالم، بينها ستة موانئ أميركية. وإضافة إلى الاستعلاء وردت حجج من نوع أن مواطنين اثنين من الإمارات العربية شاركا في الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول/ سبتمبر، ومن نوع أن الإمارات كانت قد اعترفت بحكومة طالبان في أفغانستان. وباختصار أصر الديمقراطيون في مجلس الشيوخ ومعهم أعداد من الجمهوريين، على أن الصفقة تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، ولم يفلح الرئيس بوش في قطع دابر الأزمة برغم تأكيده دور الإمارات في التحالف ضد الإرهاب، وضرورة عدم إشاعة الانطباع عند العرب بأن أميركا تكيل بمكيالين، وكون حرس الشواطئ الأميركيين ورجال الجمارك الأميركيين وشركات الحراسة الأميركية هي التي ستقوم بأعمال المراقبة الأمنية.
وفي الوقت الذي بدأت فيه جهات أميركية وبريطانية برفع دعاوى قضائية لمنع إتمام الصفقة، تزامنا مع تشديد الهجمة على الرئيس بوش تمهيداً للانتخابات التشريعية بعد أشهر، وعلى خلفية التورط في العراق والفضائح التي أحاطت بالإعصار "كاترينا" وبقضايا التنصت غير المشروع، جاءت الأريحية العربية لتخفف من حدة الموقف عبر إعلان الشركة عن تأجيل البدء بالعمل مدة غير محددة.. علماً بأن تشريعات التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرّة الموقعة بين الإمارات المتحدة والولايات المتحدة تمنحها كامل الحق في شراء تلك الموانئ والعمل فيها.
والجدير بالذكر أن الشركة الإماراتية سبق لها أن اشترت في أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي واحدة من كبريات الوكالات البحرية العاملة في ميناء هيوستن، من دون أن يحدث ذلك أي ضجة، ما يدل على أن ضخامة الصفقة الحالية والتنافس الانتخابي هما ما يفسر الضجة الحالية، إضافة إلى الاعتبارات العنصرية والاستعلائية.
وإذا علمنا أن مقدار الصفقة ـ المشكلة هو 6.8 مليار دولار، فإن ذلك يعطينا فكرة عن طبيعة الهموم التي يطرحها تراكم المال العربي في ظل الارتفاع الحالي لأسعار النفط: البحث وراء المحيطات عن مجالات للاستثمار، في وقت قد تستدعي فيه "الأخوة"، دفعاً لفكرة الملكية العربية المشتركة للنفط العربي، قبل أن يضطر العرب للقبول بفكرة الملكية العالمية للنفط العربي، أن يعمل القيمون على النفط وفق قاعدة "الأقربون أولى بالمعروف"، وأن يستثمروا بعضاً من العائدات عند أشقائهم من المحتاجين والمعوزين. والسؤال ـ بدلاً من الاستغراق غير المجدي في الكلام المنافي للغة "البزنس" والبورصة ـ هو: ما الذي سيحل بأموال الصفقة اذا أُلغيت؟ أغلب الظن أن العقود والاتفاقيات والأتعاب والرسوم وغيرها ستلتهم حصتها الأكيدة من تلك الأموال.. لكن السؤال يبدو سابقاً لأوانه بعض الشيء، لأن الشركة الحكومية الإماراتية لا تنوي برغم أريحية التأجيل، أن تقف مكتوفة اليدين إلى ما لا نهاية، فهي تنوي إجراء مباحثات مع الرئيس بوش ومع المجموعات البرلمانية الأميركية ومع سلطات الموانئ الأميركية، وربما أيضاً مع بعض الوسطاء وجماعات الضغط.. وهنا يفرض نفسه سؤال جديد حول الهدايا والإكراميات التي ستُبذل بالسخاء العربي المعهود، من أجل إنجاح المباحثات العتيدة؟
ع.ح
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1151 ـ 03/03/2006