ارشيف من : 2005-2008

واشنطن والصحراء الجزائرية:قاعدة أميركية لمراقبة أفريقيا؟

واشنطن والصحراء الجزائرية:قاعدة أميركية لمراقبة أفريقيا؟

كتبت: ياسمينة صالح‏

تحت سقف مكافحة الإرهاب شهدت منطقة المغرب العربي حالة استثنائية تمثلت في التحركات الأميركية على أعلى المستويات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية. بيد أن زيارة وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد لعدد من دول المغرب العربي كانت البصمة الكبرى للاهتمام الذي توليه الإدارة الأميركية للمنطقة، على أساسين أولهما استراتيجي والثاني اقتصادي، بكل ما تعنيه الكلمة من تراكمات سياسية أيضا.. فأميركا التي تريد أن تلعب الورقة الرابحة في المنطقة ـ ورقة المساعدات اللوجستيكية الأمنية ـ تسعى أيضا إلى قبض الثمن، ليس على أساس ما ستحصل عليه فعليا كما قال العديد من الشخصيات الأميركية، بل على أساس ما تستحق أن تناله بشكل أفضل وأطول بقاءً أيضاً، إن هي نجحت في إقامة قاعدة عسكرية في أكثر المناطق حساسية التي تراهن عليها واشنطن منذ نهاية التسعينيات، أي في صحراء الساحل التي تعد من أكثر المناطق عزلة واستراتيجية.‏

اهتمام واشنطن بأفريقيا لم يكن وليد اليوم، بل كان خطة قديمة تبلورت ملامحها من حيث القدرة على التجسيد واقعيا منذ نجحت الإدارة الأميركية في خلق الاختلاف العميق بينها وبين فرنسا (الدولة الكلونيالية في أفريقيا)، وكان التهديد لأول مرة على لسان "بول ولفويتز" بتاريخ الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2003 حين تكلم لأول مرة عن ضرورة الحضور في القارة الأفريقية، في كلمته التي ألقاها لمناسبة الاحتفاء بجهاز الأمن القومي الأميركي الذي كان نتاجا "عسكريا ومخابراتيا" تجسد بشكل ملموس منذ وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض عام 2001.‏

وإن كان الاختلاف الذي فجره قرار إدارة بوش بضرب العراق قد فجر آليا جبهة معارضة للحرب، فقد تحولت "الحرب الباردة" بين الولايات الأميركية وفرنسا إلى حرب معلنة أيضا في المناطق التي تحتكرها الكلونيالية الفرنسية في أفريقيا وفي آسيا الشرقية أيضا.‏

فرنسا التي ظلت تتكلم عن أفريقيا بأنها "مستوطناتها القديمة" وجدت نفسها أمام "صراع من نوع آخر" فرضته الخطة الأميركية في الهيمنة على العديد من الدول الأفريقية، وبالتالي إصرار أميركا على الحضور في الشمال الإفريقي ظل هو نفسه الهدف الاستراتيجي الذي على أساسه تكلم "دونالد رامسفيلد" بعد سقوط بغداد في ندوة صحافية جمعته بالمستشار الألماني في العاصمة الألمانية "برلين" حين قال بلهجة حربية موجها كلامه للفرنسيين: "لولا أميركا لكانت فرنسا تتكلم اليوم الألمانية!"، وهي الجملة التي أزعجت الفرنسيين والألمان على حد سواء، وخاصة أن رامسفيلد ذهب إلى حد التهديد بطريقته أنه سيكون لأميركا الحق في الذهاب بعيدا لأجل "الدفاع عن الحريات والديمقراطية".. وكان الهدف من وقتها "المغارة الفرنسية" حسب جريدة "واشنطن بوست" في عددها الصادر يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر 2003 (1).‏

أفريقيا التي ظلت تعتبرها فرنسا "منطقتها المحررة" هي التي صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى مفتوحة للنزاعات على أساس ما صارت تعنيه بالنسبة للأميركيين الراغبين في الهيمنة على مناطقها الاستراتيجية، وبين الفرنسيين الذين ظلوا يعتبرون القارة الأفريقية جزءا من "الإرث التاريخي الفرنسي" على مدى قرون من الاستعمار ومن الكلونيالية التي وصلت إلى درجة الغزو والاحتلال كما حدث للجزائر والمغرب وتونس.‏

القاعدة العسكرية شرط التعاون العسكري!‏

بتاريخ 23 و24 آذار/ مارس 2004، شاركت ـ لأول مرة وبشكل سري (2) ـ قيادات من القوات المسلحة لعدة دول إفريقية هي: "مالي، تشاد، موريتانيا، المغرب، النيجر، السنغال، الجزائر وتونس"، وفي اجتماع عسكري داخل مقر القيادة الأوروبية للجيش الأميركي (US-Eucom) في مدينة شتوتغارت الألمانية. كانت تلك القمة أمرا غير مسبوق، باعتبار أن أعمالها ظلت سرية ومحاطة بنفس المصطلحات الجاهزة مثل "التعاون العسكري في إطار الحرب الشاملة على الإرهاب". كانت النظرة الأهم في هذا النوع من "اجتماع الثماني" قد صاغتها الولايات الأميركية قبل ثمانية أعوام ماضية في منطقة الساحل الجنوبي التي تعتبر جغرافياً وأمنياً الحد الأخطر بين المغرب العربي وأفريقيا السوداء، وبين المناطق البترولية للشمال وتلك المترامية في خليج غينيا. كان من أهم المطالب الأميركية بالنسبة للدول الأفريقية المعنية هو صياغة مفهوم جديد لماهية الإرهاب، والذي صاغته الإدارة الأميركية على شكل "إرهاب إسلامي"، بحيث صارت الأنظمة كلها تحت نفس الخط الأحمر إزاء ما يمكن للإدارة العسكرية الأميركية أن تقدمه لها. أي المساعدات اللوجستيكية والدعم السياسي الذي يعني غض النظر عن كل الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن لتلك الأنظمة الأفريقية المعنية أن ترتكبها ضد شعوبها، لأن الغاية تبرر الوسيلة بالنسبة للأميركيين، أي استغلال المخاوف الأمنية الأفريقية لأجل غرس مزيد من الرعب الذي على أساسه يمكنها أن تتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية، بالخصوص الدول العربية وذات الأكثرية الإسلامية، وهو الهدف الذي لم يكن بريئا باعتبار أنه ارتبط بالموارد الطبيعية التي تزخر بها العديد من الدول الأفريقية، كالنفط بالنسبة للجزائر وغينيا ونيجيريا، واليورانيوم الذي اكتشف في عدد من الدول مثل النيجر.‏

تقرير صادر عن المركز الأميركي للأبحاث الاستراتيجية بواشنطن بتاريخ 13 أيار/ مايو 2004 (3)، ذكر أن صوراً ملتقطة عبر الأقمار الصناعية كشفت عن احتمال كبير (70%) لوجود النفط في منطقة دارفور السودانية، وقد أشارت دراسة سابقة عن نفس المعهد الاستراتيجي الأميركي سنة 1979 الى وجود النفط في صحراء غينيا، وهو الشيء الذي تأكد فعليا بعد أن انفجر العديد من النزاعات في القرن الغربي الإفريقي، وامتدت إلى القرن الشرقي، وتمثلت في حروب ونزاعات داخلية تدخل في إطار الحرب الأهلية..‏

أميركا موجودة في أفريقيا فعلياً:‏

الظهور شبه الرسمي للأميركيين في المنطقة كان في شهر آذار/ مارس 2004، في عملية عسكرية قادتها أربع دول من دول الساحل هي: (مالي، تشاد، النيجر والجزائر) ضد ما يعرف بالجماعة السلفية للدعوة والقتال التي كان يتزعمها المدعو "عماري صايفي" المعروف باسم: عبد الرزاق البارا الذي حيكت حوله العديد من القصص الغريبة.. ربما لأن عبد الرزاق البارا نفسه كان الذراع الأيمن للجنرال الجزائري "خالد نزار"، من أم فرنسية وأب جزائري، كان على وشك الارتباط بابنة الجنرال قبل أن يحدث ما سُمي فيما بعد بالانشقاق الذي جعل "عبد الرزاق البارا" يقرر الهرب إلى الجبال وتشكيل تنظيم مسلح ضد النظام الجزائري.‏

ولعل العلاقة القريبة جدا التي كانت تجمع "عبد الرزاق البارا" بالجنرال "خالد نزار" هي التي أثارت الكثير من الشكوك فيما يخص الحقيقة الأخرى لتلك الشخصية التي ذهب البعض إلى القول إنها "مخابراتية مدسوسة" داخل التيارات الجهادية، سواء في الجزائر أو في دول أخرى كانت لها علاقات "تنظيمية" مع تنظيم القاعدة، كما جاء في تقرير عن صحيفة "الخبر" الأسبوعي الجزائرية بتاريخ 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2004. قيل وقتها ان الدور الأميركي للقبض على زعيم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال كان كبيرا، وإن وحدة أميركية خاصة شاركت مع الجيش الجزائري لمحاصرته في منطقة تشادية كانت موجودة تحت سيطرة متمردي الحركة التشادية للديمقراطية والعدالة، وهي الحركة التي مولتها جهات أميركية، منها ما يعرف بالمؤسسة الوطنية لأجل الديمقراطية (NED) (4) والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التي لهما أذرع كثيرة مع وكالة الاستخبارات الأميركية السي إي أي (5).‏

تعد الجماعة السلفية للدعوة والقتال بمثابة الذراع الثانية للجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، وهي الجماعة التي تعتبرها الولايات الأميركية منظمة إرهابية حامت الشكوك عن علاقات ملموسة بينها وبين تنظيم القاعدة الذي يسعى إلى تأسيس جبهة عسكرية مشابهة لما يعرف بـ "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، يكون نشاطه في الشمال الأفريقي (الساحل الإفريقي). وهو ما ادعته الولايات الأميركية وصارت تنشره في العديد من التقارير لإثارة الرعب في الدول الأفريقية التي سارعت بدورها إلى "طلب" النجدة من الأميركيين بالخصوص، وهو ما انتظرته وخططت له الإدارة الأميركية لتفرض في ما بعد شروطها. والحال أن أول وأهم تلك الشروط يكمن في التعاون الأمني المباشر، الذي يسهل عبره معرفة كل صغيرة وكبيرة من أدق تفاصيل الملفات الأمنية لكل الدول المعنية، ومن ثمة المطلب الثاني الذي لا يقل خطورة عن الأول، ألا وهو إقامة قاعدة عسكرية في الساحل الإفريقي، ليكون لها سبب شرعي دائماً في الوجود العسكري في القارة الأفريقية وفق استراتيجيتها العسكرية التي تسميها "الحرب على الإرهاب"، والتي على أساسها "يُطارده الإرهابيون في عقر دارهم"، كما صرح الرئيس الأميركي جورج دابليو بوش في 1 كانون الثاني/ يناير 2006 في كلمة وجهها إلى الشعب الأميركي من مكتبه في البيت الأبيض لمناسبة رأس السنة الميلادية.‏

ذلك الوجود الذي كان "شبه سري" فيما مضى، سرعان ما صار اليوم مطلبا أميركيا تتوافد لأجله شخصيات أميركية رسمية وكبيرة لمناقشته مع كبار المسؤولين في منطقة المغرب العربي.. إنه مشروع قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، لتكون برج مراقبة حقيقياً "يساعد على الحد من انتشار السلاح، المخدرات، الهجرة غير الشرعية والإرهاب!"، كما قالت السفيرة الأميركية في الجزائر(5).‏

ولأجل الحد من كل هذا يجب أن يكون الاهتمام بكل ما بوسعه أن يطفئ فتيل التطرف من وجهة النظر الأميركية، أي التعليم والدفاع! فقد كان الضغط الأميركي كبيرا على الجزائر والدول العربية والإسلامية لأجل "القيام بمبادرات" ضخمة لـ التغيير، سرعان ما لقيت التجاوب الرسمي في العديد من الدول العربية، وبالفعل تم "حذف" مادة الشريعة الإسلامية من مواد الاختبار للثانوية العامة في الجزائر، كما حدثت تغييرات جذرية في الكتاب الديني أيضا الذي فرضت عليه السلطات الجزائرية رقابة كبيرة غير مسبوقة أيام المعرض الدولي للكتاب، الذي جعل العديد من الدول الإسلامية المشاركة تحد من مبيعاتها بسبب شروط العرض الصارمة. بينما المحور الثاني هو الدفاع، الذي قارب التجسيد من خلال "التقارب الثنائي" لأجل إنشاء قاعدة العسكرية في الجنوب!‏

الساحل: المنظار المطلوب أمنياً!‏

تقع المنطقة التي عليها العين الأميركية في وسط الصحراء على طول الجنوب الصحراوي لكل من الجزائر ومالي والنيجر، والتي تعتبرها الولايات الأميركية بعيدة عن السيطرة ـ سيطرة الدول المعنية عليها ـ. فعملية اختطاف السياح الأوروبيين في منطقة "تمنراست" الجزائرية دعمت بشكل مباشر المطالب الأميركية في تلك المنطقة، إلى درجة بدا أن عملية الاختطاف ساعدت بشكل كبير "النوايا" الأميركية في الوجود هناك. فكانت زيارة رئيس مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية روبرت ميلر الى الجزائر نهاية أيار/ مايو 2004 وبداية كانون الثاني/ يناير الماضي، بمثابة الموعد الرسمي للتذكير بالخطر المحدق بالقارة الأفريقية على الصعيد الأمني وفق نفس العبارة "انتشار شبكات إرهابية وحرية تنقلها في الساحل الإفريقي"، والتي أكدها رامسفيلد في الجزائر الأحد 12 شباط/ فبراير، "بأن الولايات الأميركية مستعدة لإرسال فرق المارينز إلى الجزائر لمساعدة الجيش الجزائري ودول الجوار ليكوّنوا دعما لوجستيا مساعدا على تأمين الحدود في إطار مكافحة الإرهاب على مستوى الحدود الجنوبية". فبالنسبة للمقولة الأميركية فإن نشاط الجماعات المسلحة تشكل خطرا كبيرا على المنطقة، وإن الحل لمكافحة الإرهاب يكمن في إقامة قاعدة عسكرية أميركية في أكثر من منطقة إفريقية!!‏

السلطات الجزائرية التي أرادت التكتم على محتوى المحادثات التي أجراها الوفد الأميركي الرفيع مع قادة الجيش الجزائري، سوّقت أن الزيارة "عادية" وتعكس العلاقات الجيدة بين الولايات الأميركية والجزائر على الصعيد "الاقتصادي"، وهو الأمر الذي لم يكن بعيدا عن الحقيقة باعتبار أن التركيز الأميركي على الجانب الدفاعي والأمني لم يُنسِ واشنطن أن الجزائر مورد بترولي كبير، وموقع استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في سياق التطلع الأميركي انطلاقا من "التموقع" الأميركي داخل الحلف الأطلسي. فالموارد الجزائرية حظيت باهتمام الأميركيين منذ التسعينيات، وإن كانت الظروف الراهنة مهيأة لهذا النوع من "التقارب" على أكثر من صعيد ـ أي صعيد النهب البترولي ـ كما لوّح به رامسفيلد في الجزائر.‏

قطع الطريق على فرنسا!‏

التقارب الجزائري الأميركي إذا كان يصنع مباهج الأميركيين الطامحين للاستحواذ على أخطر المناطق الاستراتيجية في الساحل الإفريقي، فإنه يصنع تعاسة الفرنسيين المستائين جدا منذ عدة أشهر. زيارة رامسفيلد إلى عدد من الدول المغاربية أججت ثورة الفرنسيين، بحيث ان الصحف الفرنسية الرسمية الكبيرة لم تخف استياءها من الشراكة المغاربية الأميركية التي لن تكون إلا على حساب فرنسا "التي ستدفع ثمن موقفها من الحرب على العراق من جديد!"، كما قالت صحيفة "لاديبيش دو ميدي" (6) في عددها الصادر الاثنين 13 شباط/ فبراير 2006. وهو الثمن الذي هددت به شخصيات أميركية بتغريمه لفرنسا بعد عبارة "أوروبا القديمة" التي قالها رامسفيلد للتقليل من دور الفرنسيين في الاستراتيجيات القادمة!‏

التحركات الفرنسية كانت سريعة بزيارة وفد فرنسي الى الجزائر نهاية الأسبوع الماضي، وهي الزيارة التي أريد لها أن تدخل في إطار "الشراكة" الاقتصادية برغم الموقف الحاد الذي تبديه وسائل الإعلام الفرانكفونية الجزائرية من "الغزل" الرسمي الجزائري الأميركي. فرنسا التي تعتمد على اللوبي الفرنسي في الجزائر تشعر بالتهديد الأميركي المباشر، ربما لأن السياسة الفرنسية نفسها لم تعد تثير "شغف" الجزائريين، بعد أن سقطت العديد من النقاط الفرنسية على المستوى الشعبي جراء التعاطي الإعلامي الفرنسي "المتعصب"، من انتفاضة الضواحي في باريس التي استعمل فيها وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي عبارة "الأوباش"، للحديث عن المهاجرين الأفارقة والمغاربة.‏

سبر الآراء الذي قامت به صحيفة "صوت الأحرار" (7) الجزائرية جاء فيه أن أكثر من 55% من القراء يفضلون أميركا على فرنسا، وهو ما نقلته أكثر من صحيفة فرنسية باستياء ظاهر.. "الأميركيون يسعون إلى معاقبتنا بقسوة على عدم مشاركتنا في الحرب على العراق.. إنهم يحاولون بكل الطرائق زعزعة المناطق ذات التأثير الاستراتيجي". يقول برنارد منيار في كتابه "فرنسا والتغيير الاستراتيجي": والحال أن الجزائر تبدو أكثر ميلا للأميركيين، لأن واشنطن أقل صرامة في ما يخص بيع الأسلحة، باعتبار أن فرنسا ظلت تمارس على الجزائريين حظرا حقيقيا في ما يخص أنواعا محددة من طائرات "الميراج" و"الفونتوم" الفرنسية الحديثة، وهو الشيء الذي انتبه الأميركيون إليه حين فتحوا جزئيا مغارة "علي بابا" العسكرية للجزائريين الذين حصلوا هذا العام على أكبر صفقة أسلحة أميركية في تاريخ العلاقات بين البلدين. ربما كان مضحكا أن يراهن دونالد رامسفيلد في نيسان/ أبريل عام 2004 على الدور الأحق للولايات الأميركية في القارة الأفريقية وفي الشمال الإفريقي بالخصوص. كانت عبارته موجهة في الحقيقة إلى نظيره الفرنسي الذي اتهمه بالهيمنة. فردُّ رامسفيلد لم يكن سقطة أميركية في التعبير، بل كان استراتيجية أخرى بدأ التحضير لها قبل غزو العراق.. وإذا كانت الولايات الأميركية نجحت في "نتف" ريش الفرنسيين بعد الحرب على العراق، فإنها أيضا نجحت في إجبار الفرنسيين على التراجع عن العديد من المواقف، إلى درجة أن الضغوط الفرنسية على سورية مثلا وعلى إيران صارت لافتة للانتباه، ما يعكس تماما أن فرنسا تكاد تكون مطيعة "لبيت الطاعة الأميركية" كما جاء في افتتاحية "واشنطن بوست" بتاريخ 12 أيلول/ سبتمبر 2005.‏

كانت عبارة ديك تشيني ـ في الواشنطن بوست أيضا ـ بأن أميركا ستدخل إلى أفريقيا من أوسع الأبواب، بمثابة الحرب الباردة بين واشنطن وباريس على منطقة ظلت رهينة مزاجات سياسة الكبار، باعتبار أن فرنسا التي تحتكر المغرب العربي على أكثر من جانب، أهمها الجانب اللغوي، تستشعر خطر التقارب المغاربي الأميركي الذي يبدو بدوره أشبه بالانتقام الذي على أساسه تسعى كل دولة من الدول المغاربية إلى ممارسته بشكل ما بتقاربها مع واشنطن، بعد أن "أفلست" باريس سياسيا وأيديولوجيا.. لكن الأخطر أن الساسة يلعبون بمستقبل شعوبهم، وأن الأحضان الأميركية أو الفرنسية ستكون كارثة استعمارية جديدة اسمها "الاحتلال الأبيض"!‏

ــــــــ‏

المراجع:‏

(1)و(2): جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، انظر إلى الرابط التالي:‏

www.monde-dipmomatique.fr‏

"> href="http://www.monde-dipmomatique.fr">www.monde-dipmomatique.fr‏

(4) مقال "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) والشبكات الإرهابية للكاتب المكسيكي "إدغار كونزاليس رويز"، انظر إلى موقع www.syti.net‏

"> href="http://www.syti.net">www.syti.net‏

(5) حوار جريدة "الخبر" مع السفيرة الأميركية في الجزائر منشور على موقع الصحيفة على الانترنت‏

(6) انظر صحيفة "لاديبيش دو ميدي" على الرابط التالي: www.ladépechedemidi.com‏

"> href="http://www.ladépechedemidi.com">www.ladépechedemidi.com‏

(7) سبر الآراء الذي أجرته كل من جريدة "صورة الأحرار" و"المجاهد الأسبوعي" الجزائريتين بتاريخ 6 حزيران/ يوليو 2005، جاء فيه أن أكثر من 50% من القراء يفضلون أميركا على فرنسا!‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/مارس 2006‏

2006-10-28