ارشيف من : 2005-2008

غال نورتون.. شيء عادي تماماً!

غال نورتون.. شيء عادي تماماً!

مجلس الشيوخ الأميركي يعد مشروع قانون يوبخ الرئيس بوش بسبب انتهاكاته دستور الولايات المتحدة.. وقائمة الانتهاكات طويلة من السجون السرية إلى الفضائح المتجددة في أبو غريب وغوانتانامو، إلى مغامرات ديك تشيني واختلاساته، إلى التقصير أمام إعصار كاترينا، إلى التنصت غير المشروع على الأميركيين، إلى العلاقات المشبوهة مع عناصر من اللوبي اليهودي، كجاك آبراموف الذي اعترف باستعمال وسائل غير مشروعة في دعم معركة بوش الانتخابية، والذي تثير محاكمته الجارية حالياً مخاوف الجمهوريين من فضائح جديدة.‏

كل ذلك يضاف بالطبع إلى المأزق الأميركي في حربي العراق وأفغانستان، وتعثر السياسة الأميركية في أكثر من ملف في الشرق الأوسط، وازدواجية هذه السياسة المثيرة للحرج على عدة صعد، في اتفاقية التعاون النووي بين واشنطن ونيودلهي. وكل ذلك يفسر كلام صحيفة "واشنطن تايمز" مؤخراً عما أسمته بدبلوماسية بوش "المضرة" بمصالح أميركا، كما يفسر التراجع المستمر في شعبية الرئيس بوش.‏

في ظل هذه الأجواء تأتي استقالة وزيرة الداخلية الأميركية غال نورتون، لتشكل تعبيراً إضافياً عن عمق الأزمة التي تعصف بإدارة الرئيس بوش، وخصوصاً أن نورتون التي تدير وزارة سيادية أساسية منذ خمس سنوات، هي من أبرز وجوه المحافظين الجدد الذين رافقوا بوش في صعوده إلى السلطة عام 2001.‏

أسباب الاستقالة كما قدمتها نورتون غير مقنعة.. فقد جاء في رسالة الاستقالة التي وجهتها إلى الرئيس: "أشعر بأن الأوان قد آن لأنزل عن الجبل الذي طلبتم مني صعوده، لأتمالك أنفاسي ولأتجه نحو تحقيق أهداف جديدة في القطاع الخاص".‏

كما أن التساؤل مشروع أيضاً حول سرعة بوش في قبول الاستقالة مع الثناء على نورتون والإشادة بالخدمات الجليلة التي قدمتها للولايات المتحدة.‏

وسواء كانت نورتون قد استقالت بسبب التعب والحاجة لتمالك الأنفاس، أم أقيلت لأن أداءها أصبح متعباً لإدارة بوش، فإن ذلك لا يغير شيئاً في الواقع المتمثل بكون الإدارة الأميركية قد بدأت بالترنح تحت ضربات الهزائم والفضائح والتجاوزات والأخطاء.‏

فالواقع ـ في ما يتعلق بسجل نورتون ـ أن هذا السجل كان قد أصبح مثقلاً بعدد من النقاط السوداء التي يمكن وضعها تحت عنوان إساءة استخدام السلطة بشكل يتنافى مع الأصول ومع النزاهة المفترض توافرها في نظام يحكم باسم الديمقراطية.‏

من تلك النقاط السوداء أن نورتون المكلفة ـ بحكم كونها وزيرة للداخلية ـ بإدارة خمس الأراضي الفيدرالية بما فيها العديد من المحميات الطبيعية، قامت بفتح هذه المناطق أمام أعمال التنقيب عن النفط والغاز، ما جعلها العدو الأول لجماعات المدافعين عن البيئة. ومما يزيد في حساسية الموضوع أن نورتون قد أصبحت بفعل هذه السياسة، همزة وصل بين إدارة بوش وعمالقة الصناعات النفطية الأميركية التي تجني مليارات الدولارات من عقود لا تتمتع دائماً بما يكفي من الشرعية.‏

وفي هذا المجال تعرضت نورتون ـ التي فشلت بعد معركة تخوضها منذ سنوات في فتح منطقة طبيعية في آلاسكا يقدر مخزونها بـ16 مليار برميل من النفط ـ تعرضت لمساءلات في الكونغرس حول تسريع توقيع عدة مئات من العقود في خليج المكسيك مع شركات نفطية بهدف إعفاء تلك الشركات من دفع مليارات الدولارات على شكل رسوم ومستحقات مشابهة.‏

ثم إن نورتون هي الذراع الضاربة لسياسة بوش في مجال الطاقة، وهي سياسة مثيرة للجدل لما تنطوي عليه من نفاق وتناقض بين الدعوة التي تتبناها الإدارة الأميركية إلى تقليص استخدام النفط لأسباب سياسية وبيئية واستبداله بما يسمى بالطاقة النظيفة، وبين السعي المحموم لفتح المجال الطبيعي الأميركي أمام شهية شركات النفط.‏

نقطة سوداء أخرى في سجل نورتون تتمثل في العلاقة بين أحد مساعديها وهو ستيفنز غريلز، وجاك آبراموف المذكور آنفاً، والمتهم أيضاً وأيضاً بالقيام بأنشطة غير قانونية في الأراضي الفيدرالية التي تديرها نورتون وتسكنها جماعات هندية.‏

والأكيد أن استقالة نورتون وتفرغها للعمل في القطاع الخاص، حتى لو لم تُزعج لاحقا بالمساءلات، لن يمحو نقاطها السوداء عن سجل الفريق الذي اضطلعت بخدمة سياساته السوداء.‏

ع.ح‏

الانتقاد/مقالات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006‏

2006-10-28