ارشيف من : 2005-2008

أزمة ترشيح رئيس الوزراء الجديد والخيارات المطروحة

أزمة ترشيح رئيس الوزراء الجديد والخيارات المطروحة

بغداد ـ عادل الجبوري‏

تقول المادة 73 من الدستور العراقي الدائم إنه:‏

"أولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.‏

ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.‏

ثالثا: يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند "ثانيا" من هذه المادة.‏

رابعا: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقته عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة.‏

خامسا: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حال عدم نيل الوزارة الثقة".‏

هذه السياقات التي تحددها النقاط الخمس آنفة الذكر لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، يبدو انها بعيدة كل البعد عن ارض الواقع، لسبب بسيط هو ان الخارطة السياسية العراقية على درجة كبيرة من التشابك والتعقيد، بحيث ان ذلك يحتم دخول الفرقاء السياسيين ـ الاساسيين تحديدا ـ في مفاوضات تتخللها مساومات وتنازلات وحلول وسط لتنتهي بصفقة واحدة تحسم رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب وكل الوزارات والمناصب المهمة والحساسة.‏

وهذا يعني ان الجدل والسجال المحتدم حاليا حول مرشح كتلة الائتلاف العراقي الموحد باعتبارها كتلة الأغلبية في البرلمان الجديد، وهو الدكتور ابراهيم الجعفري، لا ينفصل ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان ينفصل عن مجمل مفاصل العملية السياسية في هذه المرحلة، وما يميز هذا الامر فقط كونه يمثل محور الجدل والسجال.‏

الكرة الآن وبعد ان وجهت القوائم البرلمانية الثلاث: التحالف الكردستاني وجبهة التوافق والعراقية، رسائل مكتوبة الى زعيم كتلة الائتلاف تطالبه فيها بإعادة النظر بمرشح الكتلة لرئاسة الحكومة، لأنه مما هو واضح جدا لمن يطالع الرسائل الثلاث انه غير مرغوب فيه بالنسبة لها، وأن اصرار الائتلاف عليه سيدفع الكتل الثلاث الى عدم التصويت له، الامر الذي سيعيد العملية السياسية الى المربع الاول، ليكون الائتلاف امام خيار صعب وحساس وهو البحث عن مرشح آخر، كأن يكون الدكتور عادل عبد المهدي الذي خسر في التنافس مع ابراهيم الجعفري بفارق صوت واحد، وهذا الخيار ربما يفضي الى تشظي الائتلاف وتفككه الى فريقين او اكثر، وهذا ما لا ترغب به ولا تتمناه معظم مكونات الائتلاف ان لم يكن جميعها.‏

لكن الى جانب ذلك هناك من يرى ان اصرار الائتلاف على مرشحه الحالي كخيار لا بديل له، سيعني فيما يعنيه ازمة سياسية قد توصل كل الفرقاء السياسيين الى طريق مسدود، لأن الكتل الثلاث في حال قررت ان تسمي هي مرشحا من بين أعضائها ستواجه نفس مشكلة مرشح الائتلاف، اذ لن تستطيع تأمين أغلبية الثلثين في البرلمان لنيله الثقة.‏

وبينما تنتظر الكتل الثلاث الرد الرسمي على رسائلها من قبل زعيم كتلة الائتلاف السيد عبد العزيز الحكيم، يبدو ان مسألة عقد الجلسة الاولى لمجلس النواب الجديد التي أعلن رئيس الجمهورية جلال الطالباني انها ستعقد يوم الاحد المقبل الثاني عشر من الشهر الجاري، تحتاج الى مزيد من البحث والنقاش بعد ان طالب الائتلاف رسميا بتأجيلها بعض الوقت لتوفير فسحة من الوقت لحسم الاختلافات قبل الجلوس تحت قبة البرلمان.‏

وتعول اوساط سياسية في الائتلاف العراقي الموحد على ان تفلح مفاوضات الايام ـ او الساعات ـ الاخيرة في حلحلة الأمور وإخراجها من عنق الزجاجة، خصوصا بعد التصريحات المتفائلة التي أدلى بها رئيس الجمهورية جلال الطالباني بعد لقائه وفدا من كتلة الائتلاف يوم الاثنين الماضي، والتي شدد فيها على عمق العلاقة الاستراتيجية بين التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي الموحد، مشيرا الى ذلك بالقول: "اننا عائلة واحدة".‏

وفي الوقت الذي أخذت تظهر تسريبات في بعض وسائل الاعلام مفادها انه اذا أصر التحالف الكردستاني على موقفه الرافض للجعفري، فإن الائتلاف ـ او أطرافا منه ـ ستمتنع عن التصويت لجلال الطالباني رئيسا للجمهورية لولاية ثانية، وهذا ما قد يدفع الأكراد الى اعادة النظر في موقفهم. بيد ان الطالباني عندما سئل عن ذلك في احد مؤتمراته الصحافية قال: "سأعود الى مدينة السليمانية، وسأكون مسرورا عندما يطلبون مني الانسحاب والتنحي".‏

وبما ان كل الاطراف تدرك التأثير الكبير للمرجعية الدينية في مسارات العملية السياسية برغم عدم تدخلها المباشر، شهدت مدينة النجف الأشرف حركة سياسية لم تقل من مستواها وسرعة وتيرتها عما هو حاصل في العاصمة بغداد ان لم يكن اكثر أهمية، فوفود من الائتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني والتيار الصدري، اضافة الى رئيس الوزراء الحالي الدكتور ابراهيم الجعفري، وفي وقت لاحق نائبه الدكتور أحمد الجلبي، اجتمعت الى المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني وكبار مراجع الدين الآخرين في المدينة، وكان موضوع البحث الرئيسي هو العملية السياسية وتشكيل الحكومة بمفرداتها المختلفة، وبالتحديد المرشح لرئاستها.‏

ولعل أبرز ما نُقل عن السيد السيستاني في ما يتعلق بـ"أزمة" مرشح الائتلاف لرئاسة الحكومة، هو تأكيده الالتزام بالآليات المعتمدة لحسم الموضوع.‏

ومع ان البعض يذهب الى ان رسائل الكتل الثلاث لزعيم كتلة الائتلاف تمثل موقفا واضحا لا لبس فيه من مسألة ترشيح الائتلاف للجعفري لرئاسة الحكومة المقبلة تحتم على الائتلاف البحث عن مخرج مناسب ضمن اطاره الخاص، الا ان هناك اتجاها يعتقد ان عنصر الحسم الرئيسي سيتمثل مثلما حصل في "ازمات" سابقة، بتوافقات ـ حلول وسط ـ بين كبار صناع القرار السياسي في الائتلاف والتحالف، وهم السيد عبد العزيز الحكيم وجلال الطالباني ومسعود البارزاني، تنتهي بتراجع التحالف عن موقفه الرافض للجعفري، وبالتالي ضمان ترشح الطالباني رئيسا للجمهورية مع عادل عبد المهدي نائبا له الى جانب نائب سني آخر، إما من قائمة جبهة التوافق او القائمة العراقية، وعلى الأرجح أن يكون من الاخيرة اذا ذهب منصب رئيس مجلس النواب الى شخصية من جبهة التوافق، كأن يكون طارق الهاشمي كما ترجح اوساط عديدة مطلعة على جانب من مجريات ما يدور خلف الكواليس.‏

ولا شك في ان بقاء الجعفري في رئاسة الحكومة سيكون مرتبطا بجملة تعهدات ومواثيق، بعضها قد تكون مكتوبة عليه ان يلتزم بتنفيذها والتقيد بها، سواء ضمن كتلة الائتلاف او في اطار برنامج الحكومة وآليات اتخاذ القرارات فيها وطبيعة علاقتها مع مجلس رئاسة الدولة، وكذلك مجلس النواب.‏

ولكن هذا الخيار اذا اعتُمد بالطريقة التي سيحسم فيها، لا يعني ان ابراهيم الجعفري وكتلة الائتلاف سيكونون بمنأى عن التجاذبات السياسية مع الحلفاء في الحكومة ومكونات سياسية اخرى في المشهد السياسي لم تُتَح لها الفرصة لتشغل حيزا تحت قبة البرلمان العراقي الجديد.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1152 ـ 10 آذار/مارس2006‏

2006-10-28