ارشيف من : 2005-2008

شمس الإسلام تضيء سماء الغرب:"لا أفهم لماذا ينبغي أن تُمنع إيران من حيازة السلاح النووي!"

شمس الإسلام تضيء سماء الغرب:"لا أفهم لماذا ينبغي أن تُمنع إيران من حيازة السلاح النووي!"

هذا ما كتبه زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية جان ماري لوبن في افتتاحية مجلة حزبه الشهرية الصادرة في آذار/ مارس الحالي، والتي تحمل اسم "فرانسي دابور" (الفرنسيون أولاً).‏

وأضاف زعيم الحزب الفرنسي اليميني المتطرف: "لا أفهم باسم أي مبدأ يجوز منع دولة من السعي للحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية أو عسكرية".. "ولماذا يأخذون على أحمدي نجاد ما لم يأخذوه على غيره؟ ولماذا لم يعلنوا الحرب على الهند أو باكستان أو "إسرائيل" عندما حصلت هذه البلدان على التكنولوجيا النووية العسكرية".‏

وتابع لوبين: ان الرأي العام العالمي قد أثير حول هذا الموضوع لأن الولايات المتحدة وحلفاءها المطيعين يرغبون بشدة في أن يشنوا الحرب على إيران.‏

وتابع لوبين قائلاً: "بعد التدخلات في أفغانستان والعراق يريدون إخضاع إيران لتأمين الإمدادات النفطية وضمان حماية "إسرائيل"، وربما أيضاً شن حرب إبادة ضد الإسلام، وذلك تنفيذاً لرغبات الصقور الإنجيليين الذين يسيطرون على المؤسسات الأميركية".‏

وكتب لوبين في الافتتاحية ذاتها، ان الجدل المحتدم على الصعيد الدولي حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لمحمد (ص) هو على صلة بالمواجهة الدولية مع إيران: "فهم يريدون تهيئة الرأي العام للحرب ضد إيران، ويناسبهم تماماً من أجل ذلك أن يثيروا جدلاً عالمياً حول الإسلام".‏

كلام واضح لا يحتاج إلى شرح أو تعليق.. وأهميته ليست في كونه يكشف سراً من الأسرار الدولية الكبرى، بل في كونه يقول بصوت عال بديهيات تعتلج في ضمائر الناس، أو يهمهمون بها بعيداً عن منابر الإعلام.‏

إنه يقول تلك البديهيات التي تشكل العمق الحقيقي لمحتوى تفكير الرأي العام العالمي الذي بدأ يعي بسرعة متزايدة، طبيعة الجهالة والظلم والنفاق والصلف الذي أصبح السمة المميزة لسياسات أميركا وحلفائها، خلف الغشاء الواهي من مزاعم الحرية والديمقراطية والحقوق.‏

وبهذا يكون جان ماري لوبين قد افتتح بتصريحاته هذه من فرنسا التي كان لها دور أساسي منذ عصر النهضة في إيقاظ الوعي الحديث، زمن عودة الروح إلى النقد الغربي الذي اختنق خلال العقود الماضية تحت ركام السفسطة التوتاليتارية بتعددية وجوهها الفاشية والستالينية والرأسمالية.‏

جورج غالاوي ومايكل مور وكثيرون غيرهما ممن يقدمون الإسعافات الأولية لروح النقد الغربي عندما يقولون الحقيقة عن المحرقة وعن الطبيعة الحقيقية لحروب أميركا وحلفائها، وعن التصنيع واسع النطاق للفقر والإيدز وإنفلونزا الطيور وثقافة التسميم الجماهيرية.. إنما يضطلعون في القرن العشرين بمهام مشابهة لتلك التي اضطلع بها قبل قرون أمثال كوبرنيكوس وغاليلي عندما افتتحوا ـ من فوق أعواد محارقهم ـ عصر النقد الذي نسف جاهلية أوروبا وهمجيتها وأضاء أجواءها بأنوار العقل.‏

وإذا كان هذا العقل الغربي قد عاد مجدداً ليصبح بصورته الأدواتية الانتهازية خادماً للتوسع الاستعماري الخارجي ولسياسات القهر الطبقي الداخلي، قبل أن يصبح أخيراً حصاناً للرغبات التدميرية الشاملة عند حفنة من المهووسين الذين أداخت رؤوسهم جلبة الرقص المحموم حول العجل الذهبي، فإن أمثال اليميني جان ماري لوبن واليساري هيغو شافيز وغيرهم من الملايين التي خرجت في باريس ولندن وروما ومدريد وواشنطن ولوس أنجلوس وبورتو آليغري لإدانة همجية أميركا وحلفائها في حروب العدوان والعولمة المتوحشة، إنما يعلنون موت المعنى في مصطلحات قاموس السياسة السائدة، ويضعون مصطلحات جديدة للتعبير عن المعركة التي بدأت بالاحتدام بين الشعوب المقهورة في العالم ولصوص الهيكل.‏

وبالطبع فإن تزايد الأصوات التي تنطلق في الغرب لتشتق قوتها التنويرية من الحرب على العراق أو فلسطين أو إيران، شاهد على الحضور العالمي الجديد للإسلام في قلب المعمعة الدولية. وإذا كان الشبح الجميل الذي بشر به كارل ماركس قبل قرن ونصف القرن من الزمن قد انتهى إلى الاندحار قبل عقد ونصف العقد من الزمن، فإن اندحاره قد جاء بالدرجة الأولى لافتقاره صفة العالمية المستندة خطأً إلى مركزية الذات الأوروبية، وإلى الاستعلاء الحضاري الغربي، وهما المركزية والاستعلاء اللذان بدءا برسم معالم الاندحار الأكبر لوهم النهاية الديمقراطية للتاريخ.‏

إن بروز الإسلام في قلب الحدث العالمي اليومي والكلمات القليلة التي قيلت من موقع النقد المسؤول لوثنَي العصر الغربي: المحرقة وحرية التعبير، هي الحلقة المفقودة التي حال فقدانها دون استكمال المسيرة التحررية للعقل الغربي. وبهذا فإن النهضة الأوروبية التي سرقت من قرطبة وبغداد، بات بإمكانها أن تعود إلى مسارها الأصلي، بدليل تزايد قوة الحجة الإسلامية في الحوار الغربي الداخلي.. قوة لم يعد من الممكن الوقوف بوجهها عن طريق خطابات الجعجعة التي تعتمدها الصهيونية في التهويل على جان ماري لوبن وغيره من رواد حرية التفكير الجديدة التي تعود شمسها المشرقية لتنوير سماء الغرب.‏

عقيل الشيخ حسين‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس 2006‏

2006-10-28