ارشيف من : 2005-2008

أزمة الحكومة العراقية:مكانك.. راوح

أزمة الحكومة العراقية:مكانك.. راوح

بغداد ـ عادل الجبوري‏

من تابع مجمل تصريحات السياسيين العراقيين المعنيين بالعملية السياسية خلال الايام القلائل الماضية يخرج باستنتاج مفاده "ان مؤشرات وملامح التفاؤل التي لاحت في الافق الاسبوع الماضي بقرب حلحلة الامور وانفراج ازمة ترشيح رئيس الوزراء والقضايا الاخرى المرتبطة بها، ذابت وتلاشت في خضم الدوران كما يبدو في حلقة مفرغة، او السير في نفق مظلم لم تتبين حتى هذه اللحظة مخارجه.‏

يقول نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبد المهدي: "ان طرقا أُغلقت امام تشكيل الحكومة ولم يبق سوى بابين يجب اختيار أحدهما لتجاوز الازمة السياسية التي تعصف بالبلاد: الاول ان تتوصل القوى السياسية الى صفقة كاملة عن طريق الاحزاب تمهد الارضية لحلول واسعة، وتغطى بعد ذلك بموقف برلماني. والثاني التفاهم عن طريق زعماء الكتل برعاية البرلمان، وهذا الطريق اكثر سهولة لكون الاجراءات في الصفقة السياسية معقدة".‏

ويشير عبد المهدي الى "ان الوضع الامني يسير بطريق شائك ويضم العديد من المتناقضات. ففيما يتصاعد اداء الاجهزة الامنية وتتسع سيطرتها على الارض بشكل ايجابي داخل المدن وعلى الحدود الدولية، نفاجأ بعنصر دخيل لدفع الناس الى التصعيد، وأصبحت لدى الحزبيين قدرة اكبر على تهييج العواطف".‏

رئيس كتلة حزب الفضيلة الدكتور نديم الجابري يقول: "نحن في مأزق بسبب الاحتقان الطائفي الذي حذرنا منه في السابق نتيجة طريقة اختيار الائتلاف العراقي الموحد لمرشح رئاسة الوزراء.. والمفاوضات الجارية حاليا بين الائتلاف وباقي القوائم الممثلة في البرلمان تهدف الى ذر الرماد في عيون العراقيين".. مرجحا فشل هذه المفاوضات.‏

"تحديات داخلية وخارجية تعرقل ولادة الحكومة أبرزها المواقف الاميركية المتهجمة على السياسيين العراقيين، وعدم رغبة الأكراد بالجعفري رئيسا للوزراء". هذا ما يقوله عضو قائمة التحالف الكردستاني الدكتور محمود عثمان، في حين يرى عضو مجلس النواب الجديد مثال الألوسي "ان التحول الاميركي يجب ان لا يكون محاولة لكسب مزيد من الوقت للخروج من العراق بأي شكل كان، والقول ان المهمة انتهت.. وعلى واشنطن ان تحدد موقفها بشكل واضح، ويجب ان لا تكون تصرفاتها تكتيكية الطابع".‏

والتصريح الوحيد الذي بدا متناقضا مع التصريحات آنفة الذكر وأمثالها وجاء بصيغ مختلفة على لسان اكثر من سياسي عراقي، هو "ان الجميع عازمون على العمل بصورة مشتركة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ستتولى التصدي للإرهاب وحل المشاكل التي يواجهها الشعب العراقي".‏

هذا هو المبدأ العام الذي لم يظهر أي طرف من الأطراف موقفا متقاطعا معه من الناحية النظرية، ولكن يبقى السؤال حول القضية محور الأزمة قائما.. كيف ستحسم اشكالية قبول او عدم قبول ترشيح الدكتور ابراهيم الجعفري؟‏

مصادر قريبة من كواليس المفاوضات قالت لـ"الانتقاد" ان المشكلة عويصة ومعقدة نوعا ما بسبب اصرار كل طرف على موقفه، وربما ما زال من المبكر ترجيح كفة خيار على حساب خيار آخر.. حتى كبار القادة والزعماء الذين يقفون على أدق التفاصيل لا يعرفون بدقة ما يمكن ان تؤول اليه الامور في نهاية المطاف.‏

وترى المصادر ان انعقاد الجلسة الاولى لمجلس النواب العراقي الجديد يوم الخميس (16-3-2006) لا يتعدى كونه محاولة ضخ روح جديدة في العملية السياسية التي تواجه مأزقا ذا وجهين: دستوري وتوافقي.‏

وفي كل النقاشات والسجالات الدائرة في شتى الصعد والمستويات، لا يكاد يتوقف الحديث عن التنازلات المتبادلة للوصول الى حلول وسط تتيح ابرام صفقة شاملة deal package تقوم على اساس قبول القوائم الثلاث: التحالف الكردستاني وجبهة التوافق والعراقية، بمرشح الائتلاف العراقي لرئاسة الوزراء مقابل الحصول على تطمينات وضمانات وتنازلات بشأن أمور محددة وواضحة، من بينها تشكيل مجلس أهل الحل والعقد او مجلس أمن وطني يتألف من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورؤساء الأقاليم وزعماء الكتل البرلمانية، وتوسيع دائرة المشاركة باتخاذ القرار من خلال تشكيل مجلس وزراء على غرار مجلس رئاسة الجمهورية يتكون من رئيس الوزراء وثلاثة نواب للشؤون الأمنية والاقتصادية والخدمية.‏

وقبول الائتلاف لمثل تلك المطالب سيعني في ما يعنيه التفافا على الدستور، وإضعافا لمجلس النواب الذي يمثل السلطة التشريعية الحقيقية الممثلة للشعب، وإفراغا لمنصب رئيس الحكومة من محتواه الفعلي. وكل هذه الامور خطيرة وحساسة ويصعب التعاطي معها بسهولة، خصوصا ان المرجعية الدينية تؤكد باستمرار ضرورة وأهمية الاحتكام الى الدستور وعدم تجاوزه أو القفز عليه.‏

وإذا كان كل ذلك او معظمه غير ممكن، فإن على الائتلاف العراقي الموحد الذي ما زالت الكرة في ملعبه بحسب وصف عضو في جبهة التوافق العراقية، ان ينجح في إقناع الجعفري المتشبث بإصرار بمنصب رئاسة الحكومة، بالتخلي عن المنصب للحؤول دون مواجهة أزمة سياسية يستعصي حلها.‏

وحيال ذلك التشبث لم يعد أعضاء في الائتلاف يخفون تذمرهم واستياءهم من هذا المنهج، حتى ان مصدرا في الكتلة رفض الكشف عن اسمه قال في تصريحات أدلى بها لصحيفة الشرق الاوسط اللندنية: "من الخطأ ان يصر الجعفري على ترشيحه برغم معارضة جميع الكتل السياسية الأخرى لهذا الترشيح، بمن فيها أحزاب داخل الائتلاف نفسه. وإن الجعفري لا يرى الامور إلا بعينه، وهو لا يفكر بالوضع السياسي المتأزم، وبالتالي سيضطر الائتلاف او غيره الى إجباره على الانسحاب".‏

ومع ان مؤشرات غير قليلة ما زالت تقول بإمكانية التوصل الى صفقة تتيح للجعفري الاحتفاظ برئاسة الحكومة، الا ان اسماء المرشحين المنسحبين من سباق التنافس وهما الدكتور حسين الشهرستاني رئيس كتلة المستقلين في الائتلاف ونديم الجابري، راحت تطرح من جديد الى جانب الدكتور عادل عبد المهدي كبدائل عن الجعفري اذا وجد ان الطريق موصد أمامه بالكامل.‏

ويذهب سياسيون من الائتلاف ومن خارجه الى ان عملية الاحتقان في العملية السياسية التي لم تجد متنفسا لها، قد تفضي الى حسم الاختلاف عبر اختيار مرشح لرئاسة الحكومة من خارج دائرة التنافس الذي كان حادا بين إبراهيم الجعفري وعادل عبد المهدي.‏

وإذا حصل ذلك فإن عملية ترتيب جديدة للأوراق السياسية ستكون لازمة بالنسبة للكتلة البرلمانية الكبرى والكتل الأخرى المساهمة في البرلمان والحكومة.. وفي كل الاحوال فإن الامر سيستغرق وقتا أطول مما تنبأ به رئيس الجمهورية جلال الطالباني حينما قال إن الحكومة ستتشكل قبل نهاية شهر آذار/ مارس الحالي.‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1153 ـ 17 آذار/مارس2006‏

2006-10-28