ارشيف من : 2005-2008
رئيس المشيخة في البوسنة والهرسك: بعض الدول الغربية تمنع اعتقال مجرمي الحرب

عشر سنوات ونيف مرّت على توقيع معاهدة السلام في دايتون، التي انهت الحرب على البوسنة والهرسك تاركة خلفها 200000 شهيد و300000 جريح ونحو مليون مهجّر، نصت بنود المعاهدة على وقف اطلاق النار وعودة النازحين الى ديارهم ومحاكمة الذين ارتكبوا المجازر، إلا أنه وبعد مرور هذه السنوات لم يطبق من هذه البنود سوى وقف اطلاق النار وعودة القليل من النازحين الى ديارهم، أما محاكمة مجرمي الحرب لا سيما البارزين منهم مثل رضوان كراجيتش زعيم صرب البوسنة السابق وجنراله راتكوملاديتش المسؤول الأول عن مجزرة سربرنتشيا التي راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف مسلم فلم تحصل حتى الآن.
كيف يرى مسلمو البوسنة والهرسك الاتفاقية اليوم، وما هي آفاقها المستقبلية؟
الشيخ مصطفى تسريش رئيس المشيخة في البوسنة والهرسك يجيب عن هذه الأسئلة في مقابلة خاصة لـ"الانتقاد":
سراييفو: من حسن حيدر دياب
عشر سنوات مرّت على توقيع معاهدة السلام في دايتون هل انتم كمسلمين في البوسنة والهرسك راضون عن تنفيذ وتطبيق هذا الاتفاق؟
نحن منذ البداية كنا نعتبر أن اتفاق دايتون هو غير عادل وخصوصاً بالنسبة لنا كمسلمين، ولكننا كنا مرغمين على توقيع هذه المعاهدة لوقف ذبح أهلنا واستحياء نسائنا وطرد وتهجير مواطنينا وتدمير مساجدنا وأماكننا المقدسة، لأن الأسرة الدولية في ذاك الوقت كانت تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما كان يحدث للمسلمين في البوسنة والهرسك، ولحرصنا الشديد على بقائنا على أرضنا وأرض أجدادنا لأننا لم نستطع الاستمرار في القتال والجهاد ضد العدو الذي كان يتفوق عسكرياً علينا فوقعنا هذا الاتفاق.
كذلك كنا نعتقد بأن اتفاق دايتون هو الضمان الوحيد لبقاء البوسنة والهرسك دولة موحدة مستقلة يعيش فيها بالتساوي الشعوب الثلاثة: الصرب، الكروات والمسلمون، ونحن من أجل ذلك قاتلنا حرصاً على وحدة البوسنة والهرسك. اتفاق دايتون هو وحده المطلق في هذه الدنيا. من ايجابيات اتفاق دايتون حرية التحرك في انحاء البوسنة والهرسك للمجتمع، وكما قلت لكم في البداية بقاء دولة البوسنة والهرسك دولة موحدة، أما من سلبيات هذا الاتفاق في الدرجة الأولى عدم اعتقال مجرمي الحرب الذين ارتكبوا أبشع المجازر بحق المسلمين، ونحن لدينا المعلومات التي تشير الى أنهم موجودون في البوسنة وصربيا ويتجولون بحرية. نحن غير راضين على عملية عودة اللاجئين الى ديارهم لأنها تسير ببطء شديد.
حتى الآن لم يعد الى البوسنة سوى 40% من الذين طردوا وهجروا من منازلهم، الأسرة الدولية أيضاً لم تف بوعدها بإعادة بناء المساجد التي دمّرت أثناء الحرب، ومن المعروف أن أكثر من ألف مسجد دمّر خلال سنوات الحرب، نحن نسعى ونبذل جهوداً عالية ونقوم بالضغط على الأسرة الدولية لاعتقال كراجيتش وملاديتش وتقديمهم لمحكمة العدل في لاهاي، ولكن وصلتنا معلومات موثوقة ومؤكدة من بعض حلفائنا في الدول الغربية تفيد بأن بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية تعهدت بعدم ملاحقة كراجيتش وملاديتش ومحاكمتهم في حال قبلوا بتوقيع اتفاق دايتون. والاعتقاد السائد لدى المسلمين في البوسنة والهرسك بأن الأسرة الدولية لو أرادت اعتقال كراجيتش وملاديتش لفعلت ذلك منذ سنوات طويلة. وهذا عار على المجتمع الدولي الذي يعاملنا بهذه الطريقة لأننا مسلمون فقط.
لاحظوا المهزلة، في الوقت الذي يحاكم فيه في محكمة العدل في لاهاي قائد أركان الجيش البوسني السابق راسم ديلتش الذي دافع عن البوسنة وشعبها، في المقابل فإن المجرمين الذين ارتكبوا أبشع المجازر ودمروا البوسنة والهرسك يعيشون بأمان وحرية ويحميهم المجتمع الدولي.
ـ ما هو تعليقكم على وفاة سلوبودان ميلوشيفيتش في سجنه في لاهاي؟
كنا نتمنى أن يحاكم ويعيش طويلاً في السجن، وهذا كل ما استطيع أن أقوله.
ـ كيف تقوّمون علاقتكم بالعالم الاسلامي، وهل هذه العلاقة توطدت وأصبحت أفضل مما كانت عليه اثناء الحرب في البوسنة والهرسك؟
علاقتنا بالعالم الاسلامي قوية جداً وثابتة، وأقولها لكم بكل صراحة لولا مساعدتهم لكان الصرب والكروات وبمساعدة الأسرة الدولية قضوا علينا تماماً.
لأن المساعدات التي أرسلوها الينا من عام 1992 حتى عام 1995 كان لها دور فعال في صمودنا وجهادنا ضد المعتدي، وأستغل هذه الفرصة عبر جريدتكم لأشكر كل من قدم لنا مساعدة، وأخصّ بالشكر الجمهورية الاسلامية الايرانية ودول الخليج جميعها ومصر وماليزيا واندونيسيا وتركيا وكل الدول العربية والاسلامية التي قدمت لنا مساعدة، كما نشكر المجاهدين الذين اتوا من العالم الاسلامي وقاتلوا الى جانبنا، والكثير منهم قضى نحبه دفاعاً عن أرضنا البوسنية المقدسة أدخلهم الله فسيح جناته. لولا هذه المساعدات لكنا هجرنا جميعاً من البوسنة كما فعلوا بنا في الحرب العالمية الثانية. في ذاك الوقت هجر من البوسنة والهرسك الى تركيا أكثر من أربعة ملايين مسلم. الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش رحمه الله كان يدرك جيداً بأن الدول العربية والاسلامية هي التي يمكن أن نعوّل عليها في حربنا الدفاعية ضد المعتدي الصربي. أذكر جيداً في بداية الحرب اجتمعت مع الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش وقال لي نحن سنصمد بإذن الله لأن العالم العربي والاسلامي معنا، علي عزت بيغوفيتش قال لجميع زعماء الدول العربية والاسلامية اذا اردتم ان نبقى في البوسنة فعليكم مساعدتنا، ونحن اليوم ايضاً نطلب المساعدة من العالم العربي والاسلامي لأننا نعتبر انفسنا جزءاً منهم، وأقول لهم قوتكم قوتنا وضعفكم ضعفنا، وبوحدتنا يمكن ان نهزم دول الشر والاستكبار العالمي.
ـ هناك أصوات في الآونة الأخيرة من المسؤولين الكروات والصرب في البوسنة تدعو الى اعادة النظر في معاهدة دايتون. لماذا برأيكم؟
نحن أيضاً في المشيخة ندعم هذه الأصوات المطالبة بتعديل معاهدة دايتون، ولكن على أساس أن تبقى البوسنة دولة موحدة وعادلة للجميع، والكروات يطالبون بتقسيم البوسنة الى أربعة كنتونات، وهذا نحن نرفضه رفضاً قاطعاً. نحن نطالب بتعديل اتفاق دايتون ولكن بشرط أن تبقى البوسنة والهرسك دولة موحدة، نحن المسلمين في البوسنة والهرسك نشعر دائماً بالاضطهاد، ولا نشعر بأننا شعب متساوٍ مع الكروات والصرب، عندما ننادي بالتساوي والحرية يتهموننا بالارهاب والتطرف، نحن نريد فقط حقوقنا المشروعة هذا من حقنا الطبيعي. المشكلة الأساسية التي نعاني منها في البوسنة ان الثقة ما زالت مفقودة بين الأطراف المتنازعة. الصرب والكروات لا يصدقوننا، ويدعمهم بذلك المجتمع الدولي، عندما نفوز بالانتخابات في المناطق ذات الأغلبية المسلمة ونشكل مجلس بلدية يسعى الكروات والصرب وبمساعدة الأسرة الدولية لإدخال صربي أو كرواتي بالقوة لكي يحرسوننا. هم لا يصدقوننا وكأننا نحن الذين افتعلنا الحرب وارتكبنا المجازر بحقهم. أنا هنا اتساءل: من كان المسؤول عن اندلاع الحرب، ومن كان مسؤولاً عن فتح معتقلات الموت، ومع ذلك نحن شعب متسامح، قبلنا أن نعيش مع الكرواتي والصربي، الأسرة الدولية تخشى من أن يقوم المسلمون بإنشاء دولة اسلامية في منطقة البلقان. نحن قلنا لهم مراراً بأن اقامة دولة اسلامية في منطقة البلقان أمر مستحيل، وإذا كنتم تخشون من التطرف الاسلامي فعليكم أن تنزعوا جميع هذه الأسباب، وأن تعطونا جميع حقوقنا المشروعة.
ـ الاعلام الغربي يتحدث دائماً عن وجود حركات اسلامية متشددة بالبوسنة تسعى الى ضرب الفاتيكان ومحاربة المسيحيين في العالم، ما هو تعليقكم؟
أنا لا أرى بأنه يوجد متشددون مسلمون في البوسنة، أنا أرى أن هناك متشددين في كل العالم يعملون ضد الاسلام والمسلمين، العالم اليوم يعيش في خوف من الاسلام، وهذا أمر غريب وعجيب، ولكن هذا شأنهم.
وفي نهاية هذا الحوار أوجه تحية اجلال وإكبار الى المجاهدين في فلسطين والعراق وافغانستان، كما أوجه تحية خاصة الى مجاهدي المقاومة الاسلامية في لبنان الذين لقنوا العدو الصهيوني درساً قاسياً وحرروا أرضهم من الصهاينة، نحن نعتز ونفتخر بهم لأننا مسلمون.
الانتقاد/مقابلات ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006