ارشيف من : 2005-2008
المجتمع الدولي بين ترسانة "اسرائيل" النووية وتكنولوجيا ايران السلمية

عدنان حيدر أحمد
على الرغم من تأكيد ايران الدائم أن سعيها إلى استخدام التكنولوجيا النووية هو لأهداف سلمية ولتأمين مصادر الطاقة كبديل عن النفط، الأمر الذي لا يتناقض مع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ولا مع توجهات ومبادئ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الا ان الادارة الاميركية تنشط لتشكيل حشد دولي ضد المساعي الايرانية، وعمدت إلى تحويل الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي تمهيداً لفرض عقوبات دولية على ايران التي انتهكت، حسب ادعاءات واشنطن، تعهداتها الخاصة بالحد من انتشار الأسلحة النووية، بإخفاء معلومات ونشاطات نووية وعدم شفافية برنامجها النووي.
من خلال تتبع مواقف الدول المعنية بأزمة الأسلحة النووية تبدو جلية نقطة الخلاف: فالغرب يعتبر أن نشاط ايران النووي خطر، لأنه يضعها على العتبة التي يمكن الولوج منها إلى الشق العسكري، أما إيران فلا تخجل في القول إن لها الحق بامتلاك التكنولوجيا النووية الكاملة مع التزامها ضوابط وكالة الطاقة.
أمام هذين الموقفين المتناقضين يجري كل طرف مشاورات حثيثة لكسب تأييد أكبر عدد من الدول التي تؤثر في مجريت الأزمة لا سيما في مجلس الأمن.
وإذا كانت ايران تسلك المنهجية الدفاعية عن أحقيتها في استخدام التكنولوجيا إلا أنها تملك أوراقاً من شأنها أن تعزز موقفها في الساحة الدولية، في الوقت الذي تشكل "اسرائيل" التهديد الأكبر في المنطقة كونها الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك سلاحاً نووياً، وترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولا تقيم أي صلة مع وكالة الطاقة الدولية، ما يشكل انعداماً للتوازن في التسلح، وهذا ما تسعى اليه اميركا لتثبيت معادلتها في المنطقة بإقامة جيش نووي اسرائيلي مقابل شرطة عربية.
فحتى الآن تملك "اسرائيل" 200 رأس نووي، كما زودتها واشنطن بخمسة آلاف قنبلة باستطاعتها أن تدمر تحصينات على عمق بين 10 ـ 20 متراً تحت الأرض، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً لدول المنطقة العربية وايران. فنائب الرئيس الاميركي ديك تشيني جدد تأكيد "دعم اسرائيل بكل السبل بما فيها العسكرية، وأن أي ادارة اميركية ستلتزم هذا الموقف بغض النظر عن صبغتها الحزبية". وهذا ما شجع الكيان الصهيوني على اطلاق التهديدات المتتالية ضد ايران، حتى أن أرييل شارون رئيس الحكومة الاسرائيلية الداخل في غيبوبة، وفي احدى زياراته لواشنطن، أكد للرئيس الاميركي جورج بوش "اذا كان المفاعل النووي الايراني سيشكل خطراً علينا فإننا سنضرب طهران ولن نستشيركم".
في هذا الوقت تم تسريب استطلاع للرأي في الكيان الصهيوني الى وسائل الاعلام يزعم ان 49 بالمئة من الصهاينة يؤيدون توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية، مذكراً، أي الاستطلاع، بضرب "اسرائيل" للمفاعل النووي العراقي عام 1981، حتى ان صحيفة صاندي تايمز البريطانية، وفي اطار الضغوط على ايران، تحدثت مؤخراً عن "ان اسرائيل أنهت خطتها السرية لشن هجوم على أهداف نووية ايرانية بعد اخفاق الدبلوماسية الأوروبية، وعودة التيار "المتشدد" بقيادة أحمدي نجاد. وفد انجزت التدريبات العسكرية الاسرائيلية بواسطة طائرات "أف ـ 16" بعد جمع معلومات من قاعدة سرية في شمالي العراق" تقول الصحيفة البريطانية. هذه التهديدات ترافقت مع مواقف للادارة الاميركية من شأنها التأثير على الموقف الايراني والدول المساندة له. فإذا كانت واشنطن تتلطى خلف الدعوة لإرساء "الديمقراطية" في العالم عن طريق نظرية الفوضى الخلاقة، فإنها لا تخفي حقيقة مشروعها في الهيمنة الاستعمارية بزعم "السلام العالمي" الذي تنشده. غير أن هذه الأكاذيب والادعاءات لم تعد تنطلي على أحد، ولا سيما أنها تعتمد سياسة الكيل بمكيالين في تعاطيها مع الدول التي تعارض سياستها.
فهي لم تقنع روسيا بالانضمام الى موقفها، حيث يؤكد رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم العسكرية محمود غارييف أنه "اذا تعرضت ايران لضغوط عسكرية لن تؤيدها روسيا، فإيران تريد أن تعيش مثلما يعيش الجميع، ولماذا لم يعترض أحد على امتلاك "اسرائيل" للسلاح النووي؟" حتى أن نائب رئيس الأكاديمية الروسية للقضايا الجيوسياسية ليونيد ايفاشوف يعترف لإيران "بحقها في الحفاظ على أمنها، فهناك دول تهددها وتأتي في مقدمها الولايات المتحدة الاميركية، وهناك ترسانة نووية اسرائيلية، واذا صنعت ايران رأساً نووياً فهذا لا يعني انها ستستخدمه".
وأعلنت الصين موقفها من التهديدات الاميركية والاسرائيلية في أن "أي سلوك غير عقلاني سيؤدي الى مواقف غير ملائمة في المنطقة".
وعلى الرغم من هذه الاشارات الواضحة، استمرت الادارة الاميركية في ضغوطها على ايران من الباب العربي بهدف احداث الوقيعة بين الدول العربية وايران، وخصوصاً مع دول الخليج، فهي سعت بقوة لأن تتضمن قرارات القمم العربية، وقرارات مجلس التعاون الخليجي بنوداً تدعو ايران لإزالة "أسلحة الدمار الشامل" ووقف تجاربها النووية، لكن هذه المساعي فشلت أمام تأكيد كل قرارات جامعة الدول العربية، بدعم واضح من مصر والسعودية وسوريا، على إزالة كل أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية من كل المنطقة وفي طليعتها "اسرائيل"، كذلك فشلت واشنطن في التأثير على الاجتماع الأخير لمجلس التعاون الخليجي لأن يتضمن بيانه الختامي دعوة ايران لوقف برنامجها النووي، مؤكداً الموقف العربي بشمولية نزع الأسلحة المدمرة، وفي المقدمة نزع السلاح النووي الاسرائيلي. وتجدر الاشارة هنا الى أن أبرز الخلافات بين مصر واميركا هي في إصرار الأولى منذ خمسة عشر عاماً على دعوتها الى ضم "اسرائيل" الى معاهدة نزع أسلحة الدمار الشامل.
هذه المواقف، الدولية والعربية، شجعت ايران "على استئناف العمل البحثي عن الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم لأغراضها المختلفة "كما يقول الرئيس الايراني أحمدي نجاد في أوائل هذا العام"، باعتبار أن ايران "ليست مسؤولة عن أمنها القومي وحده، بل وعن الأمن القومي لحلفائها".
كما أنه "من غير المقبول أن تكون لدول أوروبية وللولايات المتحدة الاميركية محطات نووية تسيطر هي بنفسها على وقودها ولا يكون لإيران الحق في ذلك"، فهذا "الأمر مخالف للمنطق وللقواعد الدولية ولمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية"، على رأي الشيخ حسن روحاني، المسؤول البارز في الملف النووي الايراني.
إلا أنه، تحسباً لأي تغيرات وتقلبات في الظروف الدولية، لأي عقوبات اقتصادية قد يفرضها مجلس الأمن الدولي، بضغط رئيسي من الولايات المتحدة الاميركية ومعها الاتحاد الاوروبي و"اسرائيل"، "بدأت ايران بالفعل تحويل أرصدتها المالية في البنوك الغربية الى دول شرق آسيا، واتخذت خطوات لتحويل احتياطي النقد الأجنبي الخاص بكل القطاعات بما فيها قطاع البترول الى بنوك آسيوية" كما أكد رئيس البنك المركزي الإيراني ابراهيم شيباني. وحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن ايران تحتفظ بنحو 36 مليار دولار في بنوك أوروبا، وتضيف الوكالة أن سحب هذه الأرصدة من شأنه خلق اهتزاز في الأسواق المالية العالمية.
أمام هذه المواقف المتصاعدة، هل باتت المواجهة العسكرية محتمة، على الرغم من الآثار السلبية التي ستتركها على العالم أجمع؟
مصادر مطلعة، تستبعد هذا الأمر، بعد الاقتراح الأخير الذي تقدمت به موسكو، ويقضي بتخصيب اليورانيوم الايراني على الأراضي الروسية، وهذا ما اعتبرته ايران "يشكل أساساً للتفاوض، وإن كان لا يلبي جميع احتياجاتها من الطاقة النووية". ورأى الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الايراني ومسؤول الملف النووي علي لاريجاني "ان الروس جاؤوا بالفكرة وأنا أؤيدها".
وفي كلمة أخيرة، لا بد من القول اننا من دعاة عالم خال من الأسلحة النووية الفتّاكة نظراً لخطرها على العالم أجمع ولا سيما أن أمثولة هيروشيما اليابانية التي ألقت عليها الولايات المتحدة الاميركية أول قنبلة ذرية في العالم في 6 آب 1945، والثانية بعد ثلاثة أيام، اسقطتها الحاملة الاميركية على ناغازاكي ما أدى الى مقتل مئات الالاف من البشر، اضافة الى التدمير الوحشي الذي تعرضت له هاتان المدينتان. لكن ما يثير الدهشة والاستغراب موقف المجتمع الدولي من الادارة الاميركية التي تكرس سياسة المعايير المزدوجة في تعاطيها بالسياسة الخارجية، تحقيقاً لأغراضها الاستعمارية بالسيطرة على مقدرات الدول التي لا تتماشى وسياساتها، تحت عناوين إرساء "الديمقراطية" ومحاربة "الارهاب" وتحقيق "السلام العالمي".
واذا كانت اميركا تسعى لتحقيق مصالحها في العالم، فأين هي مصالح المجتمع الدولي؟ وأين هي المبادئ الداعية لإقامة السلام العالمي؟ ولنفرض أن إيران تتجه الى صنع قنبلة نووية، فلماذا لا يضغط هذا المجتمع الدولي لإشراك "اسرائيل" في موضوع السلاح النووي، ويسحب "الحجة الايرانية"؟ فبهذا يمكن أن تتساوى المعايير أقله في بلاد الشرق بعد أن تأكدت واشنطن والعالم من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل المزعومة.
على أية حال الملف النووي يُدفع به الى المنطقة الحرجة، حيث لوّحت الإدارة الاميركية بالخيار العسكري على لسان وزير الحرب دونالد رامسفيلد لصحيفة "هاندلسبلات" الاقتصادية الألمانية وغيره من المسؤولين.
لكن هل تغرق واشنطن في مستنقع آخر بعد العراق؟ وهل بإمكانها تحمل المزيد من الخسائر البشرية والمادية؟ أم سينتصر الخيار السلمي بالتدخل العادل من المجتمع الدولي؟
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006