ارشيف من : 2005-2008
قمة الخرطوم: مواجهة تحديات استثنائية

توفيق المديني
تستأثر القمة العربية التي ستعقد بعد أيام قلائل باهتمام الوسطين السياسي والإعلامي في العالم العربي، في حين لم تكن القمم من قبل تلقى أي اهتمام يذكر باستثناء بعض المؤتمرات التي انعقدت في ظروف استثنائية، مثل مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 1967، وقمة بغداد 1978 التي قررت إقصاء مصر، وقمة القاهرة عام 1990 التي التأمت إثر الغزو العراقي للكويت.
وقد أعلنت الحكومة السودانية إنجازها ترتيبات كبيرة لاستضافة مؤتمر القمة العربية الثامنة عشرة الأسبوع المقبل، وقالت إن اثنين فقط من الملوك والرؤساء العرب اعتذرا حتى الآن عن عدم الحضور. وشددت على أن المؤتمر لن يكون للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وأكدت أن إجراءاتها الأمنية خلال القمة عالية المستوى، مستفيدة من بنى تحتية وفرتها القمة الأفريقية في يناير/ كانون الثاني الماضي. ورصدت الحكومة السودانية مبلغا لاستضافة القمة قُدر بنحو 13 مليون دولار، كما جهزت 40 "فيلا" رئاسية للرؤساء والملوك الذين اطمأنت وفود رسمية الى تجهيزاتها.
ولا شك في أن المطروح للبحث هو أزمات وقضايا معقدة ومتشعبة تراوح بين الوطني والقومي والإقليمي والدولي، اضافة الى مستجدات القضية الفلسطينية بكل مفاعيلها. ويتضمّن مشروع جدول أعمال القمة 22 بنداً، تشمل مختلف قضايا العمل العربي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها تقرير رئاسة القمة (الجزائر) حول متابعة تنفيذ القرارات. ويتضمّن مشروع جدول أعمال القمة أيضاً تقرير الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حول العمل العربي المشترك، خاصة التحدّيات والإنجازات بين أعوام 2001 و2006 في فترة تولّيه مهامه.. إضافة إلى تقريره حول متابعة مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي.
ويتضمّن جدول الأعمال بنداً حول انتخاب الأمين العام للجامعة العربية في ضوء ترشيح مصر لموسى فترة جديدة تستمر خمس سنوات ابتداءً من منتصف أيار/ مايو 2006.
وستهيمن على قمة الخرطوم العتيدة ثلاثة ملفات رئيسة:
الملف الأول هو الملف الفلسطيني بعد فوز حركة حماس واستمرار الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوط على الفصائل الفلسطينية الأخرى لمنعها من المشاركة في الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس، بينما يستمر الكيان الصهيوني في تحريض الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" على مواجهة الحركة وتنفيذ الصلاحيات الممنوحة له بإقالة رئيس الوزراء.
القمة العربية في الخرطوم مطالبة باتخاذ موقف موحد لجهة الاعتراف بحماس وإقرار التعامل مع سلطة فلسطينية تمثلها، ثم الانتقال لاحقا الى تقديم الدعم اللازم لها على الصعد كافة، وعدم الرضوخ للضغوط الرامية الى حصارها وقطع الإمدادات والمساعدات عنها، وإحباط الخطة الإسرائيلية لإسقاطها.
وسوف تمارس القمة العربية ضغوطا كبيرة على حماس لجهة إقناعها كسلطة بالتعامل إيجابا و"بروح واقعية" مع الحقائق الدولية، والاتفاقيات المبرمة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل"، والامتناع عن "إعطاء ذرائع وحجج يستغلها العدو الصهيوني للتملص النهائي من عملية السلام" برغم أن شارون دفنها منذ سنوات.
ويمكن أن تشكل "مبادرة السلام" للملك عبد الله بن عبد العزيز التي أقرتها قمة بيروت مخرجا لحماس في هذا الصدد.
الملف الثاني هو المشهد السياسي العراقي الذي يعيش أوضاعا صعبة ومعقدة بسبب تفاقم التوتّر بين مختلف مكوّنات المجتمع الناجم عن اغتيالات المرجعيات الدينية، والهجوم على عدد كبير من المساجد في مناطق مختلفة من العراق، والتفجير الذي تعرض له ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (ع) في سامراء، والذي شحن النفوس القلقة التي تعيش أوضاعاً غير مستقرة منذ سنوات عدة، في ظل مخاوف من حصول المزيد من الاضطراب بتوسيع دائرة الانفجار.
وسوف تعمل القمة العربية على تبني فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية يحكم العراقيون عبرها أنفسهم لنزع ذرائع استمرار الاحتلال الأميركي، وكمخرج لوأد الفتنة الطائفية، وبالتالي لمنع اندلاع حرب أهلية في العراق لن تقتصر شظايا انفجاراتها على العراق، بل سوف تطال الدول المجاورة والمنطقة بأسرها ما لم تحاصر مخاطرها ويُبحث لها عن حلول نهائية وفورية. فالفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية تطل برؤوسها الجهنمية علينا جميعاً، وتهدد بتفتيت العراق وتهديد المصير العربي.
الملف الثالث هو أزمة العلاقات السورية ـ اللبنانية. ففي ظل النجاح الجزئي لمؤتمر الحوار الوطني وعدم اتفاق مختلف الأطراف اللبنانية، سلطة ومعارضة، أكثرية وأقلية، على مشروع وطني موحد، سوف تعمل قمة الخرطوم على تفعيل المبادرة السعودية ـ المصرية لنزع فتيل التوتر بين سورية ولبنان أولاً، والبحث عن حلول للأوضاع الداخلية اللبنانية لضمان عدم حدوث تدهور أمني، مع تحقيق توازن عقلاني في قضية معالجة الملفات المفتوحة ونتائج التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ثانياً.
وتشكل هذه الملفات الثلاثة تحديات كبيرة للقمة العربية، ولا يوجد عربي واحد يملك آمالاً عِراضاً ـ ولو على سبيل التوهم ـ لجهة قدرة قمة الخرطوم على إيجاد حلول واقعية لها. ولهذا السبب بالذات لا يمكن التفاؤل كثيرا في قرارات القمة، برغم أن هناك عدة أمور لا تنتظر التأجيل ولا التأويل. وأولها وأهمها قضيتا فلسطين والعراق. فالوضع في العراق مخيف، وسواء أحدثت الفتنة الداخلية أم لم تحدث، فلا شك في أن الإرادة المشتركة غير موجودة.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006