ارشيف من : 2005-2008
الملف النووي الايراني بعد احالته الى مجلس الامن :صراع ارادات

طهران ـ محمد محسن
تسارعت وتيرة الأحداث على صعيد الملف النووي الايراني بعد إحالته إلى مجلس الأمن وفشل المجلس في جلساته المتعددة الرسمية منها وغير الرسمية في الوصول الى قرار يحظى بإجماع الاعضاء الخمسة الدائمي العضوية، والذين انضمت اليهم ألمانيا في الجلسة الأخيرة.
أهم محاور الخلاف الحالي بين الاعضاء الدائمين في مجلس الامن حول مشروع القرار يمكن اختصارها في النقاط التالية:
1- مسألة الوقت والمهلة الزمنية التي ينبغي ان يحددها القرار لتعليق الانشطة النووية، ففي حين تصر الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا على مهلة الأسبوعين، يدفع الثنائي الروسي الصيني نحو مدة ستة أشهر كحد أدنى، ويعتبر كلام المحور الاميركي عن أسبوعين غير عملي وغير واقعي.
المندوب الروسي في مجلس الامن "اندريه دنيسف" قال قبل الجلسة الأخيرة التي شاركت فيها المانيا: لنفترض أن الأمور سارت كما يقترح الاميركيون وحلفاؤهم فماذا سيحدث بعد أسبوعين؟
يجيب ساخراً: بهذه السرعة ينبغي ان تقصف إيران قبل شهر حزيران/ يونيو! إن روسيا لا يمكنها أن تمر على هذا الاقتراح مرور الكرام.
2- المسألة الأساسية الثانية هي المرجع الذي ينبغي أن يصدر إليه التقرير بعد أن تنتهي المهلة الزمنية، هل هو مجلس الأمن أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهنا يصر الروس والصينيون على أن الوكالة هي المرجع المخوّل والصالح لمتابعة التقارير، وأن إحالة الملف إلى مجلس الأمن وما رافقها من ضغوط وتسييس لا ينبغي أن تخرج القضية من إطارها الفني.
وهنا يركز المسؤولون الإيرانيون وخاصة رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد، على دعوتهم الوكالة الدولية الى إثبات استقلاليتها، والحد الأدنى من الحيادية وعدم إراقة ما تبقى من ماء وجهها كرمى للضغوط الاميركية والغربية.
وعلى هذا الصعيد تدعو روسيا والصين مجلس الأمن إلى مساندة الوكالة الذرية في عملها، فيما يريد المحور الاميركي للمجلس ان يتحرك مستقلا ومستفردا بالملف كغطاء للهجوم الاميركي المستمر على ايران.
3- النقطة الخلافيه الثالثة هي الأسلوب الذي قدم به محمد البرادعي تقريره، والذي يظهر منه تأثير الضغوط لإظهار شكوك حول صبغة عسكرية للنشاط النووي الايراني بدون دليل مقنع مع إشارات إلى تعاون إيراني مع الوكالة، وهو ابقاء لحالة عدم التوازن في عمل الوكالة التي تطالب ايران بإجراءات تفوق بأضعاف ما ورد في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مع أن إيران التزمت طوعاً، بينما تستثنى دول اخرى ومنها كيان العدو كونها لم توقع المعاهدة.
المسؤولون الإيرانيون مع متابعتهم الهادئة والمتأنية لمجريات الملف الساخن يركزون على عدة محاور ومستويات للعمل السياسي والديبلوماسي يمكن الاشارة الى أهمها باختصار:
أولاً : التأكيد على حق ايران الثابت في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، واعتبار هذا الامر من الثوابت الوطنية التي لا تقبل المفاوضات، ولا تتأثر بأي ضغوط أو مساومات كما أكد قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي في خطابه الاخير في يوم النيروز في مشهد الإمام الرضا لمناسبة العام الشمسي الجديد، مشيراً إلى أن الشعب لا يسمح لأي مسؤول بالتنازل عن هذا الامر مهما بلغت التهديدات والضغوط الاميركية، مذكراً أن الشعب الإيراني قد جرب مراراً قرارات لمجلس الأمن تخالف المصالح الوطنية، ولم يقبلها، وهو سيستمر في المقاومة معتمداً على التلاحم القوي بين الشعب الايراني وحكومته.
ثانياً: الاستعداد لمواجهة دبلوماسية تمثلت في استدعاء السفراء الايرانيين السياسيين في العالم في مؤتمر ولقاء مع الامام الخامنئي اكد فيه انه لا مجال للتراجع في المسألة العلمية النووية للأغراض السلمية، وعلى السفراء إبلاغ هذه الرسالة بأفضل الوسائل وأكثرها فعالية.
وزير الخارجية الايراني منوتشهر متقي اكد ان مواقف ايران واضحة وشفافة وقوية، وأمل أن يصل مجلس الأمن إلى قرار منصف وعادل وغير متحيز، مشيراً إلى تقدم المفاوضات مع الطرف الروسي حول تخصيب اليورانيوم بشكل مشترك بشرط أن يتم على الأراضي الايرانية.
ثالثاً: التنسيق والتعاون مع الحلف الصيني ـ الروسي الذي تكلل بـ29 اتفاقية مشتركة بين الرئيسين الروسي والصيني في مواجهة الاختراقات الاميركية في الهند واستراليا واليابان على سبيل المثال لا الحصر.
وترى روسيا والصين ان الفرص متاحة لحل سلمي للمسألة النووية الايرانية تحت سقف الوكالة الذرية.
الناطق باسم الخارجية الصينية صرح ان المقترحات الروسية التي تتبناها الصين هي الامل بالخروج من الطريق المسدود لهذه الازمة.
رابعاً: التنسيق مع دول المنطقة، حيث تنشط الدبلوماسية الايرانية في مواجهة الضغوط والتهويل الاميركي.
فالسعوديون أعلنوا على لسان السفير في واشنطن تركي الفيصل انهم يجرون مباحثات حساسة مع ايران حول الملف النووي واحتمالات تطوراته المستقبلية. والجار التركي رجب طيب اردوغان أعلن بوضوح ان القوة النووية لايران لا تشكل خطرا على بلاده، بل هي حق مسلّم به لكل البلدان، منتقدا ازدواجية المعايير الغربية في هذا المجال، وكذلك باكستان المستاءة من التعاون الاميركي النووي مع الهند فقد اعلن وزير خارجيتها خورشيد قيصري ان اميركا تقوم بتمييز عنصري نووي، منددا بأي عمل عسكري ضد ايران، ومشيراً إلى محادثات رفيعة المستوى يقوم بها مع المسؤولين الايرانيين لانضاج حل سلمي للملف النووي الايراني في اطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي اتهم اميركا والهند بخرقها في اتفاقهما الاخير.
خامساً: الإعلام الإيراني الداخلي وبرغم جو العطلة السائد لمناسبة رأس السنة الايرانية وأربعين الامام الحسين(ع) فقد أفرد مساحة واسعة للمسألة النووية في جهد لتعبئة الرأي العام والإشعار بأهميتها والتأكيد على الثبات والاستقلالية وعلى استطلاعات الرأي التي أشارت إلى دعم الشعب لحق إيران النووي السلمي، وتجلى ذلك الدعم في المسيرات المليونية وفي آراء النخب الجامعية والحوزوية وغيرها. وقد ربطت وسائل الاعلام هذه بين نهضة تأميم النفط التي قادها مصدق في الخمسينات والتي مرت ذكراها الأسبوع الماضي وأحدثت نقلة نوعية في الاقتصاد والسياسة والمجتمع الايراني حينها، وبين الاستخدام السلمي للطاقة النووية الذي سينقل ايران الاسلامية نقلة نوعية أكبر وأهم في زمن كثر فيه الحديث عن نضوب المنابع النفطية في المدى المنظور.
من هذا المنطلق يأتي الرد الإيراني على الكلام عن الحصار الاقتصادي والتهديدات بابتسامة مشفوعة بكلام الامام الخامنئي: "نحن محاصرون منذ انتصار الثورة، ولعل كثيراً من الإنجازات الاقتصادية والعسكرية والاكتفاء الذاتي لم يكن ليتم لولا الحصار والمقاطعة الاميركية".
أما المسؤول الأول عن الملف النووي أمين سر مجلس الامن القومي علي لاريجاني ـ الذي يسخر من اميركا ومن منطقها القائل "أنا أفتعل المشاكل إذاً أنا موجود" بدل منطق الفيلسوف ديكارت "أنا أفكر إذاً أنا موجود" ـ فيقول "إننا أعددنا خططا لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة من الضغط الاقتصادي والحرب النفسية الى المواجهة العسكرية، وهذه الخطط لن تكون دفاعية فقط".
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1154 ـ 24 آذار/مارس 2006