ارشيف من : 2005-2008
هل يحسم تشكيل مجلس الامن الوطني مأزق العملية السياسية في العراق؟

بغداد ـ عادل الجبوري
من غير الواضح حتى الآن ما اذا كان توصل الفرقاء السياسيين العراقيين الى الصيغة النهائية لتشكيل مجلس الأمن "الوطني"، أو ما سمي بالهيئة السياسية للامن الوطني، قد حسم الجزء الأكبر أو الأهم من الخلافات والاختلافات بشأن تشكيل الحكومة المقبلة وبرنامجها السياسي، فضلا عن هوية من يترأسها أم لا.
من خلال التصريحات التي أدلى بها عدد من السياسيين الذين يمثلون القوى السياسية الرئيسية المعنية برسم معالم وملامح المرحلة القادمة لا يبدو أن حسم موضوع المجلس المذكور قد أحدث تحولاً نوعياً في مسيرة المفاوضات الماراثونية الشاقة، ولا سيما ان الكل يؤكدون انه لم يتم خلال كل اجتماعات ومفاوضات الفترة الماضية التطرق من بعيد أو قريب إلى مسألة مرشح الائتلاف العراقي الموحد لرئاسة الحكومة المقبلة، هذا في الوقت الذي يعتبر فيه أكثر من طرف انه بدون تجاوز مأزق مرشح رئيس الحكومة بطريقة مرضية ومقبولة لكل الفرقاء فإن حلحلة حقيقية للتعثر في العملية السياسية لن تتحقق البتة.
وبالنسبة لتشكيل مجلس الأمن الوطني الذي اعتبره البعض خطوة مهمة وفاعلة باتجاه الوصول إلى حلول توافقية تجنّب الجميع السير بطرق موصدة على الصعيد الآني ـ المرحلي، إلى جانب توسيع دائرة المشاركة الفعلية باتخاذ القرارات وصنع السياسات العامة للبلاد على الصعيد الاستراتيجي ـ المستقبلي، فإن فريقاً آخر من المحللين السياسيين يعتبر ان الاتفاق على الاطر والهياكل العامة لا يعني الشيء الكثير بقدر ما يمثل حسم الجزئيات والتفاصيل، التحدي الاكبر امام الاطراف المعنية بالامر، وخصوصا ان تلك الاطراف محكومة بضغوطات الوقت والسقف الزمني في الدستور الدائم.
والمجلس سيتألف، مثلما ذكر عضو البرلمان العراقي ورئيس كتلة المستقلين في كتلة الائتلاف الموحد الدكتور حسين الشهرستاني، من مجلس رئاسة الدولة (رئيس الجمهورية ونائبيه)، ورئيس الوزراء ونائبيه أو نوابه، ورئيس مجلس النواب (البرلمان) ونائبيه، الى جانب رؤساء الكتل البرلمانية الكبرى والاحزاب، دون أن يتم تشخيص الحد الادنى لحجم الكتلة البرلمانية التي يمكن أن يكون رئيسها عضوا في المجلس. وستكون مهامه وصلاحياته وبالتالي قراراته، أي المجلس، محكومة بأطر وضوابط الدستور الدائم، أي انه اذا كان أي قرار من قراراته يحتاج الى تشريع دستوري فإنه يحول الى مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، واذا كان القرار لا يحتاج الى تشريع دستوري بل الى اجراءات تنفيذية فحينئذ يحول الى مجلس الوزراء.
وفي مقابل كل ما قيل وذكر فإن هناك جملة اشكاليات عملية وواقعية تواجه ترجمة فكرة مجلس الامن الوطني الى واقع عملي على الارض، علما ان سياسياً مطلعاً على مجريات الأمور طلب عدم ذكر اسمه اكد انه لم يتم الى الان الاتفاق على التسمية النهائية للمجلس.
من هذه الاشكاليات:
- كيفية اختيار رئيس لذلك المجلس، وهل تكون الرئاسة ثابتة ام دورية، وما هي مدتها.
- مطالب كيانات سياسية معينة تمثل جزءا من الكتل البرلمانية الكبيرة بأن يكون لها تمثيل في المجلس الجديد.
- الى جانب مطالب كيانات سياسية تمثل اتجاهات قومية أو دينية أو مذهبية ـ أقليات ـ بأن يكون لها حضور أو تمثيل انطلاقا من مبدأ حقها في المشاركة بصنع سياسات البلاد الاستراتيجية.
- هناك قوى سياسية لم تنجح برغم ما يتمتع به زعماؤها من حضور سياسي في الساحة السياسية بدخول البرلمان ستطالب على الارجح بشغل حيز في فضاء المجلس، منطلقة من فكرة ان هذا الاخير لا يمثل سلطة تشريعية ولا هو جزء منها، وبالتالي فإنه من الممكن توسيع نطاقه ليستوعب من هم في البرلمان ومن هم خارجه.
- وقد تكون الاشكالية الاهم، هي الجهة التي تصادق على تشكيل المجلس وتقره، هل هي مجلس النواب الجديد؟.. وكيف سيتم ذلك؟
وطبيعي ان معالجة وحسم كل تلك الاشكاليات يحتاج الى ابحاث ونقاشات مستفيضة قد لا تنتهي خلال وقت قصير، الا في حال افترضنا انها غير مرتبطة بملفات ـ أو إشكاليات ـ أخرى من قبيل موضوع تشكيل الحكومة، وهذا ما يدور حوله همس غير قليل هنا وهناك، ناهيك عن الحديث عنه بعلانية وصراحة في الشارع.
وفي هذا السياق فإن الاتجاه التحليلي السائد هو أن الائتلاف العراقي الموحد بات أكثر تحمسا، وتخلى عن بعض تحفظاته بشأن تشكيل المجلس المفترض لتجنب مأزق رفض مرشحه لرئاسة الحكومة، والكتل الاخرى مثل التحالف الكردستاني وجبهة التوافق والقائمة العراقية ترى أن ذلك المجلس سيساهم في اختزال صلاحيات رئيس الوزراء لمصلحة هيئة تتألف من الزعامات السياسية الكبرى في البلاد، وقد يفهم هذا المعنى من خلال ما صرح به القيادي في الحزب الاسلامي العراقي وجبهة التوافق العراقية طارق الهاشمي حينما قال "إن جبهة التوافق تنظر الى هذه الهيئة بأنها من المشاريع التي فيها خلاص العراق من معاناته، وقد ابدى الجميع قدرا من المرونة لتأسيس مرجعيات سياسية جديدة من مختلف الاطياف تشارك في صنع القرارات المتعلقة بالشؤون المالية والامنية والسياسية".
وما يعزز هذا الاتجاه التحليلي هو أن جهات وشخصيات قريبة من رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري راحت تلمح الى ان المعترضين على ترشيح الاخير لولاية ثانية بدأوا يظهرون قدرا من المرونة ويغيرون مواقفهم باتجاه القبول بالجعفري، في ذات الوقت الذي يذهب اعضاء في كتلة التحالف الكردستاني والتوافق والعراقية الى ان موقف الكتل الثلاث من ترشيح الجعفري لم يطرأ عليه أي تغيير، وانهم بانتظار الرد على رسائلهم من قبل زعيم الائتلاف العراقي الموحد.
وفي تصريحاته التي اعقبت الاعلان عن تشكيل مجلس الامن الوطني حاول الرئيس جلال الطالباني ان يقلل من حجم المخاوف من الالتفاف على الدستور قائلا "ان كل الهيئات التي تم الاتفاق عليها هي ضمن الصيغ الدستورية، وان كل شيء يتعارض مع الدستور فنحن لا نعمل به، وان هذا لا يعني سحب البساط من الآخرين".
وبما ان العضوية في مجلس الامن الوطني الذي من المفترض ان يبلغ عدد اعضائه 19 عضوا ستكون وفق نسب التمثيل البرلماني فإن هناك من ينظر إليه على انه برلمان مصغر يتولى البت في القضايا المهمة والحساسة والخطيرة لعرضها على مجلس النواب الذي يتولى اعضاؤه التصويت عليها دون الاستغراق في بحثها ودراستها، باعتبار ان زعماء الكتل اقروها في مجلس الامن الوطني.
ولعل ما زاد من توجس المتخوفين هو الشائعات التي تسربت من بعض الاوساط من ان رئاسة المجلس ستوكل الى رئيس الوزراء العراقي السابق وزعيم القائمة العراقية اياد علاوي، وذلك في اطار المساعي الكردية والسنية لايجاد توازنات تمنع الائتلاف العراقي الموحد الذي يحظى بالاغلبية في البرلمان والحكومة من الاستفراد في القرار.
ولكن أياً تكن المعطيات على ارض الواقع، والفرضيات والاحتمالات والتأويلات، فإن هذا العنوان السياسي الجديد لا يخرج بأي حال من الاحوال عن مجمل تفاعلات العملية السياسية وتجاذباتها الحادة، سواء نظر فريق على انه لا يخرج عن مضامين وسياقات الدستور، أو رأى فيه فريق أنه نوع من الالتفاف عليه، أو كما يقول فريق آخر بأنه انتهاك وتجاوز مبكر له.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد1154 ـ24آذار/مارس 2006