ارشيف من : 2005-2008

استهداف الإعلاميين في العراق.. أكثر من طرف وأكثر من هدف

استهداف الإعلاميين في العراق.. أكثر من طرف وأكثر من هدف

بغداد ـ الانتقاد‏

في يوم الأحد التاسع عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، تلقى نقيب الصحافيين العراقيين شهاب التميمي اتصالا هاتفيا من مجهول قال له: "إما أن تترك النقابة أو أن تهيئ نفسك للموت".‏

والتميمي صحافي مخضرم يتجاوز السبعين من العمر، وكان من معتنقي الأفكار الماركسية ـ اليسارية فترة من الزمن.. ومع أنه لا يعد من الصحافيين البارزين في العراق، لكنه نجح في البقاء على قمة هرم نقابة الصحافيين برغم التجاذبات والتقاطعات الكبيرة في داخلها، والملاحظات والتقييمات السلبية لها من جهات عديدة من خارجها، وأظهر حرصا على النأي بالنقابة عن الاصطفافات السياسية المتنوعة في الساحة العراقية".‏

وإذا كان نقيب الصحافيين العراقيين قد تلقى تهديدا عبر الهاتف بالقتل، فإن زميلا له وأحد أعضاء النقابة لقي مصرعه أمام منزله في الثالث عشر من شهر آذار/ مارس الجاري في حي السيدية جنوب العاصمة بغداد، وهو محسن خضير رئيس تحرير صحيفة "ألف باء" الأسبوعية.‏

ومحسن خضير هو الآخر صحافي مخضرم بدأ العمل منذ منتصف القرن الماضي في وكالة الأنباء العراقية واستمر فيها ثلاثة عقود تقريبا، حيث كان رئيسا لقسم الأخبار المحلية فيها قبل أن يتركها في الثمانينيات ليلتحق بصحيفة "ألف باء" الأسبوعية حتى سقوط نظام صدام في التاسع من نيسان/ أبريل من عام 2003، فانزوى فترة من الزمن ليعود الى الظهور ثانية رئيسا لتحرير "ألف باء" التي نجح بمعاودة إصدارها بمنهج جديد ولغة أخرى تتناسب مع الأوضاع الجديدة.‏

وربما تكون الجهة التي قتلت هذا الأخير هي ذاتها التي هددت نقيب الصحافيين العراقيين بالقتل اذا لم يترك النقابة..‏

وأيا تكن الدوافع وراء التصفيات الجسدية للصحافيين العراقيين، فإنها بنظر البعض لا تخرج عن سياق مجمل الأوضاع الأمنية المضطربة في العراق، التي تزداد اضطرابا يوما بعد يوم بفعل عوامل عديدة.‏

وطبيعي ان قوات الاحتلال الأميركي تتحمل جزءا من المسؤولية عن إزهاق أرواح بعض الصحافيين العراقيين لأسباب قد تكون في جانب منها مقصودة، بينما القسم الأكبر من الضحايا الصحافيين يُقتلون بفعل أعمال إرهابية.‏

وتقول منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقريرها السنوي: "ان عدد الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام الذين قُتلوا في العراق حتى الآن يفوق عدد الذين قُتلوا خلال اثنين وعشرين عاما من النزاع في فيتنام".‏

وتشير المنظمة في تقريرها الى أنه منذ الحرب الأميركية ـ البريطانية على العراق في عام 2003 قُتل ستة وسبعون صحافيا، بينما قُتل ثلاثة وستون بين عامي 1955 و 1976 خلال النزاع في فيتنام.‏

وقد استندت المنظمة في تقريرها إلى معلومات من منظمة "منتدى الحرية" التي تدافع عن قضايا الصحافة.‏

ولعله من الملاحظ أن السنة الأخيرة شهدت تزايدا في حوادث قتل واختطاف الصحافيين والإعلاميين العراقيين أو العاملين في العراق لحساب قنوات فضائية تلفزيونية او صحف عربية وأجنبية.‏

ومن بين أبرز تلك الحوادث اغتيال مراسل قناة الحرّة الفضائية الأميركية في مدينة البصرة عبد الحسين خزعل مع ولده البالغ من العمر ثلاثة أعوام في التاسع من شباط/ فبراير 2005، واغتيال مراسلة قناة العربية في بغداد أطوار بهجت مع اثنين من زملائها حينما كانت عائدة من مدينة سامراء بعد تغطيتها تداعيات عملية تفجير مرقد الإمامين العسكريين في الثاني والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، وكذلك اغتيال مدير تلفزيون العراقية الحكومي أمجد حميد مع سائقه في حي الخضراء غربي العاصمة بغداد في الحادي عشر من آذار/ مارس الجاري.. وقبله بعدة أيام اغتيل مدير قسم الأخبار في قناة بغداد الفضائية التابعة للحزب الإسلامي العراقي منصف الخالدي.‏

ويرى مهتمون بالشأن الإعلامي في العراق ومسؤولون في وزارة الداخلية العراقية أن القسم الأكبر من حوادث قتل الإعلاميين ترتبط بدوافع سياسية لا تخرج عن سياق تصفية حسابات قديمة او جديدة، او لمنع نقل الحقائق القائمة على الأرض، او هي انعكاس وتعبير لحالة التشظي الطائفي والسياسي التي لا يمكن للمرء بأي حال من الأحوال انكارها او التغافل عنها.‏

فعلى سبيل المثال يقول البعض إن اغتيال رئيس تحرير صحيفة "ألف باء" ربما يرتبط بكونه من الذين عملوا فترة طويلة في وسائل إعلام النظام السابق التي كانت مكرسة بالكامل للتمجيد برئيس النظام والترويج له بمختلف الأساليب والوسائل.‏

في حين يعتقد هذا البعض ان تصفية مراسل قناة الحرّة عبد الحسين خزعل يرتبط بأحد الأمرين التاليين أو كليهما: الأول هو عمله في قناة تابعة لدولة محتلة وتسعى لتحسين وتلميع سياسات وممارسات قوات الاحتلال في العراق وإيجاد المبررات والذرائع المناسبة لها، خصوصا أنها تأسست بعد الاحتلال، وكان من بين أبرز الأهداف وراء تأسيسها هو الترويج لأطروحة الشرق الأوسط الكبير ولقيم الديمقراطية وفق الرؤية الأميركية.‏

والأمر الآخر هو ارتباطه السياسي بأحد الأحزاب السياسية الإسلامية ـ الشيعية.‏

بينما جاءت تصفية أطوار بهجت لأنها تعاطت مع حدث تفجير مرقد الإمامين العسكريين بطريقة لم ترق لأحد الفريقين، المؤيد للعمل أو المعارض والمندد له.‏

فقط مدير تلفزيون العراقية اتضحت الجهة التي كانت تقف وراء اغتياله، وهي تنظيم "مجلس شورى المجاهدين"، وهو يُعد أحد جماعات ما يسمى بالمقاومة المسلحة في العراق، والدافع وراء التصفية واضح للغاية وكشفت عنه الجهة المتورطة في بيان لها، ويتمثل بمنهج "العراقية" السلبي ومواقفها التحريضية ضد "المقاومة"، باعتبارها إرهابا يستهدف المدنيين الأبرياء.‏

وبينما يتعرض الإعلاميون العراقيون للتصفيات الجسدية، فإن الصحافيين الأجانب غالبا ما يتعرضون للاختطاف من قبل الجماعات المسلحة، وذلك إما للحصول على مبالغ مالية لقاء إطلاق سراحهم، او لإطلاق سراح موقوفين لدى القوات الأميركية، او للمطالبة بإنهاء الاحتلال. ولعله من بين النماذج على ذلك هو اختطاف الصحافية الأميركية جيل كارول قبل عدة شهور، إذ هددت الجماعة المسلحة التي اختطفتها بقتلها ما لم تطلق القوات الأميركية سراح جميع السجينات العراقيات في معتقلاتها.‏

وكذا الحال بالنسبة الى صحافيين من دول غربية غالبا ما توجه اليهم تهمة التجسس لمصلحة أجهزة استخبارات تلك الدول، وتحديدا الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) وجهاز الاستخبارات الإسرائيلية ـ "الموساد".. وهذا أمر غير مستبعد، لا سيما ان كثيرا من وسائل الإعلام الغربية تتبادل المعلومات وتتعاون مع أجهزة الاستخبارات. أضف الى ذلك ان الكثير من مراسلي وكالات الأنباء ومحطات التلفزة والصحف الأميركية واسعة الانتشار، غالبا ما يكونون ملازمين ميدانيا للتشكيلات العسكرية لقوات الاحتلال حتى يتمكنوا من الإحاطة بكل تفاصيل الأمور وجزئياتها.‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ الانتقاد1155 ـ 31 آذار/مارس 2006‏

2006-10-28