ارشيف من : 2005-2008
عفوية كانت أم مقصودة..القاهرة لا تستطيع التملص من تصريحات مبارك ضد الشيعة

بغداد ـ عادل الجبوري
سواء كان الموقف في العراق استنكاراً أو استياء أو رفضا أو استغرابا، فإن الآثار والنتائج والتبعات التي تركتها أو التي ستتركها تصريحات الرئيس المصري الأخيرة ضد الشيعة العراقيين ومعهم الشيعة الآخرون لن تختلف في المحصلة النهائية من حيث الجوهر والمضمون.
واللافت للنظر عند الوقوف على مجمل ردود الفعل العراقية ـ الرسمية والشعبية على حد سواء ـ والتأمل فيها بموضوعية وهدوء أن ردود الأفعال هذه انطلقت من قراءة معمقة للدور المصري في كل مفردات السياسة العراقية منذ مطلع عقد الثمانينيات، حين اندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية في ظل ظروف وملابسات سياسية معقدة وشائكة وخطيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي ارتبط معظمها بالتحولات الكبرى التي أحدثتها الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، وكذلك انطلقت من قراءة معقمة للدور السياسي لشيعة العراق وعموم الشيعة في القضايا الوطنية والقومية.
جانب من ردود الأفعال التي جاءت ضمن بيانات وتصريحات وخطب وكلمات تحدثت بكل وضوح وصراحة عن ملاحظات ومؤاخذات كثيرة على السياسة المصرية السلبية تجاه الشعب العراقي والايجابية حيال نظام صدام حتى بعد غزوه لدولة الكويت في صيف عام 1990 وانضمام مصر إلى التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت، هذا الموقف الذي كان واضحا للغاية لم يكن كذلك حينما اندلعت الانتفاضة الشعبية في أربع عشرة محافظة عراقية بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
وفيما بعد، وطيلة عقد التسعينيات والأعوام القليلة التي تلته، اتسمت السياسة المصرية حيال العراق ـ كسلطة وشعب ـ بالضبابية والغموض، لكنها في كل الأحوال كانت تصب في صالح النظام ـ السلطة على حساب الشعب.
ولعل الجهود الدبلوماسية المصرية لإعادة تسويق نظام صدام وفك العزلة الدولية والإقليمية عنه، وطبيعة تعاطي الإعلام المصري ـ الرسمي وغير الرسمي ـ مع معاناة الشعب العراقي أشارت إلى تلك الضبابية وذلك الغموض، أو قل بتعبير آخر الازدواجية السياسية.
ويمكن للذي يدقق في قوائم أسماء أصحاب كوبونات النفط العراقي أن يكتشف أن القسم الأكبر من هذه الأسماء هي لسياسيين وبرلمانيين وكتاب وصحافيين ورجال أعمال مصريين.
والاهتمام المصري الحقيقي بالشأن العراقي جاء متأخرا إلى حد كبير ومن خلال بوابة جامعة الدول العربية التي نجحت في عقد الاجتماع التحضيري لمؤتمر الحوار الوطني بمشاركة مختلف القوى والتيارات السياسية العراقية في مقر الجامعة بالعاصمة المصرية القاهرة في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وربما توقع الكثيرون ان القاهرة ستضطلع بدور فاعل ومؤثر في الشأن العراقي، خصوصا بعدما حضر الرئيس مبارك الاجتماع المشار اليه وألقى كلمة فيه اعتبرت ايجابية إلى حد كبير، وإمكانية لعب مثل ذلك الدور يرتبط بأكثر من عامل من بينها طبيعة العلاقات الجيدة بين القاهرة وواشنطن، وموقع مصر ومكانتها المؤثرة في الواقع السياسي العربي.
بيد أن تصريحات مبارك الأخيرة فرضت إجراء عملية إعادة نظر وتقييم لما يمكن أن تضطلع به القاهرة من دور في العراق، لأن تصريحاته ـ مثل ما قال أكثر من سياسي عراقي ـ تنطوي على نوع من التحريض لفئة معينة من المجتمع العراقي على فئة أخرى، وهذا شيء خطير وحساس للغاية، إلى جانب انه اعتبر أن النظام العراقي السابق كان قد نجح في ضبط الأوضاع والسيطرة عليها وكان بإمكانه الاستمرار بذلك لو اتسم بالعدالة.
أول مؤشرات إعادة القراءة هذه هو قرار الحكومة العراقية عدم المشاركة باجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي الذي عقد يوم الأربعاء الماضي (12 – 4 -2006) برعاية مصرية في القاهرة.
ومن المرجح أن يستتبع تلك الخطوة خطوة أخرى تتمثل في عدم تفاعل الأوساط والمحافل السياسية والشعبية العراقية مع دور مصري في مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في شهر حزيران/ يونيو المقبل في العاصمة بغداد استكمالا للاجتماع التحضيري الذي استضافته القاهرة قبل شهرين.
وأبعد من ذلك فإن بعض الجهات دعت إلى مقاطعة السلع والبضائع المصرية، وبالتالي قطع أو تقليص الروابط التجارية والاقتصادية بين العراق ومصر.. ومثل ذلك الإجراء لو حصل فإنه لا بد من أن يلحق ضررا كبيرا بعدد غير قليل من التجار ورجال الأعمال المصريين، سيما إذا عرفنا أن الأسواق العراقية تعج بأصناف مختلفة من المنتجات المصرية.
ويبدو أن صناع القرار السياسي المصري أدركوا حجم الخطأ الذي وقع فيه الرئيس مبارك، لذا فإنهم أوعزوا لوسائل الإعلام المصرية – لاسيما الرسمية منها - إلى إعادة بث ونشر تصريحات الرئيس مع حذف المقاطع التي تسببت في إثارة الأزمة، في محاولة لامتصاص ردود الفعل المتزايدة فإن التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الرئاسة المصرية سليمان عواد، والتي قال فيها "إن ما قصده السيد الرئيس هو التعاطف الشيعي مع إيران، وان ما تضمنه حديثه إنما يعكس قلقه البالغ من استمرار تدهور الوضع الراهن وحرصه على وحدة العراق وشعبه وعلى استعادة الهدوء وتحقيق الوفاق الوطني بين كل أبناء الشعب العراقي الواحد"، تبدو ـ تلك التصريحات ـ كأنها اعتذار واعتراف ضمني بخطأ مما حصل.
وتذكر الأزمة مع مصر ما حصل العام الماضي مع الأردن وتسبب في تأزم العلاقات العراقية ـ الأردنية إلى مستويات خطيرة على خلفية تصريحات استفزازية لملك الأردن حول الشيعة في العراق.
وبرغم أن هناك من يرى أن ما قاله مبارك عن ولاء الشيعة العراقيين وغير العراقيين هو لإيران أكثر من ولائهم لأوطانهم، كلام ارتجالي غير مقصود ولا محسوب بدقة، إلا أن آخرين يقولون "إن مبارك ردد العبارات والمزاعم نفسها التي يرددها التكفيريون السلفيون، وهي ليست مصادفة أو توارد خواطر".. ويقولون أيضا: إنها "جاءت متزامنة تقريبا مع إثارات أميركية جاءت على لسان السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زاد حول موضوع الحرب الأهلية في العراق".
لكن في كل الأحوال لا يمكن التعامل مع تصريحات خطيرة للمسؤول الأول في أكبر دولة عربية كما لو أنها كلام عابر لا يقدم ولا يؤخر، ولا يمكن له هو نفسه ولا السلطة التي يقف على رأسها التقليل من أهمية وخطورة ما قاله، إذا أراد لبلاده دورا في تطورات المنطقة وليس في العراق فقط.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
حزب الله وامل طالبا بتصحيح موقف مبارك
أصدرت قيادتا حركة "أمل" و"حزب الله" تعليقاً على الحديث الذي أدلى به الرئيس المصري حسني مبارك الى قناة العربية حول الشيعة في العالم العربي، البيان الآتي: "في الوقت الذي نعتز فيه بأخوتنا وصداقتنا للجمهورية الإسلامية الإيرانية, ونرى فيها عونا وسندا قويا للعرب والمسلمين جميعا في مواجهة التحديات والأخطار وفي خدمة القضايا الكبرى للعالمين العربي والإسلامي، فإننا نؤكد ان شيعة لبنان قد أخذوا شهادة بوطنيتهم ومصداقيتهم وإخلاصهم لوطنهم وشعبهم من التضحيات والدماء والجهود التي بذلوها في خدمة هذا الوطن وهذه الأمة. وإننا نأمل من الرئاسة المصرية تصحيح الصورة والموقف لما تمثله مصر من موقع ومن مقام في العالم العربي".
الانتقاد/ محليات ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006