ارشيف من : 2005-2008

حكومة الإنقاذ الوطني في العراق: انقلاب على خيار الديمقراطية

حكومة الإنقاذ الوطني في العراق: انقلاب على خيار الديمقراطية

بغداد ـ عادل الجبوري‏

في تصريحات صحافية له قبل أيام قلائل قال رئيس الوزراء العراقي السابق وزعيم القائمة الوطنية العراقية في مجلس النواب الجديد إياد علاوي "إن خيار تشكيل حكومة إنقاذ وطني قد يكون الحل لإنقاذ البلاد وانتشالها من الأزمة التي تعيشها الآن، باعتبار ان العراق يمر في مرحلة هي أسوأ من الحرب الأهلية".. مشيرا الى "ان تردي الوضع السياسي العراقي الراهن يضع البلاد والفرق السياسية الأخرى من أجل الخروج من هذه الأزمة أمام حلّين: إما تشكيل حكومة نابعة من البرلمان العراقي المنتخب، أو تشكيل حكومة لإنقاذ البلاد من المأساة التي تمر بها".‏

هذه التصريحات لا تخرج عن سياق ما شهدته وتشهده الساحة السياسية العراقية من تجاذبات وتقاطعات حادة منذ ما يقارب أربعة شهور حول تشكيل الحكومة الجديدة على ضوء انتخابات الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.‏

والسؤال هنا هو: ماذا تعني مثل تلك الدعوات؟ ومن هي الاطراف التي يمكن ان تكون وراء إثارتها وترويجها؟ ولماذا؟‏

أما لماذا؟ فإنه مما لاشك فيه ان التأخر الكثير والطويل لتشكيل الحكومة وعدم حسم كل القضايا المتعلقة بها، يمكن ان يكون قد فتح الباب واسعا لأطروحات من هذا القبيل، علما ان تداعيات الازمة السياسية أفضت الى جدل وسجال واسعين حول خياري الاستحقاق الانتخابي والاستحقاق الوطني "التوافقي"، ومن ثم طرح فكرة مجلس الأمن الوطني ـ القومي ـ التي ترجمت في نهاية المطاف على أرض الواقع بتشكيل المجلس السياسي للأمن الوطني المؤلف من تسعة عشر عضوا من الكتل البرلمانية التي تمتلك عشرة مقاعد او اكثر في مجلس النواب الجديد.‏

بعض المعنيين بالشأن السياسي العراقي اعتبروا ان فكرة تشكيل حكومة انقاذ وطني بدلا عن حكومة وحدة وطنية تنطوي على دلالات وأهداف سياسية قد تكون خطيرة على مجمل الوضع السياسي العام في البلاد، لأنها سوف تعيد الامور الى الوراء تماما. ويبدو ان مثل تلك الرؤية صحيحة الى حد كبير، سيما اذا عرفنا ان الكتلة التي طرحت الفكرة وتبنتها هي العراقية التي لا يتجاوز عدد مقاعدها في البرلمان خمسة وعشرين مقعدا، والتي لا يمكنها التأثير الحقيقي والفعلي في مسارات واتجاهات العملية السياسية الا بإنشاء تحالفات استراتيجية رصينة ومحكمة مع كتل اخرى.. وهذا ما يبدو صعبا الى حد كبير، وقد اتضح ذلك جليا بعد رفض جبهة التوافق العراقية بزعامة عدنان الدليمي ترشيح إياد علاوي لمنصب نائب رئيس الجمهورية.. علما بأن الكتلتين دخلتا في تحالف بعد ظهور نتائج الانتخابات، ناهيك عن تصديهما معا لمشروع تشكيل جبهة مرام (جبهة رفض نتائج انتخابات مجلس النواب الاخيرة).‏

وحظيت دعوة زعيم كتلة العراقية بتأييد ودعم كتلة جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك، التي حصلت على احد عشر مقعدا في مجلس النواب، حيث قال المطلك في تصريحات له: ان حكومة الإنقاذ الوطني هي الحل الأفضل في ظل هذا الوضع المعقد والشائك المحكوم بالنزعات الطائفية.‏

ومع ان قائمة التحالف الكردستاني وقائمة جبهة التوافق العراقية لم يبديا آراءً واضحة وصريحة ـ سلبية كانت او ايجابية ـ من دعوة علاوي، الا ان بعض السياسيين من القائمتين هددوا ضمنا بتبني خيار حكومة ـ او جبهة ـ الإنقاذ اذا لم يُسرع بحسم الامور وتحديدا موضوع رئاسة الوزراء. وقد لمح القيادي الكردي محمود عثمان الى "امكانية تشكيل "جبهة انقاذ وطني" من السنة والأكراد لحل أزمة تشكيل الحكومة التي يبدو انها ـ بحسب قوله ـ لا تحرك ساكناً وترجع الى نقطة الصفر".. مشيرا الى ان التحالف ما زال يرى ان الجعفري غير قادر على قيادة البلد في الظروف الحساسة.‏

وحده الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم أوضح موقفه الرافض لفكرة تشكيل حكومة انقاذ وطني، وجاء موقفه الواضح بعد معلومات أوردتها صحيفة الشرق الاوسط اللندنية ـ طبعة بغداد ـ في عددها الصادر يوم الاحد الماضي (16-4-2006)، قالت فيها "ان المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق قد يوافق على تشكيل حكومة إنقاذ وطني اذا ما كُلّف القيادي البارز فيه الدكتور عادل عبد المهدي بتولي رئاستها".‏

ونفى المجلس الأعلى على لسان مسؤول مكتبه السياسي رضا جواد تقي صحة المعلومات التي أوردتها "الشرق الاوسط"، معتبرا انها عارية عن الصحة، و"ان المجلس الاعلى يبذل جهودا من خلال الائتلاف لحل الازمة والإسراع في تشكيل الحكومة العراقية التي تشارك فيها الكتل البرلمانية الاساسية من دون استثناء، ودفع العملية السياسية خطوة الى الأمام".‏

وذهبت بعض وسائل الاعلام العراقية نقلا عن مصادر خاصة بها، الى ان الأميركان والبريطانيين يدفعون بطريقة او بأخرى لجعل فكرة تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني خيارا لا بد منه.. وإن منهج السفير الاميركي في بغداد زلماي خليل زاد في تعامله مع الفرقاء السياسيين العراقيين ربما يهدف الى توسيع شقة الاختلافات والخلافات في ما بينهم، وبالتالي الحؤول دون توصلهم الى مخرج مناسب للأزمة، سواء من خلال الاستحقاق الانتخابي او عبر الاستحقاق التوافقي.‏

والوصول الى طريق مسدود ـ وإن كان ذلك أمرا مستبعدا جدا ـ يعني البحث والقبول بأسوأ الاحتمالات والخيارات، مثل ما طرحه ودعاه اليه إياد علاوي.‏

والخطير في الأمر هنا هو ان تشكيل حكومة انقاذ وطني او ما يطلق عليه البعض "حكومة طوارئ"، هو في واقع الحال مثلما أكد عدد من القانونيين، انقلاب سلمي أبيض على العملية السياسية برمتها، لأنه سيعطل العمل بالدستور الدائم إن لم يلغه بالمرة، ويقفز على الانتخابات ونتائجها، حتى لو تشكلت حكومة الإنقاذ المفترضة وفق نسب توافقية تقترب او تتطابق مع ما حصل عليه كل طرف من الأطراف في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وبالتالي سيفرض حكم العسكر ويرسخ هيمنة قوات الاحتلال على كل مقاليد الأمور بدلا من ان يحصل العكس.‏

وهذا كله ـ لو حصل ـ سيوصل الى أسوأ النتائج وأكثرها كارثية، وسيجعل من الحرب الأهلية التي ما فتىء الاميركان وغيرهم يخوفون العراقيين منها، أمرا واقعا لا محالة.‏

الانتقاد/ اقليميات ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-28