ارشيف من : 2005-2008
بعد ثلاثة أعوام على التغيير وإسقاط نظام صدام :الى أين وصلت واشنطن؟ وإلى أين أوصلت العراق؟

بغداد ـ عادل الجبوري
ربما يتذكر الكثير من العراقيين ذلك الشاب الذي ظهر على عدة قنوات تلفازية أرضية وفضائية وهو يجيب بحماسة عن سؤال وُجه له عن رأيه بالأميركان والحرب التي شنوها على العراق للإطاحة بنظام صدام قائلا: "نحن كلنا أمريكان"!.
ومن غير الواضح الآن بعد مرور ثلاثة أعوام على سقوط نظام صدام أين هو الآن ذلك الشاب ـ الذي تلبّسته مشاعر الفرح والسرور بالتخلص من النظام الديكتاتوري الذي تسلط على رقاب العراقيين طيلة ثلاثة عقود ونصف العقد، إلى حد اعتبار كل العراقيين هم أمريكان ـ هل هو رازح في أحد سجون الاحتلال، ام أنه لقي حتفه بقذيفة مدفع أو سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة، أم أنه ما زال على قيد الحياة يبحث عن فرصة عمل وسط جيوش العاطلين الذين تغص بهم الشوارع والأرصفة والأسواق والمقاهي ومواقف السيارات؟!
أيا يكن مصيره، فإن الشيء المؤكد انه لو كان ذلك الشاب الحسن النية على الأرجح يدرك ما الذي سوف يحصل فيما بعد في ظل الاحتلال الاميركي للعراق، لتردد كثيرا قبل أن يقول ما قاله.
وإذا كانت الولايات المتحدة الاميركية قد فعلت شيئاً حسناً بنظر البعض، فإنها قامت بتخليصهم من نظام صدام، بيد انه في الوقت نفسه لا يجد الكثيرون صعوبة في الإجابة عن التساؤل التقليدي: "ولكن من الذي أوجد صدام وأتاح له أن يشن حربا دامية على ايران مدة ثمانية أعوام، ومن ثم يحتل دولة الكويت، وبعدها يقمع الانتفاضة الشعبية الواسعة عام 1991 بوحشية قلّ نظيرها في التاريخ؟".
قبل أسابيع قليلة صدرت عن أحد مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة إحصائية عن عدد القتلى من القوات الاميركية في العراق، حيث بلغ العدد خلال ثلاثة أعوام 1213 شخصا، وبرغم ان مثل ذلك العدد يعد كبيرا بالنسبة الى صناع وواضعي السياسات الاستراتيجية والمخططين العسكريين، لكنه يبقى في كل الاحوال أقل بكثير من عدد العراقيين الذين لقوا حتفهم بطرائق وأساليب ووسائل مختلفة خلال الفترة نفسها، لم تكن قوات الاحتلال بعيدة أو في منأى عن معظمها. بل هناك من يقول إنه لا يمكن مقارنة أعداد الضحايا من الجانبين، لأن الفارق كبير للغاية.
الولايات المتحدة تعتبر في مواقفها الرسمية ان العميات الإرهابية هي وراء مقتل آلاف العراقيين بمعدل خمسين إلى ستين شخصا يوميا، وهي ـ أي العمليات الإرهابية ـ السبب الرئيسي وراء تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية الأساسية.
وإذا كان ذلك صحيحا بمستوى معين فإنه ينبغي التساؤل عن العوامل والظروف التي أدت إلى اتساع رقعة الإرهاب في العراق، واتساع مدياته الى درجات خطيرة ومقلقة جدا راحت تنذر بصورة أو بأخرى بحرب أهلية لم يعد الساسة والمحللون يتجنبون الحديث عنها علانية وصراحة!
رجال السياسة والفكر الأميركان أنفسهم يجيبون عن هذا التساؤل، ويعتبرون ان كل ذلك يعود الى الأخطاء القاتلة في الاستراتيجية الاميركية التي اتبعت للتعاطي مع الوضع العراقي الشائك والمعقد.
الدراسة الموسعة التي أصدرها مركز "سابان" لدراسات الشرق الاوسط التابع لمعهد "بروكنجز" تحت عنوان "نحو استراتيجية جديدة لأميركا في العراق" وأشرف عليها كينث بولاك المدير السابق لشؤون الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي الأميركي ومحلل شؤون العراق وإيران في وكالة الاستخبارات المركزية سابقا، هذه الدراسة تتحدث بإسهاب عن نقاط الضعف وأخطاء الاستراتيجية الأميركية الموضوعة، وتطرح استراتيجية بديلة تجعل من العام 2006 عام الحسم في العراق.
وطبيعي أن الذين كتبوا الدراسة المشار اليها استندوا الى معطيات وحقائق وتقييمات مسؤولين كبار في مراكز القرار السياسي والعسكري بواشنطن.
فعلى سبيل المثال اعترف وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد أمام مجلس الشيوخ الأميركي بأن "أعمال العنف الطائفي قد انتقلت من سيىء إلى أسوأ، وأنه لو اندلعت حرب أهلية في العراق فإن قوات الأمن العراقية هي التي ستتعامل معها بقدر استطاعتها".
ويقر قائد القيادة الوسطى للقوات الاميركية في الخليج الجنرال جون أبي زيد بأن "الوضع في البلاد ـ أي في العراق ـ يتجه إلى التحول من التمرد إلى العنف الطائفي".
وردا على رامسفيلد يقول السيناتور الديمقراطي إدوارد كيندي: "من الواضح أنه ليس من الواقعية في شيء أن يتقرر الاعتماد على قوات الأمن العراقية التي لا تستطيع أن تقاتل بمفردها لمواجهة أي حرب أهلية قد تنشب في العراق، وبالتالي فإن القوات الأميركية ستجد نفسها متورطة في تلك الحرب في نهاية المطاف".
ويبدو أن تشخيص الدراسة دقيق الى حد كبير عندما ترى أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته إدارة الرئيس بوش في العراق بتسريح الجيش العراقي وقوات الأمن التابعة لنظام صدام حسين خلق فراغا أمنيا لم تستطع القوات الأميركية سده منذ شهر نيسان/ أبريل عام 2003، ما أسفر عن مشكلتين:
أولا: حركة التمرد المسلح المتمركزة بشكل أساسي في غرب العراق.
ثانيا: انهيار مؤسسات الدولة العراقية، والفشل في إعادة بنائها بالاستعانة بقيادات عسكرية وسياسية جديدة.
ومضافا إلى ذلك فإن آراء آخرين من أصحاب الرأي في الولايات المتحدة تلتقي إلى حد كبير مع الاتجاه العام لدراسة مركز "سابان"، فمايكل أوهلنان زميل الدراسات الخارجية والاستراتيجية في معهد "بروكينجز" بواشنطن يؤكد "انه منذ شهر نيسان/ أبريل 2003 ذهبت الولايات المتحدة من فشل إلى فشل آخر. ومنذ مرحلة ما قبل الحرب كان الخطاب السياسي الأميركي والحسابات الاستراتيجية إما غير محسوبة في أحسن الأحوال أو كاذبة ومضللة في أحيان أخرى، ما أضر حتى بالديمقراطية داخل أميركا، ونتج عن ذلك أن تبرير مقولات وأهداف الحرب مثل نشر الديمقراطية فشلت أيضا. ولم يعد العراق جنة الجهاديين فحسب، بل أصبح الجهاد هو عقيدة العراق، ومنه انتشر أكثر وأكثر الى المنطقة، ولم تنتشر الديمقراطية كما توقعت الإدارة الأميركية".
وبرغم أن نوعاً من المبالغة يظهر في ما ذهب إليه أوهلنان كما يرى البعض، إلا أن الواقع القائم حاليا يؤكد بما لا يقبل اللبس والغموض، أن السياسات الأميركية تدفع بالأمور في العراق إلى أنفاق مظلمة لم يعد يتحرج الكثيرون من الساسة العراقيين من الحديث عنها، مثلما يفعل بعض الساسة الأميركان.
ولعل مطالعة متأنية لمذكرات الحاكم السابق في العراق السفير بول بريمر الذي صدرت مؤخرا في كتاب تحت عنوان "سنتي في العراق"، تكشف عن كم غير قليل من الأخطاء المتلاحقة التي بدأت مع سقوط نظام صدام وبعد مجيء مسؤول مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية في العراق الجنرال جاي غارنر، ومن بعده بول بريمر نفسه.
وبينما يجري الحديث والبحث في داخل كواليس مراكز القرار السياسي وفي أروقة مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية عن "ضرورة أن يكون العام 2006 عام الحسم في العراق"، فإن استقراءات الواقع السياسي والميداني في العراق تشير في مجملها إلى أنه من المستبعد جدا أن تنجح الولايات المتحدة الأميركية في إصلاح ما أفضت إليه استراتيجياتها الخاطئة من نتائج كارثية أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ما يعني استمرار الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، إلا اذا برزت معطيات ووقائع جديدة على أرض الواقع.
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006